العالم مر من عصر الإمبراطورية (الأميركية بعيد انتهاء الحرب الباردة) إلى عصر الملوك الخمسة، أي الدول الخمسة القوية سياسيًا أو اقتصاديًا أو الاثنين معًا، والقادرة على ضبط الإيقاع الدولي كما تريد. الهوة بين العالمين عميق، فهل من يجسّرها؟

إيلاف من بيروت: برنارد هنري ليفي أحد كبار المفكرين في فرنسا، فيلسوف وناشط ومخرج أفلام وثائقية، ومؤلف له نحو 30 كتابًا قصيرًا.&

آخر كتبه صدر بعد وقت قصير من عيد ميلاده السبعين (وترجمه الآن ستيفن ب. كينيدي)، يلخص مسيرته الطويلة بصفته جسرًا بين العالمين القديم والجديد. إنه يشهد على الهوة المتثاقلة التي نشأت بين هذين العالمين، ويثير الشكوك حول إمكانية سدها. إنه كتاب "الإمبراطورية والملوك الخمسة: تنازل أميركا ومصير العالم" The Empire and the Five Kings: America’s Abdication and the Fate of the World (المكوّن من 261 صفحة، منشورات هولت، 28 دولارًا).

إن العالم القديم الذي كتب عنه ليفي منذ أكثر من أربعة عقود، هو الجماعات العرقية التي تكافح من أجل تقرير المصير في أوروبا وآسيا والعالم العربي. إن الدول المحققة من بينها، مثل بولندا وكوسوفو، هي دول "عقلانية" أنشأتها مجتمعات كبيرة ومعترف بها، وهي مزيج متشابك وغير قابل للتمييز من الميراث الإثني والثقافي والوراثي واللغوي.&

دول ورثت الإضطهاد
في الغالب، يتقاسم معظم سكان الدول الجديدة هوية موروثة. كلهم تقريبًا عرفوا الاضطهاد بشكل مباشر، وبالنسبة إلى الكثيرين، لا تزال التهديدات موجودة: فروسيا تهدد أوكرانيا. أما الدول غير المحققة، مثل دولتي الأكراد والإيغور، فهي فريسة للدول الاستبدادية مثل إيران وتركيا والصين.

يُختصر العالم الجديد الذي كتبه ليفي بالولايات المتحدة الأميركية والغرب الديمقراطي. إنه عالم يضم معظم الأفراد المسالمين الذين يكافحون من أجل تحقيق الذات، حيث يُنظر إلى الدول على أنها جهات فاعلة عقلانية هدفها الرفاهية المادية لمواطنيها - وهي تمر بمرحلة انتقالية.&

وفقًا لصحيفتي "نيويورك تايمز" و"وول ستريت جورنال"، يرى ليفي أن العالم الجديد يتخبط بين هويات قومية متذكّرة، وشخصية مرتبكة ومزاعم متزايدة للمجموعات المهمشة، وهو في أزمة نفسية وسياسية، واضطراب يقتل أي مسعى مشترك.

كانت هذه الأزمة تُشعر الكاتب بحماسة شديدة، لأن مشروعه كان دائمًا تعبئة موارد العالم الجديد لإنقاذ أجزاء من العالم القديم. لكنه يعترف الآن بأن مشروعه فشل. العالم الجديد الذي يلقبه بـ "إمبراطورية" لم يعد مرتبطًا بأي شيء من العالم القديم؛ وهو لا يهتم بالسوريين أو الأكراد أو الإيغور.&

من الملوك الخمسة؟
الصين وروسيا وإيران وتركيا والسعودية دول يسمّيها ليفي "الملوك الخمسة"، وبرأيه يستغلون ارتباكنا في اضطهاد الشعوب ويحدّون من وصولنا إلى نهاية مسالمة ومثالية.

تقول "نيويورك تاميز"، في مراجعتها كتاب "الإمبراطورية والملوك الخمسة" إنه يأتي لتفسير الواقع الراهن الذي تعيشه الولايات المتحدة. فالمؤسسة السياسة الخارجية الأميركية تمر بعامها الثاني من أزمة وجودية طويلة. تقف متفرجة أمام رئيس عديم الخبرة، ويهاجم مؤسساته ويسخر من الافتراضات الواضحة.&

هذه السياسة هي الملام الرئيس على ربع قرن من الهيمنة الخاطفة التي شهدت إما التدخل الأجنبي الفائض جدًا (كوسوفو، العراق، ليبيا) أو القليل جدًا (رواندا، سورية إيران).&

عصر جديد من تنافس القوى العظمى
لكن، على الرغم من الاضطرابات والعذاب، تتقارب تلك المؤسسة في الواقع حول إجماع أقوى من أي إجماع منذ الحرب الباردة. بعد عصر من الهيمنة الأميركية بلا منازع، يقول ليفي: "لا بد من الاعتراف أننا دخلنا حقبة جديدة من التنافس، أو كما أوضحت إستراتيجية الأمن القومي لإدارة ترمب أن منافسة القوة العظمى عادت".

ما يجب القيام به حيال ذلك أمر هو أكثر إثارة للجدل: هل ينبغي على الولايات المتحدة أن تقاتل من أجل مصالحها وقيمها، أو أن تبتعد وتحدّ من طموحاتها؟. هل يجب أن تدافع عن نظيراتها الدول الديمقراطية وتطمئن الحلفاء، أو تتنازل عن السلطة لقوى أخرى، حتى لو كان ذلك يعني بعض النتائج التي قد لا تحبها؟، هل يجب أن تحشد العزم على بذل المزيد من الجهد أو قبول ضرورة بذل جهد أقل؟.

هذه الافتراضات والتحليلات والإعترافات كلها على حد سواء يضعها ليفي في كتابه الذي يشكل عصارة تجربته على مر السنين، في محاولة جمع العالمين القديم والجديد، إنما من دون جدوى حتى الساعة.&

أعدّت "إيلاف" هذا التقرير عن صحيفتي "وول ستريت جورنال" ونيويورك تايمز". الأصلان منشوران على الرابطين:
https://www.nytimes.com/2019/04/05/books/review/bernard-henri-levy-empire-five-kings-ted-galen-carpenter-gullible-superpower.html
https://www.wsj.com/articles/the-empire-and-the-five-kings-review-the-desert-grows-11550015221