الرياض: يرى خبراء غربيون أن ما تشهده المملكة من اجتثاث للفساد يمثل ترجمة فعلية لجهود الأمير محمد بن سلمان ولي العهد وتعهده بالقيام بعملية إصلاح شامل، تسهم في إحداث نقلة نوعية للمجتمع ككل وللبنية الاقتصادية على وجه الخصوص، حيث أن المملكة تشهد "ثورة" لم تشهدها من قبل.

وقالوا إن عملية التطهير الأخيرة والسعي لاجتثاث بؤر الفساد، ستؤثر إيجابا في مستقبل عملية الإصلاح الجارية، المبنية على رؤية 2030، حيث ستفتح الحرب على الفاسدين آفاقا أوسع للاستثمارات الدولية، ما قد يرفع التدفقات الاستثمارية للأجل القصير إلى 10-12 مليار دولار سنويا، على أن تقفز إلى ما يراوح بين 17 و 22 مليار دولار في الأجلين المتوسط والطويل.

وفي حديث لصحيفة الإقتصادية يقول الدكتور هاربر جارلند، أستاذ الاقتصادات الناشئة: “ إن الفساد وتفشيه يمثل واحدا من أبرز معوقات التنمية، وعامل طرد أساسيا للاستثمارات الأجنبية والمحلية على حد سواء. وفي الحالة السعودية فإننا يجب أن نأخذ في الاعتبار مجموعة من الرسائل التي بعثت بها عملية إيقاف الضالعين في قضايا فساد، وبينهم أسماء كبيرة في عالم المال والأعمال محليا ودوليا، أو وزراء سابقون".

وأضاف جارلند، أن الرسالة الأولى هي أن عملية الإصلاح تسير خطوة بخطوة مع تعزيز الشفافية في إدارة أسلوب الدولة، وهذا يوجد إحساسا وشعورا بالثقة لدى المستثمر الأجنبي على وجه التحديد، بصحة المناخ الاستثماري في المملكة. فوجود مراكز قوى تعمل على استغلال نفوذها لتحقيق أرباح غير مشروعة، سواء عبر استغلال موقعها في إدارة شؤون الدولة، أو عبر تأثيرات أخرى، يخلق وضعا ضبابيا يعوق رأس المال الأجنبي من القيام بحسابات دقيقة لتكلفة استثماراته، وغالبا ما يحمله خسائر غير متوقعة تدفعه إلى تصفية أعماله ومغادرة ما يعرف بالبيئات الاستثمارية غير السليمة".

أما الرسالة الثانية، فهي " لا يوجد أحد فوق طائلة القانون في المملكة، ومن ثم ترسخ الخطوات السعودية لمكافحة الفساد قناعة المستثمر الأجنبي بأن هناك ضمانات قانونية حقيقية، تسمح له بالاستثمار مع ضمان عدم تعرضه للابتزاز أيا كانت الجهة التي ستمارس ضغوطها عليه".

وأوضح، أن ثالث هذه الرسائل، أن جهود مكافحة الفساد تؤدي عمليًا إلى خفض التكلفة الإنتاجية، فكل رشوة يدفعها المستثمر تتم بلا جدال إضافتها إلى تكلفة الإنتاج، ومن ثم القضاء على الفساد يعني انخفاض تكلفة المنتج النهائي، ما يعني زيادة القدرة التنافسية للمنتجات السعودية دوليا أو ارتفاع مستوى معيشة المواطن نتيجة انخفاض الأسعار.

في حين لا ينظر البروفيسور ديفيد ميلر؛ أستاذ علم الاجتماع، لتأثير جهود مكافحة الفساد في السعودية على الاقتصاد بشكل مباشر، وإنما ينظر إليها عبر تأثيرها في ما يصفه بالحراك المجتمعي، وتأثيرها في الشباب، والرؤية العامة للأمير محمد بن سلمان ولي العهد، في الإصلاح.

وقال لـ"الاقتصادية": "علينا أن نتذكر دائما أن رؤية الأمير محمد بن سلمان ولي العهد كما صرح في عديد من المناسبات الدولية لا تقف عند حدود الإصلاح الجزئي للاقتصاد السعودي، بمعنى أنه لا يخطط فقط لكسر حلقة ارتهان الاقتصاد السعودي للنفط، لأن هذا جزء من رؤيته كما أعلن للإصلاح، لكن دعوته أشمل، إذ إنه يتحدث عن عملية إصلاح مجتمعي شامل. وكأي عملية إصلاح جذرية عبر التاريخ، لابد أن ترتبط بكتلة عريضة من فئات المجتمع لضمان نجاحها".

وأضاف أن "ولي العهد يستهدف بشكل واضح فئة الشباب والنخبة الراغبة في إحداث تغيير جذري في المجتمع، ومن ثم جهود مكافحة الفساد التي تأكد أنها لن تستثني أحدًا مهما كان موقعه، تمثل رسالة لإعادة إحياء المجتمع السعودي وفقا لقيمه الداخلية، وهذا التطور يخلق حالة إيجابية بين الفئات الشابة والنخب الواعية للالتفاف حول القيادة، ومن ثم يوجد استقرارا مجتمعيا طويل الأمد".

واستدرك قائلا "هذا الاستقرار المجتمعي هو عنصر الجذب الأول لرؤوس الأموال الأجنبية، إذ يضمن رأس المال الأجنبي بذلك تقليص المخاطر بحدوث هزات مجتمعية، إضافة إلى ترافق عملية الإصلاح مع توسيع نطاق الشفافية، وهذا يوجد بيئة عمل صالحة لاستقطاب الاستثمارات".

مع هذا، يرى الباحث الاقتصادي برناند هاملي، أن الاستنزاف الاقتصادي الذي قام به الفساد للمقدرات المالية للسعودية، بات عنصر عرقلة حقيقيًا أمام أي جهود إصلاحية، وهو ما تطلب اتخاذ مواقف صلبة وحاسمة للتصدي للفساد أيًا كانت سطوته أو مركزه، فبدون ذلك يصبح من المشكوك فيه أن يفلح الخطاب الإصلاحي الرسمي في إحراز نتائج ملموسة على أرض الواقع.

وقال لـ"الاقتصادية" إن "رؤية 2030 ترمي أساسا إلى دمج الاقتصاد السعودي بالاقتصاد العالمي، ليس وفقا للقواعد التقليدية القائمة على الموقع المميز للمملكة كمنتج للنفط، وإنما من موقع جديد يقوم على أساس الشراكة الاستراتيجية للمملكة في القطاعات الاقتصادية التي تميز الاقتصاد الحديث كالتكنولوجيا والاتصالات، مع تحرير قطاع النفط من الرؤية التقليدية التي حجمت إلى حد كبير من قدرات هذا القطاع".

وأضاف أن "تلك الرؤية لا بد أن تلتحم في جزء كبير من تحقيقها بتعاون كثيف مع رؤوس الأموال الأجنبية، وبطبيعة الحال فإن رأس المال الدولي يتطلب بيئة عمل " نظيفة"، ولذلك فإن مشكلة الفساد التي تتصدى لها السعودية حاليا، لم تستنزف فقط المقدرات المالية للسعودية، لكن الأخطر أنه أعاق تحول الدولة إلى قطب دولي جاذب للاستثمار والتكنولوجيا بما يحقق مصالح المجتمع".

وأوضح، "لهذا فإن الترحيب والدعم الدولي اللذين حظيت بهما القيادة السعودية في معركتها لمواجهة الفساد، يكشفان عن إدراك مراكز صنع القرار في العالم، أهمية تلك الخطوة في تحرر الاقتصاد من أحد أبرز معوقاته، التي حالت بينه وبين القيام بدور حقيقي يتناسب مع مقوماته الاقتصادية خارج القطاع النفطي".

من جانبه، أشار هنري ماتيس، الخبير الاستثماري والاستشاري في اتحاد الغرف التجارية البريطانية، إلى أنه "من الصعب في الوقت الراهن وضع رقم قاطع بشأن التدفقات الاستثمارية المتوقعة على الاقتصاد السعودي نتيجة تصدي المملكة للفساد، خاصة أن من الواضح أن الحملة على الفساد ستتواصل".

لكنه أوضح أنه "في الأغلب، فإن التدفقات الاستثمارية في الأجلين المتوسط والطويل ستكون أكثر كثافة منها في الأجل القصير، حيث تتابع الأروقة المالية والاستثمارية العالمية ما يحدث في المملكة بدقة شديدة".

وأضاف، أن "أغلب التقديرات بالنسبة للأجل القصير تتراوح بين 10 و12 مليار دولار سنويا، على أن تقفز إلى ما يراوح بين 17 و 22 مليار دولار في الأجلين المتوسط والطويل".