إيلاف من لندن: استقرت أسعار النفط أمس على مستويات فوق الخمسين دولار للبرميل بسبب توقعات حول أن السعودية وروسيا ستتفقان على تمديد اتفاق تخفيض إلانتاج النفطي رغم تصاعد الانتاج الأميركي لمستويات قياسية، حيث سجلت عقود الخام الآجلة لمزيج برنت المقياس العالمي ما يقارب 56 دولار للبرميل، أما خام غرب تكساس الوسيط بقي يتأرجح حول الخمسين دولارًا للبرميل.

يأتي ذلك بعدما قالت إدارة معلومات الطاقة الأميركية إن صادرات الخام الأميركية قفزت إلى 1.98 مليون برميل يوميًا في الأسبوع الماضي لتتجاوز المستوى القياسي المرتفع الذي سجلته الأسبوع السابق وبلغ 1.5 مليون برميل يوميًا.

قال وزير الطاقة السعودي خالد الفالح الخميس إن المملكة منفتحة على جميع الخيارات بشأن اتفاق خفض إنتاج النفط العالمي، بما في ذلك تمديد الاتفاق حتى نهاية 2018.

وأدلى الفالح بتلك التصريحات في موسكو بعد يوم من تصريح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قال فيه إن الاتفاق العالمي لتقليص الإنتاج قد يجرى تمديده إلى نهاية 2018، وهو إطار زمني أطول مما اقترحه آخرون، في مسعى للتخلص من تخمة في الإمدادات.

وقال الوزير السعودي، الذي يرافق الملك السعودي في زيارته إلى موسكو: "يجب أن نترك جميع الخيارات مفتوحة، وافقنا الرئيس بوتين الرأي، وأبدى استعداده للتمديد لنهاية 2018 إذا تم التوافق على ذلك، وإذا كان هذا هو الخيار الأفضل".

وأضاف: "ردة فعلي لهذا هو الترحيب بالمرونة من قبل قمة الهرم في روسيا وأيضا التأكيد على التوجيهات لي من قبل خادم الحرمين الشريفين وولي العهد الأمير محمد بن سلمان بأن تكون المملكة العربية السعودية مرنة في قيادة الدول المنتجة داخل وخارج أوبك إلى توافق يصل بالأسواق إلى ما نصبو إليه".

ارتفاع حذر وبطيء 

يبدو أن أسعار النفط تتحرك للأعلى ببطء وحذر شديدين، والتوجه العام سيكون في صالح الصعود رغم الذبذبات والتراجع الموقت من حين لآخر. وفي اواسط هذا الاسبوع استقر سعر غرب تكساس الوسيط حول 50.42 دولار للبرميل للعقود الآجلة رغم انه اجتاز 55 دولار قبل أقل من اسبوعين.

بينما بقي مزيج برنت على سعر 56.08 دولار للبرميل رغم انه شهد ارتفاع يزيد عن 12% خلال شهر سبتمبر الماضي. يراهن المتعاملون والمراقبون على ارتفاع الأسعار باتجاه 60 دولار للبرميل رغم محاولات المضاربين باتخاذ موقف سلبي أي "موقف الدببة" بتوقعات الانخفاض ويشير بعض المحللين لهذا الموقف السلبي بالواقعية وعدم بناء توقعات متفائلة لا تتحقق.

عودة التوازن 

يعتقد الدببة المتشائمون أن ما يحول دون قفز الأسعار بسرعة للأعلى هو ارتفاع الانتاج الجديد من المصادر غير التقليدية وتباطؤ الطلب العالمي وعدم جدوى اتفاق خفض الانتاج بين أوبك وروسيا. هذا تبريرهم لبطء ارتفاع الأسعار. 

ولكن هذا يتنافي مع التقارير التي تشير الى ارتفاع في الطلب العالمي حسب البيانات والتقارير التي اصدرتها وكالة الطاقة الدولية وادراة معلومات الطاقة الأميركية ومنظمة "أوبك" ذاتها. وهناك اجماع الآن أن التوازن بين العرض والطلب يعود للسوق بوتيرة أسرع مما كان متوقعا في السابق وسنشهد اعلى مستويات الطلب العالمي في نهاية هذا العام. وما سيكبح الأسعار من الرجوع لمستويات بداية عام 2014 اي ما يقارب 100 دولار للبرميل هو تواجد احتياطات ضخمة من النفط الخام تحت الأرض قابلة للاستغلال حول العالم بما فيها الزيت الصخري الأميركي. 

وبات من المؤكد ان تقوم "اوبك" ودول خارجها مثل روسيا بتمديد اتفاق خفض الانتاج خلال عام 2018. قد يكون هناك خروقات من قبل هذا المنتج او ذاك ولكن انخفاض الانتاج في فنزويلا وليبيا ونيجيريا سيقلل من تأثير اي زيادة انتاجية. حتى ان الانتاج المكسيكي يواجه مشاكل ايضًا. لهذا من المتوقع ان تبقى الأسعار في النطاق 55 الى 57 دولار للبرميل لخام غرب تكساس الوسيط وبين 58 – 60 دولار للبرميل لمزيج برنت. وقد نرى الأسعار تزحف باتجاه 60 دولار للبرميل في الربع الأول من عام 2018. وهذا يلخص موقف الثيران المتفائلة.

رغم التوقعات خلال الشهور الأخيرة ان الأسعار ستلمس 60 دولار للبرميل الا انه تم اعادة ومراجعة هذه التوقعات عدة مرات على ضوء التطورات في الأسواق والساحة الدولية. علينا ان نتذكر انه قبل 3 شهور في يولو كانت الأسعار حوالي 46 دولار للبرميل أي 20% أقل مما هي عليه الآن و 60% اقل مما كانت عليه اواسط 2014.

السيناريو الحالي

السيناريو الحالي واضح: الاقتصاد العالمي يستمر في النمو ولكن بوتيرة معتدلة ولكن بسبب التقدم التكنولوجي انخفضت تكلفة انتاج النفط من المصادر غير التقليدية كما ان عمليات التصنيع والصناعات المختلفة التي تعتمد على الطاقة شهدت انخفاضًا في كميات الطاقة التي تستهلكها في العملية الانتاجية كنتيجة للتقدم التقني في ترشيد استهلاك الطاقة وزيادة كفاءة الاستعمال. 

العوامل الجيوسياسية

لم يعد السعر يتأثر كثيرا بالعوامل الجيوسياسية كالسابق. اذا ظهر ازمة في الشرق الأوسط كان هناك مخاوف حقيقية ان الأزمة ستؤدي الى انقطاع النفط ولكن الآن يتواجد منتجون يتأهبون لاستغلال اي ثغرة في السوق لتعبئتها. ومن جهة أخرى يعبر البعض عن مخاوفهم ان الأسعار المتدنية تعني تخفيض الاستثمار في مجالات الاكتشاف والتنقيب وهذا سيؤدي في النهاية الى نقص في الامدادات في المستقبل. 

ويرى البعض أن انخفاض الأسعار لم يجبر صناعة النفط الصخري على التوقف بل التراجع المؤقت. والسبب هو التقدم التكنولوجي وحسب تقديرات الشركة الاستشارية "رايستاد للطاقة" كانت نقطة التعادل من غير ربح أو خسارة عام 2013 للنفط الصخري ما بين 70 الى 100 دولار للبرميل حسب جيولوجية الموقع. ولكن في نهاية 2016 وبداية 2017 هبطت نقطة التعادل الى نطاق 30 – 40 دولار للبرميل. وانخفاض التكلفة يستمر مع الزمن ومع التقدم التكنولوجي في وسائل وادوات الانتاج.

باختصار موقف الدببة المتشائمين يركز على تراجع الاستثمار وتراجع الاكتشافات وتقليل اهمية النفط الصخري في المعادلة.

بينما موقف الثيران المتفائلة يعتقد أن ديناميكيات الطلب على النفط سوف لا تتغير كثيرا، وأن أي تغيرات في السعر ستعتمد على الانتاج والامدادات.

الطلب سيزداد

تتحكم "اوبك" الآن حسب بعض التقديرات بحوالي 42% من الانتاج العالمي ولكن فعاليتها في السيطرة على السوق والتحكم بالأسعار كانت أضعف مما كان متوقعا. في السابق عندما تقوم أوبك بتخفيض الانتاج ترتفع الأسعار ولكنها تخسر حصصًا في السوق ويستغل المنتجون خارج اوبك ذلك لزيادة حصصهم على حساب اوبك. 

واللافت أن البيانات الشهرية من منظمة "أوبك" ووكالة الطاقة الدولية أعطت الأسواق اشارات تفاؤلية وايجابية تتعلق بارتفاع الطلب العالمي على النفط مع تراجع التخمة في السوق نتيجة للاتفاق بين "اوبك" بقيادة المملكة العربية السعودية وروسيا على تخفيض الانتاج. 

وضخّت اوبك 32.76 مليون برميل يوميا خلال شهر أغسطس حسب تقديرات "اوبك" في تقريرها الشهري وتتوقع "اوبك" انتاج 32.80 مليون برميل يوميا خلال عام 2018 لتلبية الطلب العالمي. ولا شك أن قرار تمديد اتفاق التخفيض سيخلق مصاعب داخل "اوبك" ذاتها حيث ان عدد من الاعضاء يسعون لزيادة الانتاج لأقصى ما يمكن للحصول على المزيد من الايرادات مثل ليبيا ونيجيريا والعراق بسبب الأزمات الاقتصادية.

ومن المتوقع ان تكون آسيا المستورد الرئيس والأكبر لنفط الشرق الأوسط. وسترتفع الصادرات من الشرق الأوسط لآسيا 5.7% حسب تصريحات محمد باركيندو الأمين العام لأوبك ويتوقع باركيندو ان يترفع الطلب الآسيوي بواقع 7.5 مليون برميل يوميا بحلول 2040.

لذلك الصفقة مع روسيا مهمة جدا اذا ارادت اوبك كبح جماح الانتاج ورفع الأسعار.