هو في الخامسة والثمانين من عمره إلاّ أنه لا يزال يتمتع بالحيوية والنشاط، مواصلا رحلاته عبر العالم. ذلك هو الكاتب النيجيري الكبير وول سوينكا االمولود في الرابع عشر من شهر يوليو-تموز 1934 في المنطقة الغربية من نيجيريا. وبعد استكمال تعليمه في العاصمة لاغوس، انتقل الى بريطانيا، وتحديدا الى مدينة "ليدس" حيث حصل على شهادات جامعية مرموقة. بعدها عاد الى بلاده ليكتب مسرحية بعنوان :”الأسد والجوهرة". بطلها شاب متكبر، ومعتز بثقافته الاوروبية يعود الى قريته ليعيش مواجهة حادة مع شيخ القرية الذي تمكن بسلاسة لسانه من أن يستحوذ على قلب الفتاة الجميلة التي كان يعشقها. غير أن شهرة وول سوينكا سوف تتحقق على مستوى القارة الافريقية خلال مهرجان الفنون الافريقية الذي انتظم عام 1966 في العاصمة السينغالية داكار. وعند اندلاع الحرب الأهلية عام 1967، والتي استمرت حتى عام 1970، انتقد وول سوينكا المنشقين في مقاطعة &بيافرا . فكان رد هؤلاء سجنه لمدة عام ونصف . ومن وحي تجربة السجن المريعة، استوحى موضوع روايته التي حملت عنوان :”هذا الرجل ميّت".

وقد كتب وول سوينكا المسرح، والرواية ، والشعر. ومنذ حصوله على جائزة نوبل للآداب، يعيش وول سيونكا سفرا دائما بين بلاده، وبلدان مختلفة من جميع أنحاء العالم. وكثيرا ما يتدخل في الصراعات والنزاعات الافريقية والعالمية للتعبير عن أفكاره وآرائه بخصوصها، وبخصوص القضايا الحارقة التي يعيشها عالمنا اليوم. وفي حوار معه مع الأسبوعية الفرنسية "لوبوان" تحدث وول سوينكا عن الوضع الراهن في بلاده، وفي القارة الافريقية، وفي العالم. وفي بداية الحوار، تحدث عن مسرحيته :”أوبرا فونيسكي” التي يتمحور موضوعها حول الأنظمة الديكتاتورية في القارة الافريقية قائلا :”في الفترة التي كتبت فيها مسرحيّتي المذكور، كان من الطبيعي تقريبا أن تكون هناك أنظمة ديكتاتورية في القارة الافريقية مثلما كان الحال في نيجيريا، وفي افريقيا الوسطى، وفي الكونغو. كل هؤلاء الرؤساء، وكل هؤلاء الجنرالات، كانوا يشعرون بأنه يصعب ازاحتهم والانتصار عليهم. كما كانوا يشعرون أنه باستطاعتهم ان يحكموا بلدانهم مدى الحياة. ولم يكن الشعب يعني شيئا بالنسبة لهم. وكان الشعب عالما بذلك. اليوم، حتى الذين لا يزالون يحتمون بهذه الطريقة يعلمون أنهم &غير قادرين على التحكم في الحركة العامة التي تطالب بالديمقراطية. وقبل ما يسمى ب ”الربيع العربي”، استيقظ الأفارقة ، وأدركوا &أنهم يناهضون الانظمة الديكتاتورية ،ولعبة الكراسي من أجل السلطة".

وأشار وول سوينكا الى أن أخطر تهديد تواجهه نيجيريا يتمثل في "باكو هارام" الأصولية المتطرفة التي اقترفت على مدى السنوات القليلة الماضية جرائم فظيعة، ومجازر في القرى النائية، واعترف أنه حرم من النوم ليال عدة عندما قامت "باكو هارام" باختطاف فتيات . وأضاف وول سوينكا قائلا بإن التنظيمات الاصولية التي تتستر وراء الدين أدخلت العالم بأسره في سرداب مظلم، ناشرة الرعب والخوف في كل مكان. فلم تعد بلاد في أمن من شرها. ويرى وول سوينكا أن الكتابة تظل بالنسبة اليه الوسيلة المثلى للمقاومة. وقال في ذلك :”حسب رأيي ، أعتقد أن ما يحرض أحدا ما على الكتابة هو أن يجد نفسه أمام شيء يعجز عن فهمه، أو أن يرغب في الاختفاء بحدث ايجابي للغاية يجعلنا نحس أننا ننتمي الى الجنس البشري. وهذا الفرح هو الذي نسعى للتعبير عنه من خلال الكتابة. لكن للأسف، أرى أن الأحداث السلبية والمأساوية هي التي تهيمن على القارة الافريقية. البعض يقول بإن الكتابة يمكن أن تكون نوعا من العلاج الذي يبقي على صفائنا الذهني في قلب التناقضات التي تحاصرنا. آخرون يرون أنه يساعدنا على الانتقام من الذين يرغبون في تنغيص حياتنا لجعلها مستحيلة. ونحن نرغب في السخرية من هؤلاء، والحطّ من شأنهم. وإذا ما كنا متفائلين، فإننا نعتقد أن الكتابة قد تتيح لنا فرصة احداث تغيير يمكن أن يشعر به من يقرؤوننا. وتبقى هناك أسباب كثيرة أخرى تدفعنا إلى الكتابة”.