دمشق: على بعد أمتار من محطة للوقود في شرق دمشق، يترجّل أبو سامي من سيارته ويجهد لدفعها يدويًا جراء نفاذ البنزين منها، بعدما بات لزامًا عليه التقيّد بكمية يومية حددتها الحكومة السورية لمواطنيها، بينما تلوح في الأفق بوادر أزمة بنزين.

من خلف مقود سيارته، يقول الشاب ذو اللحية السوداء الخفيفة لوكالة فرانس برس "مصيرنا دائمًا أن نقف في طوابير، ننتهي من أزمة الغاز، تأتي أزمة المازوت، ننتهي من المازوت يأتينا البنزين، ولا نعرف ما الذي ينتظرنا غدًا". يضيف أبو سامي الذي يقضي ساعات عدة يوميًا منتظرًا أن يحين دوره في محطة الوقود، "دائمًا نعاني".

وبعد أشهر من نقص حاد خصوصًا في أسطوانات الغاز ونقص في المازوت، يبدو أن الأزمة توسعت لتطاول البنزين، إذ تشهد مناطق سيطرة الحكومة السورية منذ أيام عدة زحمة أمام محطات الوقود، ويضطر سائقو السيارات للوقوف في طوابير تمتد مئات الأمتار.

وأصدرت وزارة النفط والثروة المعدنية السبت تعميمًا ينص، ولفترة محدودة، على تخفيض الكمية اليومية المسموح بها للسيارات الخاصة من 40 ليتر إلى 20 يوميًا. وخفّضت في تعميم آخر الإثنين الكمية إلى 20 ليتر خلال كل يومين، على أن لا تتغير الكمية المسموح استهلاكها شهريًا عن 200 ليتر، وهي الكمية المدعومة من الحكومة.

قال وزير النفط والثروة المعدنية علي غانم خلال تفقده ليل الإثنين عددًا من محطات الوقود في دمشق إن الهدف من هذه الخطوة "فسح المجال أمام أكبر عدد من المواطنين للتعبئة في اليوم الواحد"، مطمئنًا في الوقت عينه إلى أن "المادة متوافرة".

بدأ الازدحام أمام محطات الوقود بعد تداول معلومات عن توجّه الحكومة إلى تخفيض الدعم للبنزين، ما دفع بأصحاب السيارات إلى المسارعة لتعبئة سياراتهم. ولم يستبعد رئيس الحكومة عماد خميس خلال لقاء مع عدد من الصحافيين المحليين السبت احتمال صدور قرار بتخفيض كميات البنزين المدعومة من الحكومة.&

وأفاد عن دراسة "تبيّن أن وسطي استهلاك أكثر من تسعين في المئة من السيارات في سوريا هو نحو 120 ليتر شهريًا"، وبالتالي فهذه "الكمية التي تستحق الدعم".

واضطر سائق سيارة الأجرة عبدو مسرابي (67 عامًا) للانتظار أربع ساعات أمام محطة وقود في منطقة الزبلطاني في شرق دمشق الإثنين، قبل تعبئة سيارته.&

ويقول لفرانس برس "عشرون ليترًا يوميًا كمية لا تكفيني، أعمل على سيارة الأجرة، وأتنقل فيها طيلة النهار". يوضح "إذا توقفت عن العمل، فلن أستطيع تأمين الطعام لي ولأولادي".

حرب اقتصادية
بلغ إنتاج سوريا قبل اندلاع النزاع في العام 2011 نحو 400 ألف برميل نفط يوميًا، أكثر من نصفها للاستهلاك المحلي، والباقي للتصدير. أما اليوم فلا تتجاوز نسبة الإنتاج 14 ألف برميل، بحسب مصادر حكومية.

ومُني قطاع النفط بخسائر كبرى خلال سنوات النزاع، بينما لا تزال غالبية حقول النفط والغاز تحت سيطرة قوات سوريا الديموقراطية، المدعومة أميركيًا، في شمال وشرق سوريا. وتُعدّ استعادة هذه المناطق "استراتيجية" بالنسبة إلى الحكومة لغناها بحقول النفط والغاز، التي شكلت عائداتها موردًا مهمًا لخزينة الدولة قبل النزاع.

تعاني سوريا منذ أكثر من أربعة أشهر من نقص حاد في بعض المشتقات النفطية والمواد الرئيسة، إذ شهدت شحًا في أسطوانات الغاز التي تستخدم للتدفئة، خصوصًا خلال فصل الشتاء، كما انقطع حليب الأطفال من الأسواق.

وألقى مسؤولون حكوميون مرارًا المسؤولية على العقوبات الاقتصادية التي تفرضها دول عربية وأوروبية عدة، فضلًا عن الولايات المتحدة على سوريا، ما يحول دون "وصول العبّارات التي تحمل المشتقات النفطية إلى سوريا".

كما فاقمت العقوبات الأميركية الأخيرة على طهران، أبرز داعمي دمشق، من أزمة المحروقات في سوريا التي تعتمد على خط ائتماني يربطها بإيران لتأمين النفط بشكل رئيس.

ولوّحت وزارة الخزانة الأميركية في نوفمبر بفرض عقوبات على كل الجهات أو الأشخاص المنخرطين في عملية شحن النفط إلى سوريا. وتزامن ذلك مع تعطيل واشنطن شبكة دولية، قالت إن إيران وفرت من خلالها وبالتعاون مع شركات روسية "ملايين براميل النفط للحكومة السورية".

يكرر مسؤولون سوريون، بينهم الرئيس بشار الأسد، التأكيد على أن بلادهم تواجه حربًا جديدة تتمثل في الحصار الاقتصادي والعقوبات.

أشتري وقتي
تستهلك سوريا يوميًا وفق وزارة النفط، 4.5 مليون ليتر بنزين، بينما يصل حجم الدعم اليومي للمشتقات النفطية إلى 1.2 مليار ليرة سورية (2.76 مليون دولار).

ويخشى السوريون من تبعات قرار تخفيض الدعم في حال صدوره، لكونه سيؤثر مباشرة على بدلات التنقل وأسعار السلع التي يتم نقلها عبر آليات تستخدم البنزين.

وبدأت الحكومة منذ عام، وبشكل تدريجي، العمل بنظام البطاقة الذكية، التي يمكن للمواطنين من خلالها شراء المحروقات، بهدف تنظيم وترشيد الاستهلاك والحدّ من عمليات التهريب. وسمح ذلك بتوفير أكثر من 1.3 مليون ليتر يوميًا من البنزين، وفق رئاسة الحكومة.&

خفضت الحكومة في العام الحالي الدعم على البنزين من 400 ليتر شهريًا إلى 200 ليتر شهريًا. ولا يجد من يحتاج كمية أكبر من البنزين خيارًا أمامه إلا السوق السوداء.

تجنبًا للإنتظار، قصد سائق سيارة الأجرة حسام عنتبلي ضاحية جرمانا عند أطراف دمشق لشراء عشرين ليترًا إضافيًا من السوق السوداء بقيمة 9000 ليرة سورية (20 دولارًا)، أي ضعف سعر الكمية نفسها من البنزين المدعوم.

يقول لفرانس برس "أفضّل أن أعمل على أن أنتظر، أشتري وقتي بهذا السعر، وأمضي لأعمل على سيارتي"، وذلك لتأمين قوت عائلته.
&