نهاد إسماعيل من لندن: بلغ الطلب العالمي على الغاز الطبيعي 265 مليون طن في عام 2016 حسب تقرير الرويال دويتش شل السنوي.

وارتفع حجم التجارة في الغاز الطبيعي المسال من 100 مليون طن اوائل الألفية الثانية الى 300 مليون طن عام 2017 وحسب آخر التقارير سيصل الطلب العالمي الى 330 مليون طن وهذا الرقم مرشح للازدياد في المستقبل.

واستورد الاتحاد الأوروبي 194 بليون متر مكعب من الغاز الروسي عام 2017 بأسعار تعتبر جذابة مقارنة &بالأسعار العالمية حيث تبيع روسيا الغاز الطبيعي بسعر 4.5 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية وهذا أقل من معدل الأسعار من مصادر أخرى. هذه التسعيرة التنافسية قد تهدد الجهود الأميركية لبيع الغاز الطبيعي المسال في اوروبا.

ترى الولايات المتحدة انها قادرة على تزويد اوروبا بجزء من حاجتها من الغاز. وفي اجتماعه مع جين كلود يونكر رئيس المفوضية الأوروبية في يوليو تموز 2018 أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب بافتخار "يريدون شراء الغاز الأميركي". وغرد قائلا يريدون شراء كميات كبيرة من الغاز الأميركي وتنويع المصادر وما يعنيه تقليل حجم الشراء من روسيا.

ومن المتوقع أن يصعد الاستيراد الأوروبي من الغاز الطبيعي المسال بنسبة 20% بحلول 2040 مقارنة مع &مستويات 2016 حسب وكالة الطاقة الدولية. رغم أن روسيا الآن &أكبر مصدّر للغاز الطبيعي &للاتحاد الأوروبي الا انها ستواجه &تحديات كبيرة من قطر والولايات المتحدة في المستقبل القريب.

ولكن السؤال الذي يطرحه المراقبون والخبراء هو: هل تستطيع الولايات المتحدة منافسة قطر سعريا في السوق الأوروبي؟

انتقادات ترمب

وكان ترمب قد انتقد انجيلا ميركيل المستشارة الألمانية في مايو أيار 2018 لدعمها مشروع انبوب الغاز "نورد ستريم 2" الروسي لأنها تجعل من ألمانيا أسيرة لروسيا لاعتمادها على روسيا كمصدر رئيسي للطاقة.

من المفترض ان ينقل مشروع انبوب "نورد ستريم 2" الغاز الروسي لألمانيا وبسعة تصل الى 55 بليون متر مكعب سنويا ويكون خطا موازيا لأنبوب &نورد ستريم الحالي. وهذا المشروع يحمل في ثناياه مخاطر جيوسياسية ومنها تعميق الاعتماد على الغاز الروسي رغم مواقف روسيا العدائية تجاه اوروبا ودول خارج اوروبا.

ولم تكتف روسيا بأنابيب الغاز المشار لها بل أطلقت مشروع "يامال" للغاز الطبيعي المسال في الدائرة القطبية التابعة لروسيا وبتمويل من منتج الغاز شركة "نوفاتيك" الروسية وبمساعدة من توتال الفرنسية.

وستزود "محطة يامال لتوزيع الغاز" اوروبا وآسيا من خلال الناقلات العملاقة التي ستجوب البحار.

وتبقى المشاريع الروسية مصدر قلق لواشنطن التي تصبو لبيع الغاز في اسواق جنوب شرق آسيا الكبيرة علما أن غازبروم الروسية عملاق الطاقة الروسية واكبر منتج للغاز في العالم تنفق الآن ما يزيد على &55 مليار دولار لبناء خط انابيب يمتد من سيبيريا مسافة 3000 كم الى الصين بحلول &2019-2020.

وفي الوقت ذاته تقوم قطر برفع مستوى التجارة في الغاز الطبيعي المسال في آسيا وتنافس الولايات المتحدة وروسيا معا. ويعتقد الخبراء والمحللون في الغرب ان قطر ستكون لاعبا كبيرا في مجال الغاز الطبيعي المسال في آسيا.&

وتخطط قطر لرفع انتاج الغاز الطبيعي المسال (LNG) بنسبة 30% من 77 مليون طن سنويا الآن الى 100 مليون طن خلال الأعوام القليلة المقبلة لتصبح أكبر &لاعب في انتاج وتصدير الغاز الطبيعي المسال.

نزاعات البحر الأبيض المتوسط

وفي حوض البحر الأبيض المتوسط تستعرض تركيا عضلاتها للسيطرة على مصادر الغاز الطبيعي الكامنة في أعماق البحر. وحسب تقارير اعلامية فان مشروع ممر الغاز الجنوبي الذي تقدر تكلفته ب40 مليار دولار وهو مشروع طموح يشمل 11 شركة و7 حكومات وهو اكبر مشروع بنية تحتية ويغطي مسافة 3500 كم، سينقل الغاز من بحر قزوين مرورا بآزربيجان وجورجيا وتركيا واليونان والبحر ألأدرياتيكي الى جنوب ايطاليا ومن هناك للتوزيع للاسواق الأوروبية.

ومنذ 2008 تلقى المشروع دعم الاتحاد الأوروبي كهدف حيوي استراتيجي لتقليل الاعتماد على الغاز الروسي وبتمويل من الاتحاد الأوروبي اضافة الى تمويل دولي وقروض من البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية. ومن الجدير بالذكر ان السعودية والامارت هما عضوان في هذا البنك.

وتركيا ستستفيد من الرسوم والجمارك لأن خط الأنابيب سيمر عبر أراضيها. وتركيا لا تخفي طموحها ان تصبح مركزا دوليا كبيرا لتوزيع الغاز ومما لاشك فيه ان هذا سيقلل اعتماد تركيا على الغاز الروسي الذي يغذي 55% من الاستهلاك التركي.

وحسب ارقام وكالة الطاقة الدولية فان كمية الغاز التي سينقلها ممر الغاز الجنوبي ستكون بحدود 16 مليار مترمكعب سنويا مقارنة مع 194 مليار متر مكعب من الغاز الروسي الذي استوردته &كتلة الاتحاد الأوروبي 2017.&

تصادم حل غاز شرق البحر الأبيض المتوسط

وشهدت منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط اول مواجهة عام 2018 بعد تدهور العلاقات بين تركيا وقبرص اليونانية وكذلك مع اسرائيل ومصر.

حيث تم اكتشاف احتياطات كبيرة من النفط والغاز في المناطق البحرية المحاذية لقبرص وكان هناك أمل ان استغلال هذه المصادر سيحسن فرص التعاون والتقارب بين الدول المعنية ولكن ما حدث هوالعكس. تركيا تعارض محاولات قبرص استغلال الثروات الطبيعية من البحر بدون مشاورتها او موافقتها. &وهناك نزاع منفصل بين تركيا واليونان وتهديدات متبادلة من خلال وسائل الاعلام.

وجاءت زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الى نيقوسيا عاصمة قبرص اليونانية في نوفمبر تشرين الثاني 2018 لبحث مشاريع الغاز ورسم الحدود بمثابة رسالة لتركيا ان مصر تقف مع قبرص. ولكن تركيا نظرت الى ذلك اللقاء بازدراء واعتبرته انه غير مهم ولن يغير شيئا.&

ولتعقيد الأمور أكثر اتفقت ايطاليا واليونان وقبرص اليونانية واسرئيل على مد خط انابيب غاز من الحقول المكتشفة. سيكلف مشروع &أنبوب غاز شرق البحر المتوسط 6 مليارات دولار ويزيد طوله عن 2000 كم لنقل الغاز من حوض البحر المتوسط الى اليونان وايطاليا.

وسينقل خط انابيب الغاز تحت اعماق البحر من حوض ليفياثان الخاضع للسيطرة الاسرائيلية وبلوك 12 اليوناني المعروف بأفرودايت الى جزيرة كريت اليونانية ولأوروبا عن طريق اليونان.

وتم توجيه اتهامات لتركيا عام 2017 بانتهاك مياه قبرص الاقليمية واجواء اليونان وحلف الناتو يعرف عن هذا الانتهاك من قبل احد اعضاء الحلف. ومن غير المحتمل أن يتدخل الناتو لنزع فتيل الأزمة. وماذا عن مصر التي اخذت موقفا مؤيدا لليونان ونيقوسيا لأسباب يعتقد انها سياسية؟

وحسب "اويل برايس" كوم بتاريخ 7 يناير 2019 ان خط انابيب غاز شرق البحر المتوسط بين قبرص واليونان واسرائيل سيشعل ثورة في اقتصادات المنطقة وسيغير الصورة الجيوسياسية فيها. ويسعى هذا التحالف بين الدول الثلاثة &في المشروع التقدم بحذر لتجنب المواجهة مع الدول التي تعارض المشروع.

ومن عاصمة النفط هيوستون في تكساس قالت صحيفة "هيوستون كرونيكيل" بتاريخ 25 يناير 2019 ان شركة "اكسون موبيل" عملاق الطاقة الأميركية كانت جاهزة للقيام بأعمال حفر بئر للغاز الطبيعي شرق البحر الابيض المتوسط قبل 3 شهور. ولكن وزير خارجية تركيا أطلق تحذيرات للشركات العاملة في المنطقة البحرية ان تتصرف بعقلانية وتعترف بالحقائق على الواقع. كما ان مشاريع اكتشافات غاز طبيعي كبيرة مقابل الساحل المصري واسرائيل وقبرص تقودها شركات كبرى مثل شل واكسون ونوبل اينرجي رفعت من وتيرة التوترات في منطقة سريعة التقلب والتي تترقب بشغف ثروات ترفع من شأن تلك الدول اقتصاديا. ويبدو ان شركة اكسون موبيل تتجنب المواجهة والمتاعب ولكن احتمال نشوب مواجهات عسكرية في المنطقة لا يزال قائما وهذا خلق حالة من القلق الشديد في صفوف شركات الطاقة.

لا شك ان التوترات في البحر الأبيض المتوسط جلبت صداعا لشركات الطاقة العالمية التي تخاف من نشوب مواجهات عسكرية في المستقبل. ولتقدير ابعاد الأزمة يجب الأخذ بعين الاعتبار الظروف الداخلية والتطورات في البلدان المعنية.