"تبدأ العَظَمة الحقيقية متى شرع الإنسان ينظر إلى ذاته كما هي". شكَّلت هذه المقولة المحور الأساسي لنظرية "القوَّة المرتكزة على العجز". وتعود هذه النظرية النفسية إلى الطبيب العقليّ النمساوي ألفرد أدلر. بعدما كان أدلر أحد روّاد مدرسة التحليل النفسيّ، إلى جانب كارل يونغ وأوتو رانك وغيرهما، قام بقلب "النوّاس" رأساً على عقب في نظرية فرويد حول الليبيدو والغريزة، معتبراً ما أسماه "النضال نحو الرفعة" (وتجاوز النقص) الدافع الأساسي لسلوك الإنسان. نظر أدلر إلى اللاشعور الفرويدي بطريقة مختلفة، ورأى بأن الإحساس بالضعف ومحاولة التعويض والتفوّق تشكّلان دافعاً أقوى من الدافع الغريزيّ لفرويد. وهذا الزعم أدَّى إلى إخراج أدلر من جمعية التحليل النفسي، ليُكوّن لنفسه بعدها مدرسة "علم النفس الفردي"، أو كما يحلو للبعض اليوم تسميتها بـ"علم النفس الأدلري". من خلال هذه المدرسة، وبحسب أدلر طبعاً، نرى بأن القوَّة الدافعة في حياة الإنسان هي الشعور بالنقص، والتي تبدأ حالما يبدأ الطفل بفهم وجود الناس الآخرين الذين عندهم قدرة أحسن منه للعناية بأنفسهم والتكيُّف مع بيئتهم.
وفي المقابل فإنَّ كلَّ فردٍ يجاهد من أجل التغلُّب على مثل هذه الأحاسيس وفقاً لأهدافٍ محدَّدة ومنتقاة. وهذا أمر نراه يحصل كثيراً في حياتنا وواقعنا اليومي المعاش. فعلى سبيل المثال، نجد تلميذاً في المرحلة الثانوية من دراسته، كان نموذجاً للأخلاق وكان دائم التفوّق، على الرغم من تعرُّضه للمضايقات، خلال سنين دراسته، وللسخرية والاستفزاز من قبل بعض زملائه في المدرسة لأنه كان يعرج في مشيته بسبب إعاقة قديمة في رجله. فكان التفوّق بالنسبة إليه منفذه إلى تحقيق ذاته، وردَّ فعله الطبيعيّ على إحساسه بالعجز وإيمانه بمقدراته كإنسان. طوّر أدلر، خلال مسيرته الحافلة، نظرياتٍ مهمةً تتعلَّق بدوافع السلوك الإنساني. وأكّد على أهمية القوى الاجتماعية في تحديد السلوك تحت عنوان "خاصيّة الاهتمام الاجتماعي".

باحث سوري في علم النفس التحليلي.