إيلاف من لندن: ستواصل أسعار النفط الصعود بفعل توقعات شح المعروض. وقد ازدادت مؤخرًا وتيرة التنبؤات التي تقول إن أسعار النفط قد تصعد الى 100 دولار للبرميل بعد البدء بتطبيق العقوبات الاقتصادية التي فرضها الرئيس دونالد ترمب على إيران والتي تدخل حيز التنفيذ&في شهر نوفمبر المقبل.&

وسيكون ذلك أعلى سعر للنفط ولأول مرة منذ 2014. ويجب الاشارة الى ان أسعار النفط الخام، ارتفعت الثلاثاء إلى أعلى مستوى لها في 4 سنوات حيث صعدت الأسعار الى 85 دولارا لمزيج برنت القياسي وصعد مزيج غرب تكساس الوسيط الى 75.58 دولارا للبرميل، مدفوعة بقرب دخول حزمة العقوبات الأميركية الجديدة على إيران، في 6 نوفمبر المقبل، عندما تدخل حيز التنفيذ، مرتبطة بصناعة النفط والغاز، وتشمل تقييد الصادرات للسوق العالمية. لذا ليس من المستحيل ان تواصل أسعار النفط الصعود الى 100 دولار في الأسابيع المقبلة.

وذكر تقرير للبنك الاستثماري "غولدمان ساكس" الاسبوع الماضي أن قطاعا كبيرا من المحللين غير مقتنع ببلوغ مستوى 100 دولار للبرميل فى الأمد القريب. لافتا إلى أن هذا المستوى يثير حالة من الانزعاج الشديد في بعض الأوساط الاقتصادية خاصة في دول الاستهلاك.

الربح والخسارة من سعر 100 دولار للبرميل

سيجني المصدرون ارباحًا جيدة وستستفيد&خزائن الدول المصدرة التي عانت من عجز في الميزانيات في السنوات الأخيرة، ولكن الدول المستوردة والمستهلكة هي التي ستتحمل عبء التكلفة الاضافية.&

وهذا بدوره قد يرفع نسبة التضخم السعري للمنتجات، وقد يسبب ضعفا في الطلب على المشتقات النفطية.&وحسب بلومبيرغ للمال والأعمال "سعر 100 دولار للبرميل سوف لا يؤثر كثيرا على نمو الاقتصاد العالمي كما حدث عام 2011 بعد صعود الأسعار".

ومن الطبيعي أن ارتفاع الأسعار الى 100 دولار سيكون خبرا جيدا للدول المصدرة وللعالم بشكل عام ولسببين وهما إن اقتصادات العالم لا تعتمد كليا على الطاقة كما كان سابقا، والسبب الآخر هو ارتفاع الانتاج الأميركي من الزيت الصخري.&

ولكن الكثير يعتمد على المسببات لارتفاع الأسعار. أي صدمة للسوق عندما تكون الامدادات شحيحة ستكون آثارها سلبية ولكن إذا كانت الصدمة بسبب ارتفاع الطلب القوي على الخام فهذا يعكس حالة صحية ايجابية عن الاقتصاد العالمي.

يواجه العالم الآن شحا في الامدادات في الوقت الذي ينمو فيه الاقتصاد العالمي الأمر الذي أدى الى ارتفاع مزيج برنت بنسبة 22% خلال عام 2018. ولكن ماذا يعني ذلك لنمو الاقتصاد العالمي؟

من الطبيعي ان أسعار نفط مرتفعة ستزيد من تكلفة المستهلك وتؤثر على مداخيل العائلات وعلى الانفاق العائلي ولكن مقدار التأثير يختلف من دولة لأخرى. مثلا في اوروبا معظم الدول تستورد النفط وستكون أكثر عرضة للتأثيرات السلبية من ارتفاع الأسعار. بينما الصين وهي المستورد الأكبر في العالم ستشهد ارتفاعا في التضخم السعري وتباطؤا في النمو الاقتصادي يتبعه تراجع الطلب على النفط الخام.&

إضافة الى ذلك يجب الأخذ& في&الاعتبار التأثيرات الموسمية حيث مع قدوم فصل الشتاء البارد سيلجأ المستهلكون الى مصادر اخرى من الطاقة مثل الغاز الطبيعي او الوقود البيولوجي الحيوي. اندونيسيا على سبيل المثال اخذت اجراءات لزيادة استعمال الوقود الحيوي المتوفر محليا كبديل للوقود المستورد.

لذلك يمكن الاستنتاج أنه اذا وصل السعر 100 دولار للبرميل وبقي فوق هذا المستوى لفترة طويلة سيضر ذلك بالاقتصاد العالمي، كما ان ارتفاع سعر الدولار الصرفي مقابل العملات الأخرى سيزيد الطين بلة وتكلفة اكبر للمستورد والمستهلك.

وفي هذا السياق، وجدت دراسة أجرتها "بلومبيرغ للطاقة" انه بشكل عام ان سعر 100 دولار للبرميل وما فوق سيأتي بالضرر للاقتصاد العالمي والسلبيات ستفوق الايجابيات. وحدث سيناريو مشابه عام 2011 رغم الفروق بين 2011 و 2018.

والآن مع نضوج ثورة الزيت الصخري وتقليل التكلفة الانتاجية وتعدد مصادر الطاقة ومستويات مرتفعة نسبيا من الأسعار سيقلل تأثير الصدمة من زيادة الأسعار الى 100 دولار وما فوق، حسب الخبراء. ولكن عنصر المجهولية الناتج عن التوترات الجيوسياسية وعلى رأسها الصدام بين ادارة ترمب وطهران يبقى مصدر قلق بالغ في الأسواق. ويتوقع المراقبون أن تتقلص صادرات الشرق الأوسط من النفط خلال الأشهر&المقبلة.&

يواصل الرئيس الأميركي دونالد ترمب ضغوطه على منظمة "اوبك" لتضخ المزيد من النفط لتخفيض الأسعار قبيل الانتخابات الأميركية النصفية في شهر نوفمبر المقبل. علما ان المقدرة الاحتياطية والسعة الاضافية لمزيد من الانتاج من مصادر "أوبك" تتقلص. الامدادات من أعضاء أوبك نيجيريا وفنزويلا وليبيا تواجه مشاكل وتعطيلات بسبب غياب الاستقرار.

والسؤال من المستفيد من أسعار عالية؟

غالبية الدول المنتجة للنفط تدرج تحت قائمة الدول الناشئة او النامية هي دول ناشئة اقتصاديا وتحتاج الى أسعار عالية للتنمية والتطوير وستستفيد من أسعار عالية تقارب 100 دولار. ومن المستفيدين ايضا دول اخرى مثل روسيا وكولومبيا والمكسيك. ارتفاع مداخيل تلك الدول سيساعد في تقليل العجز في ميزانيات الحسابات الجارية وتسمح للحكومات برفع الانفاق الذي سيحفز على الاستثمار. هكذا تقول النظرية.&

أما الخاسرون فهم الهند والصين وتيوان وتركيا ومصر وأوكرانيا وهي دول مستوردة وستدفع الفواتير بالدولار وسيزداد العجز في الميزانيات وتبقى عرضة للتقلبات في الأسعار ولا يمكن تجاهل اسعار الفائدة الأميركية التي تتجه للأعلى وكذلك الحرب الحمائية التي تشنها الادارة الأميركية.

أما أكبر اقتصاد في العالم الولايات المتحدة سيكون ارتفاع الأسعار اقل ضررا من السابق بسبب الطفرة في الانتاج النفطي الأميركي كما ان تراجع الاعتماد الأميركي على النفط المستورد له فوائد ايجابية الا ان العائلات ذات الدخل العادي ستدفع ثمنا أعلى في محطات البنزين، وهذا يفسر الضغوط التي يمارسها ترمب على اوبك برفع الانتاج.

العائلة الأميركية العادية تنفق 8% من دخلها الاجمالي قبل الضرائب على وقود السيارات بينما تدفع العائلات الغنية اقل من 1% من دخلها على الوقود.

لا شك أن أسعار النفط تغذي التضخم السعري والمالي اي تؤدي الى ارتفاع مؤشرات الأسعار لأنه في النهاية سترفع الزيادة في الأسعار تكلفة النقل والصناعات التي تعتمد على الوقود للطاقة وكلها بدورها تدخل سلسلة المواد الاستهلاكية وفواتير الكهرباء الخ.

وأي تضخم مالي في السوق ترافقه سيولة نقدية زائدة تجبر&البنوك المركزية على التدخل لتشديد السياسة النقدية من خلال خطوات مثل رفع أسعار الفائدة وتقييد الاقراض خاصة في الاقتصادات الناشئة الفقيرة في موارد الطاقة مثل تايلاند وجنوب افريقيا والفلبين وتشيلي.
&