تقول الإحصاءات الاقتصادية إن ثروة بريطانيا تقل 490 مليار جنيه إسترليني عما كان يُفترض أن تكون، ولم تعد تملك أي احتياطي من الأصول الأجنبية الصافية. وهذا يوقعها في مشكلة عجز كبيرة.

فوجئت بنوك عالمية ومخططون إستراتيجيون في سوق السندات العالمية بأرقام معدلة من مكتب الإحصاءات الوطنية تبين أن ثروة بريطانيا تقل 490 مليار جنيه استرليني عما كان يُفترض أن تكون، ولم تعد تملك أي احتياطي من الأصول الأجنبية الصافية، ما يحرمها هامش الأمان الذي تحتاجه في وقت دخلت مفاوضات بريكست مرحلة حساسة. 

تبين المراجعة الكبيرة التي أُخضعت لها معطيات ميزان المدفوعات البريطاني، أن ثروة بريطانيا المالية - أي موقعها الاستثماري الدولي في المحصلة النهائية - انهارت من فائض قدره 469 مليار جنيه إسترليني إلى عجز صافٍ قدره 22 مليار جنيه إسترليني. من شأن هذا أن يغيّر بصورة جذرية آفاق الجنيه الإسترليني وسوق السندات الحكومية البريطانية. 

قوة ظاهرية

نقلت صحيفة ديلي تلغراف عن مارك كايبلتون، الخبير في أسعار الفائدة في بنك اوف اميركا، قوله: "إن نصف تريليون جنيه استرليني فُقدت وهذا يعادل 25 في المئة من إجمالي الناتج المحلي". 

الأنكى من ذلك أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة تتناقص. فهي هبطت من فائض قدره 120 مليار جنيه إسترليني في النصف الأول من عام 2016 إلى 2.5 مليار جنيه إسترليني في الفترة نفسها من العام الحالي. 

يقول خبراء إن القوة الظاهرية التي أبدتها الاستثمارات الأجنبية المباشرة بعد بريكست كانت وهمًا، لأن الإنفاق الذي حدث في أواخر عام 2016 كان مقررًا في وقت سابق، في حين أسفر هبوط قيمة الجنية الإسترليني منذ أواخر عام 2015 بصورة تلقائية عن تحسن موقع بريطانيا على صعيد الأرصدة، لكن ليس بدرجة كافية.

تبدد الفائض المفترض، ويعني ذلك أن موقع بريطانيا حين توجه الناخبون إلى صناديق الاقتراع في الاستفتاء على بركسيت كان أضعف كثيرًا مما كان يُعتقد. ومبعث القلق أن القوى الخارجية التي تدعم الجنيه الاسترليني والسندات الحكومية كلها موضع شك فيما تشدد البنوك المركزية سياستها النقدية وتمتص السيولة العالمية. 

 عقب أخيل

قال بنك أوف أميركا إن مراجعة البيانات التي نشرها مكتب الإحصاءات الوطنية تضع بريطانيا في موقع أضعف، وهي تحاول تغطية العجز في الحساب الجاري البالغ 4.6 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، واصفًا هذا العجز بأنه "عقب أخيل" الجنيه الإسترليني. أضاف البنك أن بريطانيا تحتاج إلى دفوقات ثابتة من رؤوس الأموال الأجنبية لتغطية الاستهلاك المفرط. 

أوضح مكتب الإحصاءات الوطنية أن مراجعته البيانات جاءت بعد أن اكتُشف أن البريطانيين يملكون من الأسهم الأجنبية أقل مما كان يُعتقد في السابق، وأن ما يملكه الأجانب من الأرصدة البريطانية أكبر. 

كما أن ارباج الشركات أقل مما كان يُعتقد، واتضح أن ما كان يُعتقد انها سندات ديون أجنبية تملكها شركات بريطانية هي في الحقيقة قروض مقدمة إلى مواطنين بريطانيين. 

لاحظ المحلل ديفين أون من بنك جيفريز الاستثماري الأميركي أن البنك المركزي الأوروبي يغطي أغلبية العجز في الحساب الجاري البريطاني. وتبين أرقام البنك أن المعدل السنوي لمشتريات منطقة اليورو الصافية من السندات الحكومية البريطانية كان 68.7 مليار جنيه استرليني في الربع الثاني من العام.

مشكلة عجز مثلثة

تساءل أون: "ماذا سيحدث لسوق سندات الحكومة البريطانية والجنيه الإسترليني إذا توقف البنك المركزي عن ذلك؟". أضاف: "عجز الحساب الجاري الذي يبلغ نحو 5 في المئة من إجمالي الناتج المحلي لا يمكن أن يُستدام بعد بريكست". 

حتى الآن، ليس ثمة ما يشير إلى معالجة هذه الوضع، إما لأن الصادرات البريطانية ذات مرونة سعرية أقل من السابق، أو لأن الشركات جمدت الاستثمار إلى أن تتضح الصورة بشأن بريكست. وهذه ضربة موجعة للحكومة.

قال كايبلتون من بنك أوف أميركا إن بريطانيا تواجه "مشكلة عجز مثلثة". فإن معدل الادخار العائلي يبلغ 5.9 في المئة، وهذا أدنى مستوى له منذ نحو نصف قرن، وليس هناك ما يكفي من التمويل الداخلي في بريطانيا لامتصاص العجز المالي، الذي يمكن أن يبلغ 4 إلى 4.5 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، ولم يترك ضعف الجنيه الإسترليني أثرًا إيجابيًا يُذكر في العجز في الميزان التجاري من خلال زيادة الصادرات. 

يمكن أن تبلغ تداعيات الاكتشاف المذهل أن احتياطي بريطانيا البالغ نصف تريليون جنيه إسترليني لا وجود له ذروتها بسرعة وبآثار شديدة الوطأة. 

أعدّت "إيلاف" هذا التقرير بتصرف عن "ديلي تلغراف". الأصل منشور على الرابط التالي:
http://www.telegraph.co.uk/business/2017/10/15/britains-missing-billions-revised-figures-reveal-uk-490bn-poorer/