لم تتخلّ الولايات المتحدة عن الإمبراطورية، لكنها أعادت تشكيل محفظتها الإمبريالية، وسلبت نفسها من المستعمرات الكبيرة لتستثمر في قواعد عسكرية وبقع صغيرة من السيادة شبه المتناثرة حول العالم.

إيلاف من بيروت: ولدت الولايات المتحدة من التمرد ضد القوة الإمبريالية، وتوسعت بعدها لتصبح إمبراطورية أكثر مما توقع الجميع، بمن فيهم الأميركيون أنفسهم. في الواقع، إن تاريخ البلاد، وفقًا لكتاب دانييل إميروار الجديد "كيف تخفي إمبراطورية: تاريخ الولايات المتحدة الكبرى" How to Hide an Empire: A History of the Greater United States &(المؤلف من 528 صفحة، منشورات فرار وستراوس وجيرو، 30 دولارًا)، يشير إلى أن تاريخ البلاد يروي حكاية امبراطورية تم إخفاؤها.&

إن فهم هذا التاريخ يعني النظر إلى ما وراء خريطة أميركا اليوم، وفقًا لإميروار، المؤرخ في جامعة نورث وسترن، والذي ينصب تركيزه على الأراضي الأوسع، التي أصبحت خاضعة لسيطرة الولايات المتحدة الكبرى.&

في أوقات مختلفة، شمل ذلك الفلبين (مستعمرة من عام 1899 إلى 1946) وبورتوريكو (الكومنولث الآن)، وكذلك ساموا الأميركية وغوام وجزر فيرجن الأميركية وماريانا الشمالية، والعديد من المناطق الأخرى حول العالم.

دراما من ثلاثة فصول
هذا التاريخ دراما من ثلاثة فصول: الأول يصف جمع "شعار أميركا" من خلال التوسع غربًا وتشريد الأميركيين الأصليين، فكانت النتيجة بلاد جائعة. الفصل الثاني شهد ضم أقاليم أخرى. ففي القرن التاسع عشر، أدى جنون استخدام ذرق الطائر لاستخدامه كسماد إلى احتلال العشرات من الجزر غير المأهولة في منطقة البحر الكاريبي والمحيط الهادئ.

تم شراء ألاسكا لتليها الانتصارات العسكرية الجزء الشمالي من المكسيك، ثم إمبراطورية إسبانيا الخارجية، بما في ذلك الفلبين وبورتوريكو وآلاف الجزر، و8.5 مليون شخص، على الرغم من التكلفة العالية.

وفقًا للكتاب، القتال من أجل الفلبين أزهق أرواحًا أكثر من الحرب الأهلية الأميركية. ومع استمرار الأعمال العدائية من عام 1899 إلى عام 1913، يعد هذا أطول صراع في أميركا، باستثناء النزاع، الذي ما زال مستعرًا في أفغانستان اليوم.&

يشار إلى أن القتل في الفلبين في الحرب العالمية الثانية هو الحدث الأكثر تدميرًا على الأرض الأميركية.

أفول الأمبريالية
في نهاية تلك الحرب، ضمت الولايات المتحدة الكبرى حوالى 135 مليون شخصًا خارج البر الرئيس، وأكثر من 132 مليونًا يعيشون في البلد. مع ذلك، باستثناء فترة وجيزة من الحماس للإمبراطورية في نهاية القرن العشرين، فإن السيادة الامبريالية للبلاد بدأت تذوي بفعل تأثير العديد من السياسيين. واليوم، فإن واشنطن - على عكس لندن – لم تعد لديها مئات المكاتب لإدارة المستعمرات.

في الفصل الثالث، يحدث شيء رائع: أميركا تتخلى عن الأرض. يتقلص عدد سكان الأراضي الأميركية خارج الولايات الأساسية من 51 في المئة من المجموع في عام 1945 إلى 2 في المئة في عام 1960 (بعد انضمام هاواي وألاسكا إلى الاتحاد). في هذه الأيام، فإن حجم جميع المناطق الخارجية التابعة للبلاد قد يكون أصغر من كونيتيكت.

العولمة تحل محل الإستعمار
يرد إميروار السبب إلى أن التعبير عن القوة لم يعد يتطلب الاحتفاظ بكميات كبيرة من الأرض ضد إرادة السكان المحليين. بدلًا من ذلك، تحلّ العولمة محل الاستعمار. بفضل الطيران والسيطرة اللوجستية وغيرها من الابتكارات العالمية المتقلبة، يمكن أميركا أن تستبدل احتلال الأراضي بنشر التكنولوجيا.

لكن هذا لا يعني أن الولايات المتحدة لا تهمّها حيازة الأراضي، إذ تمتلك القوة العظمى ما يقرب من 800 قاعدة خارجية (مقارنة بحوالى 30 قاعدة يحتفظ بها آخرون).&

يقول إميروار إن الولايات المتحدة لم تتخل عن الإمبراطورية، لكنها "أعادت تشكيل محفظتها الإمبريالية، وسلبت نفسها من المستعمرات الكبيرة، لتستثمر في قواعد عسكرية وبقع صغيرة من السيادة شبه المتناثرة حول العالم".

آثار الامبراطورية القاتلة
كتاب "كيف تخفي امبراطورية" لا يروي التاريخ الجامد وحسب، بل هو نابض بالحياة والقصص الممتعة. فمثلًا، يتحدث عن تاريخ البيتلز وفيلم غودزيلا، حبوب منع الحمل وراديو الترانزستور، وصولًا إلى استخدام كلمة "أميركا"، التي دخلت كلغة مشتركة متأخرة بشكل مدهش، ولم تنتشر إلا بعد عام 1898.&

الكتاب ليس ورديًا بأية حال من الأحوال، إذ إن له جوانب أكثر قتامة أيضًا، مثل العنصرية، المنطقة القانونية الرمادية التي تتواجد فيها أقاليم ما وراء البحار، وعدم التمثيل الكامل، الذي لا يزال يؤثر على الأربعة ملايين شخص الذين يعيشون فيها.

أما الآثار القاتلة للإمبراطورية، بحسب إميروار، فتتراوح بين الإرهاب انتقامًا من وجود قواعد أميركية في البلاد الأجنبية إلى الردود غير الملائمة للكوارث في أماكن تحمل "مواطنة من الدرجة الثانية"، مثل رد الفعل الضعيف على الكارثة التي خلفها إعصار ماريا في بورتوريكو في 2017.&

أعدّت "إيلاف" هذا التقرير عن "إكونوميست". الأصل منشور على الرابط:&
https://www.economist.com/books-and-arts/2019/03/16/americas-hidden-history-of-imperialism?frsc=dg%7Ce

&