بقلم طلعت حرب


تم عرض فيلم "رجم ثريا" في سينما ريفولي ـ مسرح اسطنبولي، وهو من إخراج Cyrus Nowrasteh وسيناريو Betsy Giffen Nowrasteh و Cyrus Nowrasteh، مقتبس عن قصة حقيقة للروائي الفرنسي ـ الإيراني Freidoune Sahebjam ، تم انتاجه سنة 2008 للمنتج Stephen McEveety و Jhon Shepherd، وقد حصد الفيلم ست جوائز عالمية، كما رشح لثماني جوائز أخرى.

تجدر الإشارة في البداية إلى أن هذا المقال لا يتناول الجدل الفكري ـ سواء العقائدي أو الطائفي ـ حول قضية الفيلم، إنما هو عبارة عن رؤية نقدية للعمل الإخراجي للفيلم، يناقش مدى قدرة المخرج على توظيف أدواته الإخراجية من سيناريو، وممثلين، وأماكن التصوير، وإطار الصورة وتباين الألوان فيها، وزوايا الكاميرا وحركتها، والموسيقى التصويرية، واختيار الملابس وغيرها، وفق معايير تبرز قوة ونقاط ضعف العمل الإخراجي السينمائي.

نتناول أولا أماكن التصوير الخارجي، حيث تم تصوير الفيلم في قرية أردنية، والتي تتشابه بطبيعتها قرية "كوباي"، لكن الملفت للانتباه هو تركيز المخرج في اللقطات العامة أو البعيدة جداً (ELS or VLS) على لقطات الجبال القاحلة حول تلك القرية، بحيث اختارها بعناية للدلالة على إنعزال البيئة الثقافية ـ وفق وجهة نظره ـ عن البيئة الثقافية العالمية.

كما ركز المخرج على إطار الصورة الخلفي في المشاهد الخارجية كثيراً على الجدران غير مكتملة البناء أو المهدمة في إشارة منه إلى طبيعة الحضارة. وهنا نستشهد بمفهوم الحضارة والعمران عند ابن خلدون، بحيث يؤكد في كتابه " العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر، ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر" والذي يعرف بـ "مقدمة ابن خلدون"، على أن الوجهة الإنسانية هو شيء ضروري لكي يوجد العمران ويتحرك ويتكامل، وكلما ارتقى الإنسان في تحديد وتمييز تلك الوجهة؛ بحيث تكون وجهته إلى الحق، ازداد تكامل العمران البشري على هذه الأرض، واقترب من أقصى درجات التكامل العمراني، وبالتالي الحضاري.

وفي نفس السياق، استخدم المخرج لقطة لمشهد خارجي تجسد في جسر بقنطرة صغيرة مبنية من الحجارة كدلالة انتقالية في ثلاث مرات منفصلة زمنياً داخل الفيلم. اللقطة الأولى كانت مرور الصحفي عليه، كدلالة انتقال ثقافي يحمله الصحفي الفرنسي الجنسية إلى ثقافة تلك القرية لمعرفة القصة. وفي اللقطة الثانية كانت عبور الطفلة على الجسر وتحمل في يدها التي ترفعها في الهواء ورقة تتضمن قرار الحكم على "ثريا"، وهو للدلالة على أن مصير ذلك الحكم قد ينتقل من جيل إلى جيل. أما اللقطة الثالثة والأخيرة فكانت عبارة عن مرور "ثريا" والجموع خلفها من أهالي القرية على الجسر في دلالة للانتقال من الحياة إلى الموت.

أما في لقطات الكاميرا، فقد اعتمد المخرج كثيراً على اللقطة المتوسطة(MS or MLS) والبعيدة) LS( ربما تارة للدلالة كما ذكرنا سابقاً لوضع المشاهد دائما في أحساس العمران غير المكتمل أو المتهالك، وتارة أخرى لإظهار الإطار الذي يقف خلفه الممثل، أو حركته داخل ذلك الإطار. لكن ما أبدع فيه المخرج على مستوى الإطار في المشاهد الخارجية، ذلك الإطار الذي وإن ضغطت على زر الإيقاف المؤقت للتشغيل في الفيلم، يعطي ملخصاً كاملاً عن الفليم في لقطة واحدة، وهو المشهد الذي يبدأ من لقطة الكاميرا من الخلف "الضهر" لعائلة "ثريا" ـ أي العائلة التي تدير ظهرها للمشاهد أو لثريا ـ التي تنتظرها وهي تسير في الساحة جنباً إلى جنب مع خالتها "زهرة" لتنفيذ الحكم الصادر عليها، يتقدمهما "إيراهيم" ـ المحافظ أو رجل السلطةـ ومن خلفهما حشد من الرجال المتدافعة نحو الساحة، وفي الزاوية العليا البعيدة من اللقطة (الإطار) توجد صورة كبيرة لرجل دين معلقة فوق أحد أسطح المنازل.

وهنا يجرنا الحديث على تركيز المخرج على الإطار الخلفي خاصة ما يمثله من رموز دينية سواء بآيات قرآنية معلقة على الحائط وغيرها أو بلقطات قريبة جداً ـ وإن كانت نادرة ـ كتلك اللقطة التي أخذها لمسبحة الشيخ التي في يده حين تكلم عن سماح الدين للرجل بالزواج من أربعة نساء. وفي لقطة أخرى تجسد بداية مشهد تم تصويره من الزاوية العليا (H.A.S) ومائلة قليلاً، لعائلة الزوج

التي تجلس على الأرض لتناول العشاء. فمن هذه الزاوية يعطي المخرج إحساس بسلطة الأب الرجولية على عائلته الذي بدأ مشهد دخوله للبيت بالوقوف على الباب ليبدأ بالصراخ ومحاسبة الزوجة.

في حين كانت حركة الكاميرا أكثر ما أبدع فيه المخرج في أكثر من لقطة أو مشهد متكامل من عدة لقطات سنأخذ منها واحداً فقط، وهي حركة الكاميرا الدائرية لعدة لقطات منفصلة ومتكررة قبل بداية تنفيذ الحكم، وهي الدائرة التي وضعت "ثريا" في خانة الزانية، هذه الدائرة المكونة من النساء التي أثارت الإشاعة وتناقلتها حقداً وحسداً لثريا لموقفها الشهم بعد وفاة زوجة الذي اشتغلت عنده، ومنعتهم من سرقة أغراض الزوجة المتوفية؛ والشيخ والزوج الذان دبرا المؤامرة للتخلص منها؛ ورجل السلطة الذي كان يتضرع إلى الله لمعرفة الحقيقة في حالة انفصامية لعدم سعيه الجدي لمعرفة الحقيقة باستقلالية وشفافية؛ وجموع الرجال الذين يتربصون لتنفيذ الحكم بـ "ثريا" لغسل خطاياهم بشرف امرأة بريئة؛ باختصار دائرة من وضعت المرأة البريئة بخانة المرأة الزانية والنجسة.

أما الحالة الانفصامية المباشرة لنفسية الممثل فقد استخدمها المخرج بطريقة مباشرة بمشهد ترتيب الشيخ للمؤامرة من خلال دخول ضوء الشمس من الشباك وانعكاسه فقط على نصف وجهه، في حين بقي النصف الآخر من وجهه في الظل، وذلك للتعبير عن الحالة الانفصامية المباشرة بين رجل دين يحمل تعاليم الإسلام السمحة وإنسان يحمل داخله شراً للآخرين.

من العناصر التي يمكن الحديث عنها في هذا المقال أيضاً الموسيقى التصويرية. فعلى الرغم من اعتماد المخرج على الأصوات الحقيقية العفوية داخل المشاهد، وذلك لإعطاء القصة إحساساً أكثر بالواقعية، إلا أنه يمكننا الحديث ـ وبإيجاز ـ عن المقدمة الموسيقية للفيلم وفي مشاهد أخرى. فالفيلم يبدأ بموسيقى حزينة ترافقها أصواتاً نسائية تولول تعبيراً عن صرخات النساء من ظلم المجتمع الذكوري لها، أصوات تجسد صرخات نساء تستنجد لإخراجها من هذا الظلم. كما تكررت الموسيقى التي تحمل نفس المعنى من صرخات النجدة في مشهد الرجم لـ "ثريا".

في اختيار الملابس، كان اختيار الملابس انعكاساً لشخصية كل ممثل الداخلية في الفيلم أكثر من التركيز على مضمون المشهد إلا في حالات قليلة، فنرى أن "ثريا" كانت ملابسها ذات ألوان زاهية في غالبية مشاهد الفيلم؛ ألوانا تعطي انعكاساً بشفافية تلك الشخصية وبراءتها. أما الشيخ فكانت ملابسة مرتبة أنيقة، إنما هو يحمل انعكاساً أراد المخرج أن يوصله للمشاهد عبر مظهره الخارج الأنيق عكس ما يضمره من شر في داخله؛ أي داخل الشخصية. بالاضافة لاختيار ملابس ذات الألوان القاتمة لرجل السلطة (المحافظ). أما زوج ثريا فكانت ملابسه تتنوع بين سوادء للدلالة العسكرية، وتارة مرتبة ونظيفة للدلالة على وضعه المادي، وتارة أخرى بألوان صفراء للدلالة على الخبث الذي يضمره داخله.

هذا فيما يخص نقاط القوة في العمل الإخراجي السينمائي للفيلم، أما فيما يخص نقاط الضعف فنذكر منها على سبيل المثال لا الحصر في إعداد السيناريو الذي تبين في عدة نقاط تقصيره في البحث الموضوعي عن الحقائق الدينية في القرآن وتعاليم الشريعة الإسلامية كالشهود في حالة الزنا مثلاً بحيث يطالب القرآن بأربعة شهود وليس إثنان، أوغيرها من الجمل الحوارية. كما اعتمد الفيلم بشكل قليل على اللقطة القريبة(CUS) والقريبة جداً (VCU) والتي تحمل في طياتها الانعكاس المباشر للمشاعر الداخلية للممثل في حركة العين والوجه، بالرغم من كونه فيلما دراميا يحمل في طياته الكثير من الإحساس بالتجبر والخبث من جهة والظلم والحسرة من جهة ثانية، هذة القلة جعلت المشاهد بعيداً عن التفاعلات الإيحائية التي تنبع من حركة أعضاء الوجه القريبة أو حتى الجسد التي قد يعكسها الممثل للمشاهد ويوصلها بإحساس عال وفعال جداً.

يبقى فيلم "رجم ثريا" من الأفلام التي لها المكانة المميزة في تاريخ السينما الإيرانية التي عرفت بالواقعية والتأثير المباشر على المكونات المجتمعية والثقافية فيها، كما أن هذا الفيلم لعب دوراً مهماً في تغيير عدة قوانين في الدولة الإيرانية التي تخص قضية المرأة.