جنّدت وسائل الاتصالات التقليدية ووسائل الاعلام في الولايات المتحدة الاميركية، اليوم أكثر من أي وقت مضى، كل طاقاتها وأموالها لخدمة نخبة قليلة من الناس. في المقابل، تنافسها شركات تكنولوجيا تديرها غوغل وفايسبوك وصنّفت نفسها وسيلة مقنعة لانفتاح الجمهور على العالم. وأدى تكتّلي المال المذكورين إلى حصول شرخ وعدم مساواة بين الطرفين.

مثال على ذلك، كلام الرئيس التنفيذي لشركة أمازون عن ثروة طائلة تعادل 150 مليار دولار، جنى معظمها من عمله في التوزيع الإعلامي، في حين أن معدّل الدخل الفردي في الشركة نفسها هو أقل بدولار من الحد الأدنى للأجور في الولايات المتحدة.&

في كتابه "السينما وثروة الأمم: إعلام ورأسمال ومنظومة ليبرالية عالمية" Cinema and the Wealth of Nations: Media, Capital, and the Liberal World System (492 صفحة، منشورات جامعة كاليفورنيا، 45 دولارًا)، قدّم لي غريفسون بدراسة مثيرة للاهتمام توضح أن هذا الشكل من الاقتصاد السياسي ودور الاعلام المهم فيه نشأا في الفترة ما بين الحربين العالميتين. ويجادل في هذا الخصوص ليؤكّد أن شركات الإعلام الكبرى وصناعة الإعلام نشأت في تلك الفترة، ثم اجتمعت مع رؤوس الأموال ومع شركاتٍ أخرى متخصصة في التكنولوجيا والاتصالات.&

السينما أقوى&

يقول غريفسون إن صناعة الإعلام ثابتة، إلا أنه ينتقل بعدها ليشدّد على أن السينما أدت دورًا أكبر من الدور الذي أدته وسائل الإعلام في التثقيف والتأثير في السلوك، من خلال أفلام هوليوود الترفيهية التي يتقبّل مشاهدها أن يطّلع على الثقافة الأميركية وأن يتم فيها الترويج لأفكار الدولة الأميركية من دون أن يشكّل ذلك له إزعاجًا لأحد.&

في المقابل، بالكاد يذكر المرء أن وسائل الإعلام المسيّسة كانت في إحدى المرات أداة أساسية كي تعمل الشركات والدولة من خلالها على توسيع رقعة نفوذها بين الشعوب. يعطي أمثلة حية ليؤكّد من خلالها أن للسينما دورًا اجتماعيًا كامنًا وراء ما نراه من فن وترفيه، كفيلم Useful Cinema، Films that work: Industrial Film and the Productivity of Media .&

كما يتطرّق لفيلم How Henry Ford Makes 1000 Cars a Day الذي استثمرت شركة فورد في انتاجه بهدف الترويج لمنتجاتها وساعدت في الوقت نفسه على نشر مفهوم جديد للانتاجية والمواطنة. ينتقل إلى الكلام عن فيلم The Road of Happiness للشركة نفسها والتي انتجته بالتعاون مع الحكومة الأميركية. فكان الهدف منه في وقتها توسّع السوق إلى مناطق جديدة، وتعريف المستهلك الجديد في تلك المناطق على ثقافة أميركية اقتصادية ناشئة.

حذر بريطاني&

أثار توسّع الرأسمال الأميركي وتزايد تأثير وسائل الاعلام الاميركية، قلق النخبة البريطانيّة. ففي الفصل الثامن من الكتاب، يسلّط غريفسون الضوء على ناحية جديدة من الموضوع المطروح، حين ينتقل إلى الكلام عن السياسة التي اتبعتها الامبراطورية البريطانية، عندما كانت قوية، لكي تحمي اقتصادها من دخول سوق العمل الاميركي اليه. فبدأت العمل على الترويج لاسم بريطانيا في الاقتصاد.

يقدم غريفسون في الفصل الحادي عشر مراجعة لتاريخ السينما في أواخر العشرينيات الماضية ويشرح العلاقة بينها وبين المسرح في ذلك الوقت. ويشدّد أن تركيز رأس المال على الاستثمار في عالم السينما منح السينما الاميركية الاستمرارية والاستقرار. &في وقتٍ لاحقٍ، شكّل دخول تقنية الصوت المتزامن إلى هذا المجال خطوة اقتصادية مهمة، ساعدت في توطيد علاقات التعاون والشراكة بين مؤسسات كبيرة انتجت ووزعت وعرضت الأفلام. من أبرز الشركات يذكر غريفسون اي تي أن تي، جنرال الكتريك وار سي اي.&