أحمد قنديل من دبي: كشف متحدثون في جلسات الاجتماعات السنوية لمجالس المستقبل العالمية 2018، التي عقدت في دبي على مدى يومين، أن هناك 4 تحديات تواجه مستقبل التجارة العالمية، تتطلب تطوير قوانين دولية موحدة لتنظيمها، أولها العوامل الجيوسياسية التي تؤثر بشكل مباشر على القرارات الاقتصادية، وتحديد أي الشركاء الاقتصاديين الذين يمكن التعامل معهم، والتحدي الثاني هو الاقتصاد الرقمي الذي بات يشكل نحو 12% من التجارة العالمية، فيما يكمن التحدي الثالث في وجود طرق تجارة جديدة في العالم، وأنه لابد على الدول وضع خارطة طريق محددة لكل منها، مع التوقعات أن تكون طرق التجارة المستقبلية من خلال المحيط المتجمد الشمالي، ويكمن التحدي الرابع والأخير في تبني معايير الاستدامة في التجارة، وخصوصا أن مستهلكي المستقبل هم أكثر وعيا بضرورة بناء اقتصاد مستدام.

وأكد المتحدثون أن دولة الإمارات قادرة على قيادة التوجهات الاقتصادية الإقليمية والعالمية وخلق رؤية مستقبلية للمضي قدما بالتجارة الجديدة التي تعتمد على تقنيات وأنظمة جديدة.

حكومة مرنة وذكية

وأوضحت أرانشا غونزاليس المديرة التنفيذية لمركز التجارة الدولية التابع للأمم المتحدة أن دولة الإمارات تتمتع بنقاط قوية تميزها من ناحية استعدادها للمستقبل، إذ أنها استثمرت بشكل مباشر في المهارات والتعليم، والخدمات اللوجسيتة واستدامة اقتصادها ومواردها، إضافة إلى كونها تمتلك حكومة مرنة سباقة إلى تبني أفضل الممارسات الذكية، وهي علامة تجارية رائدة تملكها الإمارات فضلاً عن بقية الدول.

وأضافت أن الإمارات نجحت في وضع الحدود الرقمية للتجارة المحلية وتبني سلاسل القيمة التي تربطها بالأسواق العالمية، ما يجعلها الأكثر قدرة في التعامل مع التغييرات الرقمية الجديدة، لافتة إلى أن موقع الدولة يجعلها مركزا إقليميا للتجارة إذ تمر من خلالها طرق تجارة عالمية تسهم في تعزيز اقتصادها.

تعدد الأقطاب

وذكر الدكتور توماس هيل أستاذ السياسة العامة في كلية بلافاتنيك الحكومية بجامعة أوكسفورد أن النمو المضطرد في التجارة العالمية فرض تطوراً كبيراً في المعاهدات الدولية وعدد منظمات التجارة الدولية التي تسهم في تنظيم الاقتصادات العالمية في ظل التغييرات الجيوسياسية المتعددة الأقطاب، مشيرا إلى أن التحديات الجيوسياسية قد تضعف تأثير ودعم المنظمات العالمية الأساسية مثل الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية، مؤكدا ضرورة مواجهة هذه التحديات بشكل جماعي بهدف تسوية الخلافات بسلام، من خلال نماذج عالمية لصنع القرار، بحيث تسهم في حل التحديات الحالية كمستويات العناية الصحية، والمحافظة على البيئة.

وأفاد الدكتور سوميترا دوتا أستاذ الإدارة وعميد كلية كورنيل أن "دولة الإمارات نجحت في تبني أنظمة الابتكار الجديدة، ما يجعلها مركزا عالميا للريادة واستقطاب العقول، إذ نجحت في تبني مناهج تعليمية جديدة في تكنولوجيا التعاملات الرقمية بلوك تشين والسيارات الكهربائية، إضافة إلى التركيز على أنظمة الذكاء الاصطناعي، كما أنها سباقة في تعيين أول وزير للذكاء الاصطناعي، وهي العلامة التجارية التي تميزت بها الدولة، والتي لابد أن تحافظ عليها والاحتفاء بنجاحها".

وأضاف أن النظريات العالمية التي كانت تحكم الابتكار تغيرت جذريا، بحيث أصبح مفهوما عاما بإمكان الجميع المشاركة فيه، بدلا من أن يكون حكرا على مجموعة معينة، ما يسهم في تغير نظرتنا إلى المستقبل، والاستثمار في مهارات الأشخاص.

الطباعة ثلاثية الأبعاد

ونوهت الدكتورة كريستين فان فليت أستاذة علوم المواد والهندسة في مؤسسة مايكل وسونيا كيرنر الخيرية بأن الأنماط الاستهلاكية المستقبلية ستتغير بناء على التحولات الاقتصادية الجديدة، بحيث تعتمد على التكنولوجيا التصنيعية الحديثة، أهمها الطباعة ثلاثية الأبعاد التي اعتمدتها الإمارات كاستراتيجية مستقبلية، مشيرة إلى أن هذه التكنولوجيا قد تسهم في إنشاء مراكز تجارية جديدة تركز على مستهلكين جدد يعملون وفق هذه الأنماط.

وذكرت أن المستهلكين يركزون في اختياراتهم على الاستدامة في التصنيع، بحيث يحصلون على منتجات متعددة من مورد واحد بحيث لا تؤثر سلبا على البيئة، ما يولد ثقة متبادلة بين المستهلكين والمنتجين، وبناء مستقبل مستدام للأجيال المقبلة.

تحديات قطاع التجارة العالمية

في سياق متصل سلطت جلسة حوارية خاصة حول تحديات مستقبل قطاع التجارة العالمية، ضمن فعاليات اليوم الأخير لمجالس المستقبل العالمية في دبي، الضوء على أبرز التغييرات التي سيشهدها هذا القطاع الحيوي وتأثراته المباشرة وغير المباشرة على اقتصادات العالم.

شارك في الجلسة مارك وو أستاذ القانون في كلية الحقوق بجامعة هارفرد، وأميتيندو باليت رئيس قسم البحوث في شؤون التجارة في جامعة سنغافورة الوطنية، وأرانشا جونزاليس ليا المدير التنفيذي لمركز التجارة الدولية ITC.

وناقش المشاركون موضوع النزاعات التجارية العالمية في الوقت الحالي إضافة إلى تخوف البعض من تأثيرات التكنولوجيا الحديثة على الأمن الوطني في دول العالم مع تزايد الاستثمار الأجنبي المباشر في هذا القطاع، مؤكدين أن هذه التحديات تؤثر على قطاعات الأسواق المالية والشحن والشركات الصغيرة والمتوسطة والأفراد بشكل عام، وأن قضية رفع الرسوم الجمركية التي تفرضها الدول على مجموعة من السلع الاستراتيجية تؤثر على العديد من القطاعات الاقتصادية ومستويات الثقة المتبادلة بين الدول والحكومات.

وأكدوا أهمية تعزيز الكفاءة والإنتاجية والتنافسية بالنسبة للحكومات والشركات والأفراد فضلاً عن ضرورة اتفاق الدول المؤثرة في قطاع التجارة العالمية على تهيئة أطر تعاونية مشتركة تعود على الأطراف المعنية بالفائدة.

تقنيات الثورة الصناعية الرابعة

من جهة أخرى أكد خبراء عالميون أهمية العمل بخطوات استباقية لمواكبة المتغيرات المعقدة التي يشهدها العالم، وابتكار حلول عملية تستفيد مما توفره تقنيات الثورة الصناعية الرابعة وتعزيز الوعي بالقدرات والإمكانات التي تقدمها، داعين الحكومات والمنظمات العالمية إلى تعزيز الاستدامة في جميع القطاعات من خلال بناء علاقات أكثر إيجابية وفاعلية مع الموارد الطبيعية.

وقالت سوكيترا سيباستيان البروفيسور المشارك والمتخصصة في قطاع الفيزياء في جامعة كامبريدج خلال مشاركتها في جلسة "أحدث الابتكارات المستقبلية للعلم والتقنية" إن التقنيات الحديثة تعد من أهم المحركات الأساسية التي تسهم في تحقيق أفضل النتائج، ولابد من توظيفها بشكل أمثل والاستفادة من التقنيات الحديثة، وما توفرها من إمكانات كبيرة لمعالجة التحديات الحالية.. ومع توفر التقنيات ولا سيما تقنيات الذكاء الاصطناعي والثورة الصناعية الرابعة وتوفر المعلومات، فإن الوقت مهم جدا لمعالجة هذه القضايا التي تسهم في إيجاد اقتصاد أكثر استدامة وتحقيق أفضل العوائد الاقتصادية للمجتمع، ومن أهم القضايا الحالية إيجاد بدائل عملية لقطاع الطاقة والاستفادة من الطاقات البديلة التي يأتي في مقدمتها الرياح والطاقة الشمسية ".

الطاقة المتجددة والبديلة

وأوضحت أن "قطاع الطاقة المتجددة والبديلة يعد واحدا من أهم الموضوعات التي يمكن العمل عليها على المستوى العالمي للاستفادة منها وتحويلها إلى قضية عالمية يتشارك فيها الجميع، حيث إنه لابد من العمل على إيجاد الحلول العالمية المشتركة، التي تسهم في تحقيق تطور في تقديم حلول للتغير المناخي وخفض الانبعاثات والحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض." لافتة إلى أنه يمكن الاستفادة من المساحات المتاحة عالمياً لتوليد الطاقة، ونقل المولدة منها إلى مناطق أخرى من العالم عبر الاستفادة من التطور الكبير الذي توفره التقنيات الحديثة.

وطالبت ماندا هولفورد البروفيسور المشارك والمتخصصة في قطاع الكيمياء الحيوية من جامعة مدينة نيورك بإعادة النظر في الابتكار بشكل أكثر عملية، والعمل على تحويله من قضايا نظرية إلى قضايا عملية قابلة للتطبيق يمكن الاستفادة منها في جميع المجالات وتقديم الفوائد إلى جميع أفراد المجتمع الإنساني، قائلة "ومن هنا أيضا يمكن توفير التكنولوجيا للاستفادة من جميع الموارد الطبيعية وتوظيفها بالشكل الأمثل، وبما يمكن من تقديم خدمات مستقبلية للإنسان وتحفيزه على تحقيق أعلى معدلات التطور في جميع المجالات".

توظيف التكنولوجيا الحديثة

ونوهت هولفورد بأن "هناك الكثير من الفرص المقبلة في توظيف التكنولوجيا الحديثة وتسخيرها لضمان الاستفادة من هذه الموارد الطبيعية دون الإضرار بها، بل على العكس تماما يمكن ضمان استمراريتها للأجيال المقبلة، ومن هنا فإن هناك تحديات علينا الوقوف عندها في مقدمتها المياه وتأمينها للملايين من البشر، ومواجهة الأمراض المعدية والمزمنة التي تهدد الكثير من البشر حول العالم، إضافة إلى تأمين الغذاء وضمان تحقيق الأمن الغذائي". مؤكدة أن التكنولوجيا الحديثة تشكل فرصة مهمة عالمية يمكن الاستفادة منها، وتسخيرها بالشكل الأمثل لتحقيق أفضل النتائج في هذه المجالات.