بعد سنوات عديدة في العمل كمعالجة نفسية، فضَّلت كارين هورني، التي يُنظَر إليها كأحد أهم المنظّرين في الشخصية الإنسانية، مسألةَ العلاقات الإنسانية والحفاظ على الأمن والحماية على مسألة الجنسانية الفرويدية في تكوين الشخصية.

حيث اعتبرت بأن تقرير السلوك وما يقف وراءه من الشعور بالقلق، أهمّ من الدافع الجنسي في السنوات الأولى. وعلى الرغم من أنَّ هورني تتفق مع أستاذها فرويد على أهمّية السنوات الأولى من الطفولة في تكوين الشخصية، إلا أنها تعارضه في العوامل المؤدّية إلى تكوينها. فبرأيها ليست القوى البيولوجية ولا الصراعات الطفولية هي المساهم الأكبر في تكوُّن الشخصية، بل القوى الاجتماعية. والعلاقة الرابطة ما بين الطفل ووالدَيْه هي العنصر الأساسي في هذه القوى الاجتماعية، وبالتالي في تكوين شخصية الفرد.

تحت عنوان "الحاجة إلى الأمان والرضا أكثر أهمية من الجنس"، تقول هورني إنَّ "أمان الطفل مرهون بالمعاملة التي يحصل عليها من خلال والديه. ويتمُّ تقويض هذا الأمان بشتَّى أشكال الممارسات الخاطئة". ومثال ذلك عدم المساواة بين الأبناء، ومحاولة تفضيل أخٍ على آخر بشكل علنيّ. أو وضع الأخوَيْن في مقابل بعضهما بعضاً والقيام بالمقارنة الدائمة بينهما. فهذه السياسة خطيرة جداً تُنمّي الأحقاد، وبالتالي الحصر وضياع الأمن، تماماً كما تفعل بعض وسائل الإعلام عندما تقوم بوضع إحدى نجمات السينما في مواجهة نجمة أخرى وتعمل على تأجيج المنافسة بينهما لأغراض غير نزيهة.
كذلك ترى هورني بأن القلق أساسيٌّ أيضاً في تكوين الشخصية بشكلها السلبي. وثمَّة ثلاثة عوامل أساسية تقود إليه: الشعور بالعجز، والشعور بالعدوانية، والشعور بالعزلة. والبيئة أو الأسرة المتناقضة الممتلئة بالفشل تقود إلى ذلك كلّه.
وردود فعل الطفل على ذلك تكون إمَّا من خلال المبالغة بالطاعة، وإمَّا بالتمرُّد أو بالهروب من الواقع من خلال تكوين صورة مثالية بعيدة عن الموضوعية هدفها التعويض عن نقص يشعره الطفل. أمَّا بالنسبة إلى البالغ وكيفية تعاطيه مع المحيط، فترى هورني بأنه يمتلك ثلاثة بدائل أو سيناريوهات في تحديد علاقته بالآخرين، وهي: التحرُّك نحو الآخرين على هيئة الحاجة إلى الاستحسان. أو التحرُّك ضدَّهم على هيئة عدوانية. أو في الابتعاد عن الآخرين والعزلة والانزواء. وجميعها نزعات عصابية، التعارض (أو الصراع) في ما بينها يُشكّل النواة الأساسية للذهان، أي الاضطراب العقلي.
الأسوياء أيضاً يعانون الصراعات ذاتها، مع فارق أنَّ الشخص السوي، ولكونه مرناً، يستطيع التنويع في اللجوء إلى اختيار اتجاه سلوكي معيّن في كلّ ظرف يواجهه.
باحث سوري في علم النفس التحليلي.