"ليس من الصواب أن يرى المرء الثديين اللذين أرضعا زوجته"، بهذه العبارة أجابت إحدى نساء قبائل الزولو عن سؤال طرحه عليها أحد المُبشّرين عن سبب الإسراف المُبالغ فيه، في تقاليدهم، بخصوص المجانبة الحاصلة ما بين الحماة وصهرها، زوج إبنتها، والحذر الشديد من التواصل!
لدى فريزر أيضاً نقرأ العديد من الأمثلة الأخرى على هذه الظاهرة. ففي "فانالافانا"، على سبيل المثال، لا يسير الرجل خلف حماته على الشاطئ إلى أن يزيل مدُّ المياه آثارَ أقدامها على الرمل. ومن المستحيل أن ينطق الرجل باسم حماته أمام الناس، أو أن تنطق هي بإسمه!
ولدى الزولو أيضاً عُرْفٌ يقضي بأن يستحيَ الرجل من حماته، وأن يفعل كلّ ما من شأنه أن يُجنّبه مجلسها! وعليه أيضاً ألا يراها مطلقاً! وفي البازوغا لا يجوز للصهر التحدُّث إلى حماته!
وربَّما تكون هذه الممارسات التي تهدف إلى تقييد الاتصال ما بين الرجل وحماته مفهومة في مجتمعات قديمة ومتخلّفة، حيث امتداد القرابة الجماعية البدائية ما يزال مسيطراً وذا دور وقائيّ ضد سفاح القربى، على اعتبار أنهم كانوا يعيشون حياتهم شبه عراة.
لكننا لا نفهم ظاهرة من نوع آخر، قد تكون رمزية، تجري اليوم في مجتمعات حضارية تظهر على شكل حساسية مفرطة، إن لم نقلْ نفوراً، في العلاقة ما بين الحماة والصهر!
يرى فرويد بأنَّ الحماة ترفض التخلّي عن امتلاك ابنتها في المقام الأول، فتخترع أكبر الحجج لإبقائها أكبر فترة ممكنة في حضنها. ناهيك عن عدم ثقتها بذلك الغريب الذي ستعهد إليه بهذه المهمَّة، أي رعاية صغيرتها، ولسان حالها يقول دائماً: من هو هذا الشخص ليأتي ويخطف ابنتي منّي؟ يضاف إلى ذلك محاولاتها في توكيد موقفها السابق في بيتها وإمكانية نقله إلى واقع ابنتها الجديد.
والصهر، بدوره، يرفض الخضوع لأيّ سلطة غريبة، وهو في الأصل ناقم على واقع حبيبته القديم قبل زيارته الأولى إلى أهلها، ويغار من كل الأشخاص الذين امتلكوا قلب وموّدة حبيبته، قبله، من أهلها. إضافة إلى رغبته بعدم تعكير صفاء علاقته الغرامية مع حبيبته وهو يرى حماته، وفي أغلب المواقف، تنتصب أمامه كأحد أصنام الجاهلية.
والأمر لا يقف عند هذا الحدّ مطلقاً. فثمّة، بحسب فرويد، دوافع أعمق تختبئ خلف هذه الانفعالات المستترة ما بين الحماة والصهر.
فالأمّ - الحماة والمتقدّمة في السنّ تقي نفسها من حالة الشعور باللاإرضاء الزوجي من خلال التماثل مع أبنائها وبناتها. وذلك بأن تجعل من تجاربهم العاطفية تجاربها الشخصية، تحت شعار مملّ ودائم: "الأهل يبقون شباباً مع أولادهم"، والأولاد بالتأكيد هم من سيدفعون الثمن.
وهذا الشعور بمشاعر الابنة لدى الأمّ قد يصل ببساطة إلى درجة مشاركتها في عشق الرجل الذي سترتبط به. وطبعاً هذا العشق يكون عذرياً ومن دون غايات، وسمته الوحيدة هي التسلُّط.
وفي حالات تبدو مغايرة تماماً، لكن لها نفس الدلالة على الإسقاط، يتمُّ توجيه العنصر اللاودّي أو السادي من العاطفة ضدَّ الصهر
ونقل الصراع النفسي بعدم الرضى عن الذات، أو عن الشريك، إلى الصهر، فهو كبش المحرقة الجاهز هنا للتضحية.
أما من جهة الصهر فالحماة في لاوعيه هي صورة أمّه؛ عشقه الأول الطفولي والمحرّم. وهي أيضاً صورة حبيبته المسبقة عندما يتقدّم بها العمر.
وبين الصدّ عن الرغبة الأولى التي تُحرّض لديه رغبته المحارمية المستبعدة (التي تأخذ شكل الاحترام)، وبين النفور من الحالة الثانية (صورة حبيبتي المسنّة) أي خاصيّتي الجاذبية والكره، تتشكّل أبرز الملامح التي يكنّها الصهر تجاه حماته.
وبالتالي فإن جميع مشاعر اللاود التي تنشأ ما بين الحماة وصهرها تكون أسبابها أشدّ عمقاً بكثير من الخلاف في الرأي أو الجدل على أشياء تبدو للناظر بأنها تافهة.
وبالطبع لا ندَّعي عدم (أو ندرة) وجود حالات من الاتفاق بين الطرفين تسودها المحبّة والاحترام المتبادلين، لكنها الأقل وقوعاً، ولها أسبابها في محاولات التعويض النفسيّ.

باحث سوري في علم النفس التحليلي.