&سيدني: تأخرت تشيلي 20 شهراً في تزويد المختبرات الدولية بالعيّنات التي يمكن أن تحدّد مصدر البكتريا التي عُثر عليها في جثة الشاعر.&
يبدو أن وفاة الشاعر التشيلي بابلو نيرودا مثلها مثل رواية لا نهاية لها. فقد توفي قبل 45 عاماً، وأقيمت له أربع جنازات- 1973، 1974، 1992، 2016-، في الوقت الذي لا تزال أسباب وفاته في طي المجهول. قبل تسع سنوات، أي منذ 2011، بدأت المحاكم تحقيقاتها في أسباب وفاته، ليعلن بعدها مانويل آرايا، سائق الشاعر الحاصل على جائزة نوبل للآداب، أنه تعرّض للتسميم بموادٍ كيميائية في عهد الديكتاتور آغوستو بينوشيه، أثناء رقوده في العيادة نتيجة إصابته بسرطان البروستاتا، في الأيام التي تلت الإنقلاب الذي وقع في 11 سبتمبر/أيلول عام 1973. وهذه القضية التي ناقشها القاضي ماريو كاروزا تحاول توضيح فيما إذا كان نيرودا قد توفي بسبب ذلك المرض، كما هو الإعتقاد السائد، أو بواسطة تدخل أطراف ثالثة. غير أن التحقيق مرّ بالكثير من التعقيدات، والمزيد من العقبات: فمنذ تشرين الأول/أكتوبر عام 2017، لا تزال مختبرات كندا والدنمارك والولايات المتحدة في إنتظار العيّنات التي ينبغي على تشيلي إرسالها، والتي ستساعد في تحديد أصل بكتريا عُثر عليها في أضراس الشاعر.
وفي تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2013، توصل فريق من الخبراء إلى نتائج بشأن وفاة الشاعر، والتي فحواها أنه قد توفي متأثراً بإصابته بمرض سرطان البروستاتا، وذلك إستناداً إلى التحاليل التي أجريت على رفاته. غير أن مجموعة ثانية، مؤلفة من خبراء دوليين، كانت قد توصلت في عام 2017، وبفضل تقنيات تحليلية حديثة، إلى أن الشاعر لم يمت بسبب المرض، بعد أن إكتشفت بكتريا لم يُعرف حتى الآن فيما إذا كانت هي السبب في وفاة نيرودا أم لا. وذات الفريق من الخبراء كان قد أوصى بإجراء المزيد من التحاليل الطبية لمعرفة أصل هذه البكتريا ومصدرها، والتي ربما تكون هي مفتاح الحل للغز الموت. ومن الجدير الإشارة إلى أن عملية تحريك الجثة ونقلها من مكانٍ إلى آخر، ولمراتٍ عدة قد يكون السبب في وصول هذه البكتريا إلى جسم الشاعر. وإذا كانت لا تحتوي التربة على مثل هذه البكتريا، بعد إجراء التحليلات عليها، يمكن حينها التفكير بوجود أطراف ثالثة شاركت في وضع حدًّ لحياة نيرودا.
لكن، وكما يبدو، أن جهود الخبراء واجهت مصاعب عدة خلال مشوار التحقيق. أولاً، بسبب من العراقيل الإدارية في تشيلي: ففي عام 2008، كان القاضي كاروزا، وفي العديد من المناسبات، قد طلب من السلطات التنفيذية بأن يطّلع عامة الناس على نتائج تحاليل المختبرات الدولية. وأخيراً، في يناير/ كانون الثاني الماضي، طلبت الرقابة المالية أن تناط مسؤولية النفقات المالية المتعلقة بقضية نيرودا إلى وزارة الداخلية، وليس الأمانة العامة لحقوق الإنسان، التي بدورها تعتمد على وزارة العدل. وها قد مرّت أربعة أشهر على تقديم الرقابة المالية طلبها المذكور، لكن لم يحرّك أحدهم ساكناً.
ويرى القاضي كاروزا، المعروف بمتابعته لقضايا في غاية الأهمية في ميدان حقوق الإنسان مثل وفاة الرئيس سالفادور الليندي، أنه "من المفروض أن يكون هناك إستعداد من جانب السلطة التنفيذية لتسليم الموارد ووضع نهاية للتحقيقات". وفي وزارة الداخلية، التي هي صاحبة الشكوى، تنتظر الجهات المسؤولة أن تقوم المختبرات الدولية بتقديم ميزانيات كاملة عن قيمة الدراسات المعلقة. وفي وقتٍ لاحق، سوف يتم توقيع العقود، وفقاً لمعايير الدولة التشيلية. وعليه، أن المال لم يكن المشكلة الوحيدة التي عرقلت التحقيقات. وأما مقدم الشكوى، إبن شقيق نيرودا، رودولفو رييس، فقد طلب، ومنذ أشهر، من المحكمة، وعبر العديد من المراسلات، أن تقوم لجنة الطب الشرعي التابعة لدائرة الطب القانوني بتوضيح القضية، وحفظ عينات البكتريا التي تمّ العثور عليها في جثة الشاعر في نيسان/أبريل عام 2013، حيث تشكل أمراً أساسياً للمختبرات الدولية، من أجل تحديد منشأ البكتريا الموجودة في جسمه.
ووفقاً للطبيبة الشرعية غلوريا راميريز، ممثلة الحزب الشيوعي الذي كان نيرودا منتمياً إليه، أن الكلوستريديوم بوتولينيوم - والإسم العلمي لها هو "المطثية الوشيقية" - هي نوع من البكتريا تنشأ في التربة والمياه غير المعالجة من جميع انحاء العالم. وتشير الأخصائية إلى أنها " تنتج جراثيم تعيش على الأغذية المخزنة بصورة رديئة أو غير سليمة التعليب، مما تؤدي الحالة إلى انتاج السموم. وعند دخولها في الجسم، ولو حتى بكمياتٍ قليلة، فأنها تؤدي إلى تسمّم حاد جداً". وكما تتذكر راميريز أن الأمر بلغ بالنظام الديكتاتوري لأن يستخدم هذه العناصر كأسلوب لإغتيال خصومه: "ففي عام 1981، أجريت إختبارات لهذه &البكتريا مع السجناء السياسيين في السجن، وهناك العديد من القتلى". &