بمناسبة الذكرى 111 على ميلاد وليام سارويان، هذا الكاتب العظيم الذي ولد في /31 آب/ 1908 في الولايات المتحدة لابدّ من تذكير قراء إيلاف الأعزاء بهذا الأديب الكبير المحبّ للناس البسطاء الممجّد لقدرات الإنسان العادي أياً كانت قوميته أو ديانــته او انحداره الطبقي.
في هذا المقال انطباعات كتبها الشاعر الارمني" جفورج أمين " عند زيارته لسارويان في ولاية كاليفورنيا قبيل وفاته بأيام قليلة في العام /1981 وهو آخر لقاء لهذا الاديب الذي يُسمّى شكسبير أرمينيا. إن كتابات سارويان وشخصياته في مسرحياته وقصصه العديدة كلها بسيطة مما نسميها السهل الممتنع لكنها عميقة في دلالاتها ومغزاها وتبقى محافظة على طبيعتها تنساب في أحداث الحيـاة. ففي مسرحية "وقتٌ لحياتك" التي كتبها سنة /1939 كان جريئا في تعرية الفاشية وتهديدها للبشرية من خلال شخصـية بليك " blick " هذا النائب الخبيث الضعيف لكنه قويّ بين الضعفاء ويصفه الكاتب بسخرية لا تخلو من الفكاهة والضحك والإستهجان فهو " قويّ بلا أيـة قوة، قويّ فقط بين الضعفاء" ويستـخدم قوتـه للتسلّط على المستضعفين، أما بين الكبار فهو مجرد جرذ يفزع من أية حركة ويخاطبه أحد شخوص المسرحية nick " " قائلا له : أنت خارج كي تغيّر العالم من سيء إلى أسوأ وقوله له في احد المشاهد : إن هناك أشياء غاية في التردي والقذارة تشبهك تماما.
رغم دراماتيكية مسرحية " وقت لحياتك " لكننا نراها تخلو من العصبية والزعيق "neurosis" مبتعدة كليا عن الفجاجة وكل شيء فيها بسيط كالحياة نفسها، كشخوصه في مسرحياته وقصصه الكثيرة. في شخصية " جوي" في المسرحية نفسها نجده إنسانا وديعا مسالما جدا لايستطيع أن يخطو على نملة ولكن طباعه أخذت تـتنمر لما رأى بلـيك يعـيث فسادا ويستـضعف الآخرين ويـقوى على الضعفاء رغم ضـعفه أمـام أسـياده فيهمّ بقتله مصرّا على تخليص العالم من شروره وهنا يعلق سارويان على لسان احد الشخوص :
ليس عيبا في أن يكون الإنسان طيبا وعطوفا ولكن إذا جاء الوقت في فترة من حياتك لأن تقتل وتصرّ على أن تقتل وأنت مع ذلك لاتأسف أبدا.
إن الذين عرفوا سارويان عن كثب لايستطيعون الانفكاك من التأثر به نتيجة الخاصية المذهلة لكتاباته فهو يكتب ببساطة عجيبة جاذبة عن اغلب الموضوعات المعقدة التركيب وبرشاقة قلّ نظيرها وسلاسة سردية فائقة العذوبة&
يقول الشاعر الأرمني جيفورج أمين : حين كنا في مدينة فريسنو اتفق أن سألته يومذاك عن عمله وأجابني بلا أي خداع أو تلفيق وببساطة وهدوء :
--أنا اشتغل في عمل المخلّلات أوقات الشتاء.&
لقد عاش سارويان وحيدا في فريسنو، كان يعمل في تخليل الفاكهة والخضر هذا الابن الحقيقي لفلاحي أرمينيا حتى في أسفل ناطحات السحاب بين الضوضاء المخبولة لحياة الأمريكيين وصرعاتهم الغريبة. ويضيف الشاعر الارمني : حين أخبرتُ سارويان باني عازم على كتابة بعض الملحوظات عن سفرتي إلى أمريكا طلبتُ منه أن يعطيني فهما أوليا عن هذا البلد فأجابني :
- كم فترة بقيت هنا يا جيفورج؟
-- ثلاثة شهور.
-- لقد عشت هنا أكثر من سبعين عاما ولا زلت لا أفهم شيئا ؛ أنا ارمنيّ الجسد والروح معا.
انه ارمنيّ بطبعه رغم انه ولد في أمريكا ويمتلك إحساسا عميقا وفهما واسعا لتاريخ شعبه المأساوي والمفرح على السواء يعرف تمــاما همومهم وتطلعاتهم ومتاعبهم حتى انه اعتــبر نفسه كاتبا ارمنيا محـضا (رغم أن اللغة التي يكتب بها هي الانجليزية والمناحي التي يصفها مناحٍ أمريكية، ولكن الروح روح وطنه) ومع هذا لم يغلق الكاتب نفسه في محارة قومــية وحين مات أوصى أن ينــقل بعض رماد رفاته إلى" يرفان "عاصمة أرمينيا ليدفن هناك. مهما كانت القضايا التي يحملها سارويان كإنسان أو كأديب فهو ذو قلب طيّب إنساني ونبيل، محبّ للحقيقة والشرف ويقدّر باحترام ذوي الحظوظ المعدومة والقليلة مهما كانوا أغنياء أو فقراء، كاثوليك أو بروتستانت، يهودا او مسلمين وشرق أوسطيين أو سودا أو بيضا أو صفرا.
ان أدب سارويان قريب من كل الشعوب باعتباره يمثلهم ويقترب منهم فشخصياته متعددة القوميات،من الأمريكيين والاسكتلنديين إلى الأرمن والعرب واليهود والإغريق والزنوج و...و... فهو معنِيّ بكل الأجناس والشعوب الذين يمتلكون نصيبهم مثل ما يمتلك الآخرون ؛ فهو واحد من الذين لايستطيعون أن يكونوا سعداء حقا إذا كان الصديق أو الجار يكابد الآلام والمحن.
عانى سارويان في طفولته الكثير فقد عاش ست سنوات في الملجأ مع أخوته بعد وفاة أبيه المزارع البسيط ولكن أمّه دأبت وسعت لتحصل على عمل جيد لنفسها واستطاعت أن تلمّ شمل الأسرة من جديد وكان خير عون لأمّه فقد عمل في صباه بائعا للصحف ثم مزارعا يجني الكروم كأبيه وحصل أخيرا على وظيفة بسيطة كموزع بريد ويكون سندا وداعما لأسرته جنبا إلى جنب مع أمه المكافحة.
هذه بعضٌ من مؤلفاته الذائعة الصيت :
1-- رواية الكوميديا الإنسانية /1943 التي حوّلت إلى فيلم وفاز بجائزة الأوسكار وهو الذي كتب سيناريو الفلم.
2-- وقت لحياتك المسرحية الشهيرة التي مثلت في بوردواي وحاز عليها جائزة بوليتزر ولكنه رفض استلامها.
3-- اسمي آرام ؛ وهي تتحدث عن صبي أرمني مع أسرته المهاجرة في الغربة كتبها سنة /1939.
4-- الأطفال الصغار/1937.
5-- أيها الحب..خذ قبّعتي /1938.
6-- قلبي في الأعالي /1939 مسرحية
7- الناس الطيبون/ مسرحية كتبها العام 1941
أما رواياته فأبرزها رواية " أمي..أحبك " ورواية مغامرات "ويلزي جاكسون" ورواية " أبي أنت أحمق " التي كتبها عام / 1957. ومما يجدر ذكره أن أول قصصه كانت "الفتى الجريء على الأرجوحة الطائرة" في عام / 1934 والتي أثارت انتباه النقاد وفسحت أمامه الطريق نحو عالم الكتابة. وقد قامت جمهورية أرمينيا بعمل تمثال شامخ له في العاصمة الارمنية "يرفان" وفيه يبرز طوله الفارع وشاربه الكثّ المميز.
وعلى الرغم من العلاقات المتشنجة التي كانت بين الاتحاد السوفييتي سابقا والولايات المتحدة والحرب الباردة أيام الستينات والسبعينات من القرن الماضي إلا أن سارويان ظلّ على علاقة وطيدة بأرمينيا السوفييتية آنذاك
وكان مستمرا في زياراته لموطن أهله ويشعر بالسعادة تغمره في ربوع وطنه الأمّ محتده ومنبت أجداده وكانت أولى زياراته حينما كان عمره سبعا وعشرين عاما ثم توالت زياراته حتى شيخوخته.

[email protected]&