صدرت للروائي العراقي وارد بدر السالم روايته الجديدة التي تحمل عنوان (شظية في مكان حساس)، التي تحمل عنوانا فرعيا هو (انفجار آخر مفخخة في بغداد) ،عن مؤسسة ثائر العصامي / بغداد، وهي الرواية التي رفضها دور نشر عراقية وعربية !! لاسباب غير موجودة في الرواية هذه المشبعة بالمعاناة والجمال والعطور والمشاعر الانسانية حيث المحنة من نوع انساني آخر والاحتجاج على الحرب التي كانت السبب في الكثير من الاذى الجسدي والنفسي للناس ، وهي (رواية ما بعد الجنس ، ما بعد الحرب !) كما اسماها المؤلف.

تقع الرواية في 250 صفحة من القطع المتوسط ، يبدأها باستهلالات قصيرة تفتح نوافذها نحو متن الرواية، وهذه الاستهلالات كانت تأملات ترسم للقاريء فضاءات جاذبة للقراءة بشكل ساحر يمتلك سلاسته وقدرته على التكثيف حيث يرسم الكاتب اشكال المعاناة للاسرة الصغيرة (الاب والام والبنت الشابة والطفلة) ويوضح بشكل تفصيلي حجم الالم المستشري بين افرادها بسبب الشظية التي ترقد بين فخذي هذه المرأة منذ ستة اشهر ،والتي تتسبب لها بمتاعب ومفاجآت وتحولات غريبة لا تستطيع معها الا التأوه والصراخ .

متن الرواية يقوم على فصلين يتشعبان الى العديد من العناوين الفرعية والارقام يعلوهما عنوان (خريطة انفجار آخر سيارة مفخخة في بغداد)، يفتتحهما بقول لـ (غاستون باشالر) هو (كل شيء يرتج حين يرتعش النور) يردفه بمقطع توضيحي مكثف (من الرواية) جاء فيه (كان جسدها اجتماعيا ومقدسا لانه جسد سري،والمرأة اكثر من الرجل تحافظ على هذا السر، لكنه تبعثر في الانفجار وانسلخ عنه الحياء قسرا في الفحوصات والمعالجات والاسعافات والادوية والخياطة والترميم والترقيع، فأزالوا عنه الحشمة كثيرا او قليلا ،ففقد استقلاليته ليموت مؤقتا ،لهذا تناضل المدام ليبقى جسدها حيا مهما كان الثمن لانها امرأة تعي حالتها بطريقتها الاجتماعية لكنها لا تعي فداحة الاضرار التي تسبب بها جسدها المشاع، وهذه نصف المشكلة يا اخي..)، تقوم الرواية على ضمير المتكلم الذي يتقمصه الزوج في سرد الاحداث .

تتناول الرواية حكاية سيدة اربعينية اسمها (نور) تتعرض الى انفجار سيارة مفخخة في بغداد ، فتتعرض الى اضرار كثيرة بسبب الشظايا التي اصابت جسدها ،وبعد ستة اشهر من المعاناة الكبيرة في العلاج، تترك احدى الشظايا (قدر رأس دبوس) كانت قد اصابت المكان الحساس في جسدها ،في بظرها ،مما صار من الصعب على الاطباء اخراجها ، وسرعان ما تنقلب حياتها رأسا على عقب فتتحول هذه الزوجة القروية الاربعينية الجميلة البسيطة العاقلة الطيبة الامّ الخجول المحتشمة الى امرأة اخرى تماما تشتعل في دواخلها غريزة الجنس بشكل غريب ،(وكأن هذه الشظية اخذت تعمل كما لو انها عضو ذكري) فتحتاج الى ضرورة ممارسة الجنس لايقاف الهيجان او الحكة ، فيما هي تحاول ان تخفف ما تحدثه تلك الشظية التي سماها الكاتب (حشرة الحديد الناعمة) من انفعالات شاذة في جسدها بالرقص حينا وبأشياء اخرى اخرى وحيث الاب يطمئن ابنته (لا تقلقي .. الرقص علاج ودواء، دعي امك ترقص حتى تخرج منها تلك اللعنة) ، وفي داخله امنية (لعلها تنزلق فجأة وينتهي الالم الغريب) ، لكن هذه السيدة لا تنفك ان تطلب من زوجها المزيد من النشاطات الجنسية ،لتهدئة حركة تلك الشظية ، وقد (استولى الشبق عليها بطريقة فريدة وغريبة غير مألوفة في العلاقات الزوجية الحميمة) حتى بات يهرب منها وقد شعر بالقرف ، وقد تحول من زوج الى ممارس جنس لا اكثر، وراح يستعين بالمنشطات ارضاء لها ومحاولة منه لتخفيف حدة معاناتها ، وهو يرثي لحالها في سريرته حينما يراها (تذوب من الالم وتتوحش كثيرا بسبب الحكة المهيجة) وقد (تحولت حياتها الشخصية الى قضيب وفرج ولهاث وعرق وتعب وظلام وملل وتكرار وشظية وخيط دم باهت) ، ومع الايام تزداد المتاعب وتكبر الالام وتضررالمرأة كثيرا .

تتضمن الرواية العديد من الايحاءات التي تتوزع على اشكال مختلفة من المفردات مثل (خذني،لا تتركني، لا تخرج،الشظية تثيرني،اريد ، تعال .. احبك، خذني اكثر.. اقتل الشظية، تعال، اشتهيك ، احتاجك تعال، لا تتاخر ، انا خائفة ، انت تؤذيني بغيابك ،لا تغب عن جسدي، ارتعش اكثر بغيابك) ، وهي ايحاءات عادية لكنها تحمل معانيها داخل الرواية وتمنحها ابعادا يستوعبها القاريء من دون أي ابتذال ، وقد استطاع المؤلف ان يرسم ابعادها بدقة وحرفية عادية بريشة فنان متمكن من لغته ومستوعب لما يريد ان يقوله ،بل انه جعل الرواية في خانة الادب الانساني .

في الرواية الكثيرة من الرسائل عن الواقع الاجتماعي العراقي ، صور كثيرة يقدمها الكاتب بشفرات ،يستنكر ويحتج ويفضح بتكثيف ، ويقف بالضد من الحروب : (الحرب هي السبب في كل ما يحصل لنا وليست الشظية هي التي تؤلم زوجتك ) ، وحيث يختتم الرواية بقوله الفصل (هذه هي الحرب حبيبتي نور .. تقص فينا أعز ما نملك ) !!.