يقول الخبراء إن على العالم أن يتحسّب لتكرر سيناريو إفلاس مصرف ليمان براذرز الذي أشعل فتيل أزمة 2008 المالية. ربما قراءة متأنية لجردة حساب خسائر الأزمة قبل 10 أعوام تفيد في تجنب الأسوأ.

إيلاف من لندن: في 15 سبتمبر 2008، قبل عشرة أعوام بالتمام والكمال، أعلن بنك "ليمان براذرز" في نيويورك إفلاسه، لتندلع أزمة مالية أرهقت الاقتصاد العالمي، ولتُطوى صفحة بنك تأسس قبل 150 عامًا، بديون بلغت 613 مليار دولار.

الأخوان ليمان
هاجر الأخوان هنري وماير ليمان من ألمانيا إلى الولايات المتحدة، وأسّسا مصرف "ليمان براذرز" في عام 1850. تسجل المصرف في بورصة نيويورك في عام 1887، ونما وازدهر ونجا من انهيارات الكساد الكبير في عام 1929، وأزمات ثلاثينيات القرن الماضي، وركود عام 1987. وبحلول عام 2008، كان ليمان أكبر رابع مصرف استثماري في أميركا، بأصول تزيد قيمتها على 600 مليار دولار.

في أواخر التسعينيات، دخل المصرف مجال التمويل والرهن العقاري المعقد المدعوم بضمانات هشة، ما أدى في النهاية إلى الانصهار المالي العالمي. وفي عامي 2003 و2004 استولى على خمس شركات إقراض عقاري، وفي عام 2007 بلغ حجم الرهن العقاري الذي تضمنه ليمان 85 مليار دولار، فارتفعت المديونية العقارية إلى مستويات خطيرة.

بدأت السوق العقارية بالاهتزاز، وعلى الرغم من ذلك استمر ليمان بالإقراض وتسويق الضمانات للقروض، حتى إن الموظفين تلاعبوا بالبيانات وكشوف الحسابات لإخفاء الحقائق. بدأ المصرف يتضعضع، وباءت محاولات إنقاذه كلها بالفشل. وبحلول سبتمبر 2008، دخل ليمان نفقًا مسدودًا، وأعلن افلاسه، فانهارت الأسواق.

تبعت ذلك سلسلة من الإنهيارات المصرفية، وتهاوت أسواق الأسهم. خسرت مؤشرات البورصات المهمة 50 إلى 70 في المئة من قيمتها. تدخلت المصارف المركزية لمنع الكارثة الكبرى من خلال التيسير الكمي وخلق سيولة مالية باعتماد سياسات تخفيض أسعار الفائدة وطبع العملات.

حزم إنقاذ
سقوط ليمان رمز وتذكير بطفرة قروض الرهن العقاري المسمومة. الإقراض المفرط وعدم التأكد من مقدرة المقترض على التسديد أطلقا أكبر حالة ركود اقتصادي منذ ثلاثينيات القرن الماضي. حتى الآن، لم يتعافَ العالم كليًا من الصدمة. وخسر 25 ألف موظف عملهم في مصرف ليمان الاستثماري.

قامت أكبر 5 بنوك مركزية (بنك انكلترا، الاحتياط الفدرالي الأميركي، بنك اليابان، بنك الاتحاد الأوروبي، وبنك سويسرا الوطني) برفع احتياطاتها الإجمالية من 4 ترليونات دولار في عام 2008 إلى 15 ترليونًا في عام 2018.

أصدرت البنوك المركزية ومنظمات الرقابة المالية تعليمات إلى المصارف بزيادة احتياطاتها 10 أضعاف معدلات ما قبل أزمة عام 2008. بعد إفلاس ليمان، أعلنت الحكومة البريطانية في 8 أكتوبر 2008 إطلاق حزمة إنقاذية قيمتها 500 مليار جنيه إسترليني (700 مليار دولار)، وضخّت 37 مليار جنيه إسترليني في رويال بنك أوف سكوتلاند وفي مصارف لويدز وتي إس بي وإتش بي أو. وأعلن بنك انكلترا المركزي تخفيض الفائدة إلى 0.5 في المئة في مارس 2009.&

خلال أقل من أسبوع، أطلق الاحتياط الفدرالي الأميركي رزمة إنقاذية لتعويم المصارف الأميركية. وتبع ذلك برنامج التيسير الكمي الذي يعني خفض أسعار الفائدة ودرّ سيولة إضافية لجعل عملية الإقراض أسهل وأرخص. وقام بنك انكلترا المركزي بضخ 75 مليار جنيه إسترليني في إطار برامج التيسير الكمي في عام 2011، وارتفع ذلك إلى 275 مليارًا بحلول عام 2017، وبلغ سعر الفائدة 0.25 في المئة.

يمكن القول إن من العواقب الاقتصادية الوخيمة هي حملة إنقاذ المصارف وكذلك إجراءات التقشف وترشيد الإنفاق وتقلص مداخيل الضرائب. أجبرت السلطات المالية المصارف على فصل نشاطات الإقراض العادي للأفراد عن نشاطات الإقراض المؤسساتي للشركات، وفصل معاملات الاستثمار التي تحمل عنصر المجازفة عن المعاملات المصرفية اليومية.

تكاليف الانهيار
خسرت بريطانيا 2.4 ترليون جنيه إسترليني كقيمة إنتاجية صناعية وخدمات، أي ما يعادل 88 ألف جنيه إسترليني لكل عائلة بريطانية خلال عشر سنوات بسبب تباطؤ النمو الاقتصادي، بحسب "تايمز".

تشمل التكلفة التي وقعت على كاهل دافع الضرائب البريطاني حملة إنقاذ البنوك، وتقلص إيرادات الضرائب في خزينة الدولة، وارتفاع الإنفاق على الخدمات الاجتماعية، كعلاوات البطالة، ما رفع المديونية الحكومية البريطانية من 665 مليار جنيه إسترليني في سبتمبر 2009 إلى 1.78 ترليون جنيه إسترليني الآن، بزيادة تقدر بنحو 40 ألف جنيه إسترليني لكل عائلة. وكان أكبر عنصر في الخسائر النقدية إنقاذ رويال بنك أوف سكوتلاند، بقيمة 45.5 مليار جنيه إسترليني.&

في الولايات المتحدة، منح الكونغرس الخزينة الأميركية &في صيف 2008 السلطات الاستثنائية لإنقاذ مؤسستي الإقراض العقاري "فاني ميه" و"فريدي مارك". أنفق الاحتياط الفدرالي 85 مليار دولار لإنقاذ مؤسسة "آي أي جي" للتأمين التي خسرت 99 مليار دولار.

بحلول أكتوبر، ارتفعت تكلفة الإنقاذ إلى 150 مليار دولار. أنفقت الخزينة الأميركية 350 مليارًا لشراء أسهم بنكية وأسهم شركات تصنع السيارات. وفي عام 2009، أطلقت الإدارة الأميركية رزمةً لتحفيز الاقتصاد بقيمة 787 مليار دولار. يبدو أن هذه الخطوات الإنقاذية وضعت حدًا للأزمة المالية، لكن المخاوف تبقى.

فقد الملايين من الأميركيين منازلهم بسبب عدم قدرتهم على تسديد أقساط القروض، وتحوّلوا بين ليلة وضحاها من ملّاك إلى مستأجرين.

هل يتكرر؟
منذ انفجار الأزمة المالية العالمية في عام 2008، كان هناك فيضان من الإصلاحات الصارمة التي فرضتها المصارف المركزية والسلطات التنظيمية. تم فرض مجموعة من أنظمة الإشراف والقوانين لحماية المستثمر، وتم تطبيق سياسات التشديد النقدي والرقابة.

رفعت هذه الإجراءات مستويات الصناعة المالية والقدرات على التكيّف مع الظروف. لكن الإجراءات الحمائية وحروب الرئيس الأميركي دونالد ترمب التجارية خلقت مجهولية إضافية حول العالم قد تهدد الاقتصاد العالمي إذا لم يتم احتواؤها.

ثمة قلق متزايد من تدهور اقتصادات الأرجنتين وتركيا وإيران وجنوب أفريقيا. فقدت عملات هذه الدول نسبة كبيرة من قيمتها الصرفية مقابل الدولار والعملات الأخرى. وربما تنتقل عدوى الانهيار إلى دول أخرى. فقد دخلت جنوب أفريقيا مرحلة الركود الاقتصادي، وفقد مؤشر أسهم إم. إس. سي. آي للأسواق الناشئة أكثر من 20 في المئة من قيمته منذ بداية عام 2018.&

تجب الإشارة إلى ما قالته كريستين لاغارد، رئيسة صندوق النقد الدولي، أخيرًا: "نعم، حدث تقدم كبير لمنع تكرار سيناريو 2008، لكن المزيد من العمل مطلوب. النظامان المالي والمصرفي أكثر أمانًا الآن، لكن ليس بما فيه الكفاية، ويجب الحذر وعمل المزيد".


&