لم يكن علاء يعبّر عن ارتياحه وهو يقود درّاجته الهوائية ويدخل الكازينو.. تبدو على وجهه إمارات القلق وهو يحاول إخفاءها ليبدو غير مبالٍ بما حوله، ولديه القدرة على الصراحة والقبول بكلّ شيء. يفكّر بطريقته الخاصة ويفلسف إشكاليته مع الوجود والخلق والرب والدين، وله رأيه الخاص بما يدور من نقاشاتٍ حول الذات سواء الإلهية منها أو الإنسانية. وضع درجاته متّكئةً على سياج الممر الحديدي للكازينو ودخل الحديقة مرتديًا قميصًا أبيض بخطوطٍ زرق لا يخفي كرشه المندلق الذي أقل سمنة من كرش مجتبى وحليم.. حالما رأى مجتبى تغيّرت ملامحه.. له قدرة عجيبة على تغيير الأفكار والملاح والآراء بحسب الوقت والزمان والمكان والحالة النقاشية.. وقبل أن يسلّم رمى جسده على الكرسي وضرب ظهر مجتبى وسلّم على محسن بطريقته الخاصة ( هلو حسّوني ).. مسح وجهه حين وجد الاثنين صامتين، ولم يسألهما عن سبب تواجدهما رغم عدم وجود أمسية لنادي الكتاب حيث تعقد على حديقة الكازينو كل يوم أربعاء.
هذا مقطع من الرواية الجديدة التي &صدرت للأديب &العراقيعلي لفته سعيد والتي تحمل عنوان (فضاء ضيق) عن دار الفؤاد في القاهرة ، وهي الرواية السابعة له والجزء الثالث بعد روايتي (الصورة الثالثة ومزامير المدنية)..&
تقع الرواية في 222 صفحة من القطع المتوسط ،موزعة على 20 فصلا حيث اعتمد الارقام فيها ،وصمم غلافها فاضل ضامد ، اهداها الكاتب (الى ابي ثالثة ..العالم حكاية والتدوين أثر ) ، واستهلها بمقطع من محلمة جلجامش (سيأخذ بأيدينا عن الشدة ،اما الذي اعطاك ماء من قربته لتشرب، فإنه الاله الذي سيجعلك تنال المجد ،فعلينا ان نلازمه ونستعين به) ، يمتد الروائي في هذه الرواية مع الجزئين السابقين بالشخوص انفسهم لكنه هنا يجعل من صديقه الروائي الشهيد (علاء مشذوب) بطلا لروايته هذه، كأنه يقرأ في افكار مشذوب الذي يرى ويسمع ويتكلم ، (ويفلسف إشكاليته مع الوجود والخلق والرب والدين، وله رأيه الخاص بما يدور من نقاشات حول الذات سواء الالهية منها أو الانسانية). لديه الكثير من الوجع والكثير من التهكم والسخرية من واقعه وواقع البلد ،والكثير من التمرد ، فيما يستمر معه (محسن) الباحث عن عشيقته (سلوى) التي يرى صورتها ضمن المرشحين للانتخابات والذي تتقلص عضلات وجهه كلما فكر بها !!،وتحدتم في نفسه الاهات والموجعات فيما صديقه (مجتبى) الضجر من الحياة والباحث عن موت بطريقة لا يشعر بها !!،محسن في هذا الجزء من الرواية يترك عمله حفارا للقبور وصار كاتبا في مؤسسة للأيتام وتستمر معاناته فيما يستمر الجدل مع صديقيه لينتهي نهاية مؤلمة تتمثل في مثل هذا القول (كثيرا ما تحدثنا وتعبنا من أن الحروب مفاتيح الطغاة لتسجيل أسمائهم في كتب التاريخ،وهي ميزان الجنون الذي يراد افتتاحه على بوابات الاغتسال من جذام التبعية التي صيرهم حكاما ، ثم تحولوا الى وحوش وسراق ومستغلي سماء، يا محسن.. لنَنه هذا النقاش العقيم.. صارت الخيبة ترافقنا حتى في كتاباتنا ونقاشاتنا، صرنا نحرك الثوابت لاننا وجدنا الرمال تحتها أكثر من خضرة الحقيقة)، اما علاء فيكون له حضور السحر حيث تنطلق منه الافكار ويزرع النقاشات الحادة والجادة في الشؤون كافة من (كربلاء) الى (القاهرة) المصرية وهو الذي يعتقد (إن المصريين ضد الاسلاميين وقبلوا بالعسكر، لكونهم أرحم ممن يستغلون &السماء) ،فتكون لهم نقاشات هناك وافكار يتجادلون فيها وحكايات عديدة&
&فالرواية تتناول مرحلة مهمة من مراحل العراق ، تنطلق من الانتخابات النيابية لعام 2014 وحيث صور المرشحين الكثيرة التي غطت مساحات واسعة من الامكنة ، ومنها يبدأ التهكم والسخرية اللذان يقطران عناءات وعذابات وضحكا على الذقون واستغلالا للدين لتتواصل في رسم المشاعر المؤلمة حيث الضياع والحروب والموت ، كما تناقش واقع الثقافة في العراق &ويشير الى (الذين تحولوا من الثقافة الى الالتحاق بالاحزاب الاسلامية) ومن ثم تمضي الرواية قدما لمناقشة العديد من الافكار التي تدور في فلك الواقع العراقي من الدين (المقدس والمدنس) وحيث يطلق عليه (المقندس) والسياسة والثقافة حيث يقول علاء كل ما عنده تهكما واحتجاجا وصولا الى مخاطبته الله بالقول ( يا الله.. يا من تقول إ ني مالك السموات الارض ورافع الجبال ومفجر الانهار وزارع الاشجار، هل تعلم ما يحصل على أرضك من بلاء باسمك وأنت تعلم، فأنا لا أعلم بما تعلم،فكل ما عندي غيبيات جاءنا بها من بيدهم عصمة القول وقوة الفعل.. هل تعلم إن العراق صار أكبر مسجد في العالم،وفيه تحدث أكبر مجزرة للموت باسمك وأنت األاعلى الذي تنتظر منا الايمان &بما تريده منا، ما بني الترغيب والترهيب الذي قرأناه وكنا أسرى له..) ثم تصل الرواية الى نهايتها بالاعلان عن مقتل علاء ( 13 رصاصة اخترقت جسده ودراجته الهوائية على صدره).
انها رواية البحث في الواقع العراقي المليء بالاحداث الكارثية التي تطل برأسها على الانسان فتؤذيه الى حد الجزع واليأس ، انها تصور غياهب الحياة وما حل بالعراق من اضطهاد وتحولات مؤسفة .
& & سبق للروائي سعيد ان اصدر ست روايات هي وشم ناصع البياض والصورة الثالثة ومواسم الإسطرلاب ومثلث الموت وكذلك السقشخي ومزامير المدينة مثلما اصدر خمس مجموعات قصصية وثلاث شعرية ومسرحية واحدة وثلاثة كتب نقدية .
&