صدر للروائي العراقي علي بدر مجموعة قصصية تحمل عنوان (حفلة القتلة) عن مكتبة دار (الكا) في شارع المتنبي ، وكان ظهورها الاول في معرض بغداد الدولي للكتاب الاخير .

تقع المجموعة قصصية في 208 صفحة من القطع المتوسط ، وتضم بين غلافيها (12) قصة وهي : كاتب الروايات البوليسية ، حفلة القتلة، جريمة جندي المخابرة، حكاية المترجم الهندي التي رواها لي صحفي ميت، وحدهم القتلة شهدوا نهاية الحرب، كبش الأساطير، ثلج النهار الملتهب، كأس بيرة غنيس الى حنا البحار.. ذلك البحار البعيد ، حين سكرت مع البروفسور جيم في الحانة الايرلندية، أقسم ان السيد مودي في لندن، وموت الجندي الخيالي، كتبها في بغداد ولندن وبروكسل بين سنوات 204 -2015، وفي الغلاف الاخير كان هناك تعريف بسيط قصير بالقصص (تمثل هذه القصص معا عملا ادبيا واحدا يتكون من 12 قصة تتناول الكوابيس وصور الحرب المؤلمة نرسومة عبر فنطازيا وخيال سريالي تزواج بين الواقعي والخيالي، وترسم على نحو ساخر احتدام التجربة الانسانية بكل ابعادها .

والقصص تتميز بسحر الاسلوب الذي كتبت به ، وهو ما تميز به الروائي علي بدر ، اسلوب يجعل القاريء يشهر بانسابية في القراءة حيث الايقاع الممتع والجاذب ، وحيث ليس هناك ما يعكر مزاج القراءة الا تلك القسوة التي استطاع الروائي ان يبذل جهدا في ان يتقبلها القاريء لانها واقعية وصورها تتناغم في داخله في تعبيرات عديدة لابد ان يستكملها ويقف على حقيقتها مثل معلومة لابد ان رياركها القاريء منقوصة فيشعر في داخله بقلق او اختلال ، لكنما الملفت فيها ان الكاتب لا ينفك ان يستذكر الحرب بكل تفاصيلها وتأثيراتها التي لا تنتهي واوجاعها ، انه يقف رافعا العديد من الرايات البيضاء التي ترفرف احتجاجا على الحروب وقسوتها ،وتأثيراتها السلبية على المستقبل والانسان والمجتمع بشكل عام وربما العالم معا ، انه بفصل الحكايات حتى اذا احتاج ان يدخل في عالم السخرية دخل بكل قناعة وثقة وهي ايضا للتعبير عن الاحتجاج والاستنكار ، ان اغلب القصص استذكار لمصائب الحرب وتذكير بفواجعها وفواجع السياسة ايضا .

ففي القصة الاولى (كاتب الروايات البوليسية) يفدم لنا شخصية (سليم ناجي) الذي يقرر ان يكتب اول رواية بوليسية في حياته،فيثير المؤلف القاريء حين يذهب الى سرد شيء من حياته السابقة فهو جندي (كسائق دبابة في قوات ابادتها الطائرات الاميركية) ومن ثم يمارس اعمالا مذلة ومهينة،قبل ان يلتقي عند مكتبة لبيع الكتب القديمة (بمعلم اللغة الانكليزية،شخص غريب الاطوار اسمه الاستاذ نديم) فتتغير حياته (تحرر من سليم الخائف والمهان والبريء)فـ يصغي له ويتأثر بكلماته ويهرع الى البيت ليكتب قصته المرعبة الاولى،ولكن .. مع انثيالاته وكوابيسه وكتاباته صار كلما كتب عن جريمة يجدها تحدث في الواقع،خاصة انه يرى الاستاذ نديم يضحك قائلا له (لا تخش شيئا يا بني ،اكتب عن جرائم اخرى لاستمتع انا باكثر عدد من الجثث) وفي الاخير (كتبت صحيفة الجمهورية ذلك اليوم ان هناك شخصا يدعي ان كل ما يكتبه من جرائم على الورق تصبح حقيقة ،وهو يشك بمعلم اسمه نديم هو من يقوم بكل هذه الجرائم، الشاب بحالة مزرية يبكي ويتوسل الناس ان يصدقوه) .

وفي القصة الثانية (حفلة القتلة) يعود المؤلف الى (شعبة التحريات العامة) الى العام 1972 في زمن مدير الامن المعروف بوحشيته ذلك الوقت ناظم كزار، ليسرد حكايات مفزعة مرعبة عن انواع التعذيب التي يتعرض لها الخصوم السياسيون وحيث خيانة (مفكر الحزب) الذي ينال قسطا من التعذيب على يد مدير السجن الذي يطالبه بالافصاح هم (الرأس المدبر للمؤامرة) ، وفي جلسة يحضرها وزير الداخلية ومدير الامن لتكون المفاجأة

الصادمة باعتراف مفكر الحزب ان الرأس المدبر للمؤامرة هو مدير السجن الذي سرعان ما أخذوه (الى المفرمة هرسوه وحولوه الى عجينة من اللحم والعظام) !!.

وفي القصة الثالثة (ماكنة الصور المرعبة) يقدم لنا الروائي (محمود العلي) لاجيء عراقي ،شاب في الثلاثين من عمره قدم الى بروكسل منذ عشر سنوات اخذ يقرأ في موسوعة سميكة عن المكائن وطرق تشغيلها وتطور الامر عنده فبدأت هذه الماكنة تزوده بصور اوتوماتيكية هو لا يريد ان يراها،فصار يزور المصحة وصارت الافكار السوداوية تغزو عقله ،فكان يتوسل طبيبه ان يوقف هذه الماكنة التي في رأسه و .. (اخيرا تمكن محمود من ايقاف ماكنة الصور هذه من دون مساعدة ،لقد اوقفها بنفسه، واغلف الملف) .

وفي القصة الرابعة (جريمة جندي المخابرة) يحدثنا عن جمال احمد ،جندي المخابرة في وحدة الاستطلاع العميق رقم 312 المقابلة للعدو الاميركي في الجنوب، الذي يقتل عريف المخابرة في وحدته لانه خائن ، وتتضمن القصة اعترافات مختلفة ومتنوعة ذات تشعبات عديدة يختتمها الجندي باعتراف (انا جندي مسكين سادتي الضباط لم انم من شهرين،من بدء الهجوم الاميركي علينا وحتى اليوم،لقد تحالف الجميع ضدي: الزمن، القدر،عريف المخابرة وزوجتي) .

وفي القصة الخامسة (حكاية المترجم الهندي التي رواها لي صحفي ميت) فهو يقدم لنا (راجا تشاندران) الهندي الذي كان عاملا في سوق الهنود الشهيرة في البصرة من خلال الصحفي الذي كان جنديا ايام الحرب العراقية الايرانية وتعرف عليه ،وعاش في البصرة وعانى ما عانى اهلها في الحروب حتى دخول القوات البريطانية العراق عام 2003 وقد تحول الى مترجم وقد خلع عمامته وحلق لحيته وارتدى الملابس الاوربية ، وهو القائل (قدر الهندي يختلف عن قدر العراقي.. الهندي يهبط قدره الى الاسفل ثم يصعد مرة واحدة الى الاعلى مثل الافلام الهندية ،اما العراقي فقدره يهبط به الى الاسفل على الدوام حتى يغيبه في القبر) ، ويستطرد في الحكاية عن الصحفي الذي يتعرض له مسلحون ويتهمونه بالتجسس لصالح البريطانيين بواسطة هذا الهندي (الكافر) ، او انه (مرتد .. يعبد البقرة) فيذهب الروائي في رسم فنطازيا عن مقتل الصحفي وحاورته للقاتلين ، ويختتم الكاتب القصة بالقول (ان البقر يصنع اقدارا افضل بكثير من الاقدار التي تصنعها لنا آلهتنا المحترمة) .

وفي القصة السادسة (وحدهم القتلى شهدوا نهاية الحرب) يذهب الى الحرب واجوائها وعناءاتها حيث القصف والانفجارات والصيحات والنداءات، والاختلاط بالقتلى والنوم بينهم والفزع من تلك الصور ومن ثم الاستدراك بالخاتمة المحتومة .

وفي القصة السابعة (كبس الاساطير) يعود الى استذكار اجواء الحرب وان كان يعيش في (امستردام) حيث كان جنديا في حرب الاميركان ويتوغل في حكاية مع احد زملائه الجنود الذي كان يحب الخراف كثيرا ومن ثم (الا ترى حالنا نجن الجنود كما في مرتبة الخراف البريئة؟ الخراف التي تعد ليوم الذبح)، يشرح الكثير من التفاصيل الموجعة للحرب وعناءات الجنود وغرائب ما يتعرضون له وكيف يصفون انفسهم بالخراف.

وفي القصة الثامنة (ثلج النهار الملتهب) تحضر الحرب ايضا حيث يقول (فعندما يتذكر الاخرون الثلج مرتبطا بالتزلج والسفر الى المدن البعيدة،اتذكره بحيوية كما لو كانت محفورة بالتيزاب،فوجوه القتلى في الثلج اكثر عبا من وجوه القتلى في الحالة العادية) .

وفي القصة التاسعة (كأس بيرة غنيس الى حنا البحار.. ذلك البحار البعيد) يكون مع حنا الذي روى له (قرنا كاملا من حياة عائلته في مدينة البصرة) تنتهي بقوله (انه بحار قديم ترك خلفه بلدا متهالكا من الحرب،من دون ان يكف عن الحلم بالعودة مرة اخرى الى خليج البصرة) .

وفي القصة العاشرة (حين سكرت مع البروفسور جيم في الحانة الايرلندية) يحكي لنا عن جاسم حمادي بن مدينة الحلة الذي صار البروفسور جيم هاسن .

وفي القصة الحادية عشرة (أقسم ان السيد مودي في لندن) فهو يرسم فنطازيا ان (الشيخ حفيظ الله قد رأى السيد مودي في لندن)، وفي قصته الثانية عشرة (وموت الجندي الخيالي) يذهب الى الحرب ايضا ويأتي محملا منها

بالكثير من آلامها حين يتحدث عن سيرة (سبهان) الذي خدم في الجيش لمدة 22 عاما وستة اشهر حتى استشهاده عام 2003 في معركة صغيرة مع الجيش الاميركي بعد انتهاء الحرب بيومين !!