&"وردة" هكذا كان اسمها، إسم يوحي بالجمال والمحبة، يوحي بالورود والأزهار، وما تبثه من أريج يعطر الأجواء، ونسائم تحيي النفوس، يوحي بالمروج الخضراء، وما تحتويه من طنين وأزيز يملأ الضاحية بهجة وفرحة، وتتراقص بها مخلوقات الله زهوا وانتشاء.
وردة هي هكذا، ولايمكن للمرء أن يـتخيل غير ذلك، وهبها الخالق صبيا سيعرف باسم " الهامل "، كان لون بشرتها أبيض مشربا بحمرة، وكأنها من بنات عيسى كما يقولون، فجاء لون ابنها مثقلا بسمرة داكنة، كادت أن تصبح حلكة داجية.
جاء " الهامل " لهذه الدنيا نتيجة نزوة طائشة، قد تصيب الغير مما خلق الله فليست الأولى في هذا الوجود، ولن تكون الأخيرة، لكن وردة في أعين الناس قد ارتكبت جرما عظيما، وفضيحة كبرى، وفي أعين خاصتهم من العلماء، ارتكبت إثما وكبيرة من الكبائر التي تدخلها نار جهنم.
لم يُـجز المجتمع إعطاء ابنها إسما كباقي الصبية، عندما ولد، كما حكم عليها بالعزلة والبعاد كالبعـــير الأجرب، فبقي مهــملا، منبــوذا. سيُـلْبـَسُ إسـم " الهامل " الإسم المهين والذليل.
فماهو ذنبه ؟&
جاء إلى هذه الدنيا نتيجة خطإ الآخر .... هل يعاقب عن شيء لم يقترفه ؟ " ولا تزر وازرة وزر أخرى ".
انتبذت " وردة " بابنها مكانا قصيا، بعيدا عن عين ماء تفور أحيانا وتغيض أخرى، نصبت خيمة مهترئة، تتلاعب الرياح بخيوطها المتدلية المتناثرة، تتلاشى وسط برك المياه كلما تهاطلت الأمطار . & &أحاطتها ببعض أشجار السدر، وخشاش الأرض، وربطت ببابها كلبا أسود اللون، قاسمها غربتها، وواساها في عزلتها ومحنتها .
خلال الليل ــ والجو هادئ جميل ــ تبدو ذبالة شمعتها من بعيد خافتة، تظهر وتختفي من خلال ثقوب الخيمة المتعددة، تحركها نسمات الليل، التي تنعش نفوس الجميع ولاتميز بين هذا وذاك،
&وحيدة وسط قاع صفصف، نائية عن مسالك العبور، ومراكز التجمع والإلتقاء، اتقاء لمخازي الناس، وعضاتهم التي لاتشفى... رغم ذلك فالكل يلاحقها ـ إلا من بعض النسوة العاطفات عليها في تستر وتخف ـ يلاحقها هؤلاء من بعيد بالسب والشتم، باللمز والغمز، والكراهية والإحتقار، تنعت بأبشع الصفات، وتوصف بأقبح النعوت .
يشعر " الهامل " بالدونية، رفضته المدرسة، رفضه المجتمع، لايجالسه أحد ولا يصاحبه، يسير وحيدا، ينزوي نائيا، يتحاشى ملاقاة الغير... يُمْطرُ بالألقاب القدحية، منكسر الخاطر، مطأطأ الرأس...&
تحتضن " وردة " ابنها، وتضمه إليها، تلصقه بجسدها، تقبله بحب وشوق ورغبة على وجهه، ورأسه ويديه، تذود عنه كلبؤة تدافع عن صغيرها، إنه جزء منها، حملته وهنا على وهن، ووضعته كرها، وأرضعته حولين، إنه قطعة منها، وما عدا ذلك بالنسبة لها، فهو هراء في هراء.
تنظر إلى كلبها، تقربه من جسدها وجسد ابنها وتناجيه... أنت الوفي المخلص، ذو الأخلاق العالية الرفيعة، لاتجرح شعوري، ولا تحط من قيمتي، معيارك الطبيعي لايتغير، الحب والاحترام للجميع، ما أقبح الناس ما أقبح المجتمع، وما أقبح نفاقهم.....

المغرب &