اختارت سلسلة "البلياد" الفرنسية الشهيرة التابعة لدار "غاليمار" المرموقة، اصدار الأعمال الروائية للكاتب البرتغالي الكبير لوبو انطوناس ليكون إلى جانب عظماء الأدب من جميع أنحاء العالم، ومن مختلف العصور والثقافات، مُخيرة إياه على البرتغالي الآخر خوزيه ساراماغو الحائز على جائزة نوبل للآدب عام 1998. وقد علق هو على هذا التفضيل قائلا :" كان من الغباء أن تهملني سلسلة "البلياد". ولكي أكون نزيها أقول بإن لا أحد يكتب مثلي". &ويتمتّع هذا الروائي الفذ منذ عقود عدة بشهرة عالميّة واسعة. وقد ترجمت أعماله الى العديد من اللغات، & وبها اهتم نقّاد مرموقون في أوروبا، وفي والولايات المتحدة الأمريكيّة.

وكان &لوبو انطوناس &المولود في أول سبتمبر 1942 في حيّ "بنفيكا" بلشبونة قد أمضى طفولة سعيدة في بيت بحديقة جميلة. وكان في الثالثة من عمره لما أصيب بالسل. وكان والده طبيبا متخرجا من الجامعات الألمانية. لذلك كان يتميز بدقة متناهية في عمله تماما مثلما هو الحال لدى الجرمانيين. ويقول أنطونيو لوبو انطوناس :" لي ملامح ألمانية... وأعتقد أن الموسيقى هي أفضل الفنون الجرمانية. ويعجبني غوته، إلاّ أنه يشعرني بالضجر. أما توماس مان فيزعجني كثيرا".

وفي سنوات شبابه، اكتشف أنطونيو لوبو انطوناس الكاتب الفرنسي الشهير لوي فارديناند سيلين فالتهم كل أعماله ليصبح كاتبه المفضل. وللتعبير عن اعجابه به، أرسل له رسالة فرد عليه برسالة بخط يده ظل هو يحتفظ بها في جيب بنطلونه على مدى سنوات طويلة. وفي تلك الرسالة، نصحه سيلين بعدن الاهتمام بالكتابة، بل عليه أن يخصص وقته للعب مع الفتيات الجميلات. &كما أعجب أنطونيو لوبو &انطوناس &ببليز ساندرارس، وببروست، وبالشعراء الفرنسيين المعاصرين مثل ابولينير، وبول فور. وبتأثير من قراءاته، كان يكتب نصوصا سرعان ما يحرقها في الحديقة. وهو يقول :" لم أكن راضيا على ما كنت أكتب. لذلك لم أصدر أعمالي إلاّ في سن متأخرة. صوت الكاتب الخاص يأتي يتحقق ببطء شديد. لذلك لا بد من إعادة كتبة النصوص أكثر من مرة. وقد كان كاتب فرنسي من القرن التاسع عشر يقول :" ليس هناك موهبة...هناك ثيران".

وكان أنطونيو لوبو &انطوناس &في الثلاثين من عمره لمّا وجد نفسه في قلب الحرب المشتعلة في انغولا أيّام كانت هذه الأخيرة مستعمرة برتغاليّة. وبحكم عمله كطبيب ،كان عليه أن يداوي الجرحى، &وأن يعيش بين المحتضرين، والمعطوبين، والمشوّهين. ومن وحي تلك التجرية القاسية والمريرة التي كان فيها الموت حاضرا طوال الوقت تقريب، كتب أهمّ أعماله الروائيّة. وعن ذلك يقول :”لقد كنت دائما وأبدا أرغب في أن أكون كاتبا غير أن والدي كان يعتبر الكتابة مهنة غير نافعة وغير مجدية والممارسون لها عادة ما يعيشون متاعب نفسيّة وماديّة .لذا حرّضني على دراسة الطبّ لكي أكون مثله .وهكذا درست الطبّ من دون أن أبدي أيّة معارضة. لكن عليّ أن اعترف أني أعشق مهنة الطبّ خصوصا الجراحة. وبما أن كثيرين في الفترة التي كنت فيها طالبا في الجامعة كانوا يرغبون في أن يصبحوا اطبّاء جرّاحين ،فإني اخترت أن أصبح طبيبا نفسانيّا .ففي هذا المجال، مجال علم النفس، لم يكن هناك تنافس كبير. كما أنّ الاختصاص وفّر لي الوقت الكافي للكتابة. وقد كتبت كثيرا قبل أن أرسل ما كتبته إلى دور النشر". ويذكر لوبو انطوناس &أن روايته الأولى "ذاكرة فيل" رفضت من قبل جميع دور النشر في بلاده قيل أن تصدر عام 1979.

وعن تجربته خلال الحرب في انغولا يقول انطونيو لوبو &انطوناس :”أجد صعوبة كبيرة في الحديث عن تجربة الحرب. وقبل أعوام فقدتّ واحدا من أعزّ أصدقائي .وقد كان الضابط المشرف عليّ في الكتيبة. وبالرغم من اننا كنّا صديقين حميمين، فإنّ كلّ واحد منّا كان يعامل الآخر بحسب رتبته العسكريّة. وقبل وفاته بقليل التقينا، وتحدثنا عن افريقيا. وهذا ما لم نفعله أيّام الحرب هناك، &غير أنني لا أستطيع أن أتحدث عن الحرب إلاّ مع من خاضوها حقّا سواء فعلوا ذلك في أفغانستان، أم في فيتنام، أم في العراق، أم في غير ذلك من البلدان. أنا مع هؤلاء الذين احترقوا بنار الحرب. معهم يصبح الحديث ممكنا وممتعا. فهم عاشوا مثلي &نفس المعاناة ،وذاقوا نفس الآلام، وواجهوا نفس المصاعب، والأهوال".

لكن كيف يكتب رواياته؟

عن هذا السؤال يجيب لوبو انطوناس قائلا :”في البداية مزّقت العديد من الروايات لأني لم اكن راضيا عنها. وأنا أعتقد أنه باستطاعتي أن أقول بإنه لا أحد يقدر على كتابة رواية حقيقية قبل أن يدرك سنّ الثلاثين .كما أنني اعتقد أنه بإمكاننا أن نكتب رواية جيّدة بعد سنّ السبعين. وعلينا أن نكتب روايات دون التفكير في نشرها. وقد نكتب أعمالا لا تنشر أبدا. وهذا ما لا يريد أن يفهمه الروائيون الشبان".

ويبدي انطونيو لوبو انطوناس اعجابا كبيرا بكل من فوكنر ودوس باسوس وهمنغواي الذي خاض تجربة الحرب مثله. كما أنه يعتبر رواية الألماني ريماركه "لا شيء يحدث على الجبهة الغربية" من أهم الروايات التي كتبت عن الحرب. وله تقدير كبير لماركيز ولكارلوس فيونتاس. &وله تقدير لجويس. لذلك هو لا ينقطع عن اعادة قراءة عمله الشهير:”اوليسيس".غير أنه ينفر من سارتر ومن فلسفته الوجودية التي كانت تفتن العديد من شباب جيله. وهو لا يتردّد في القول بإن رواياته "سخيفة"، و"مفتعلة"، بل تكاد تكون "مُنتحلة"، وخالية من الاثارة. لكنه يعترف أن "كلمات"، وهو الكتاب الذي يروي فيه &سيرته، هو أهمّ كتب سارتر. &أما "سبل الحرية" فهي "هراء في هراء". وأما بخصوص خوزيه ساراماغو ، فيفضل أنطونيو لوبو انطوناس عدم الخوض في الحديث عنه قائلا ":هو في طريق وأنا في طريق وهو لا يشبهني وأنا لا أشبهه !”.