إيلاف من القاهرة: واصل الدولار الأميركي تراجعه أمام الجنيه المصري منذ بداية العام الجاري، ويرجع الخبراء الاقتصاديون ذلك إلى عدة أسباب، أهمها ارتفاع الاحتياطي الأجنبي بالبنك المركزي المصري، ونجاح خطة الإصلاح الاقتصادي، وانتعاش حركة السياحة وزيادة تحويلات المصريين بالخارج والصادرات.

رغم أن المؤسسات والبنوك الدولية توقعت نهاية العام الماضي، استمرار تدهور أحوال الجنيه المصري أمام الدولار، ليتخطي الدولار الواحد حاجز الثمانية عشر جنيهًا مع بداية العام الحالي، إلا أن الجنيه سار عكس التيار، وحقق ارتفاعات متتالية أمام الدولار.

وبعد أن سجل الدولار الواحد 17.98 جنيهًا، نهاية العام الماضي، هبط فجأة مع بداية العام الجاري 2019، وواصل الهبوط، حتى بلغ سعر الدولار اليوم الاثنين 16.71 جنيهًا، وسط توقعات باستمرار التراجع إلى الستة عشر جنيها.

ومع تراجع الدولار بأكثر من 7.5 بالمائة من قيمته في مصر، يصبح الجنيه العملة الأكثر قهرًا للدولار على مستوى العام منذ بداية العام 2019.

ويرى الخبراء المصرفيون أن هناك نحو عدة أسباب وراء تراجع الدولار، وتحقيق الجنيه لمكاسب كبيرة، وقال محمد عمران، مدير شركة صرافة بالقاهرة، إن هبوط الدولار أمام الجنيه ليس وليد بداية العام الجاري، ولكنه إحدي ثمار الإصلاحات الاقتصادية التي تنفذها مصر، منذ تحرير سعر الصرف في 3 نوفمبر 2016، مشيرًا إلى أن قرار "تعويم الجنيه" الذي تم اتخاذه بشجاعة كبيرة، أدى إلى القضاء على السوق السوداء للدولار، وتوافر العملة الاجنبية في البنوك والقنوات الرسمية فقط، مما أدى إلى زيادة المعروض.

وأضاف لـ"إيلاف" أن الجهات الأمنية تشن حملات واسعة ضد تجار العملات الأجنبية، ومن يحاولون التعامل خارج الجهاز المصرفي، مما أثر بالسلب على هذه التجارة، وأدى إلى اتجاه المصريين، ولاسيما العاملين بالخارج إلى تحويل أموالهم عبر البنوك فقط، بالإضافة إلى التحفظ &على شركات الصرافة المملوكة لجماعة الإخوان المسلمون، التي كانت تتلاعب في سوق الصرف، وصدور أحكام رادعة بحق أصحابها، ورجال أعمال إخوانيين بتهم تتعلق بالإضرار بالاقتصاد الوطني.

وحسب وجهة نظر الدكتور حسن علي، نائب مدير بنك مصر السابق، فإن ارتفاع الاحتياطي النقدي بالبنك المركزي إلى أكثر من 44 مليار دولار، مع إلغاء القيود التي كانت مفروضة على تداول النقد الأجنبي بحدود معينة، ما أدى إلى توافر العملة من أهم أسباب انخفاض العملة الأميركية.

وأضاف لـ"إيلاف" أن كل ذلك تزامن مع استعادة السياحة المصرية نشاطها، وتحقيقها عائدات تجاوزت 11 مليار دولار في نهاية العام 2018، ومع وجود توعقات باقترابها من رقم 15 مليار دولار بنهاية هذا العام.

ولفت إلى أن تحويلات المصريين بالخارج وصلت إلى 25.5 مليار دولار بنهاية العام 2018، وزادت نحو نصف مليار خلال شهر مارس الماضي، ما أدى إلى توافر العملة الأميركية بكثرة في السوق المصرفي.

وكشفت بيانات البنك المركزي، أن إجمالي تحويلات المصريين العاملين بالخارج خلال شهر مارس 2019 سجلت زيادة قدرها 426.1 مليون دولار، بمعدل 23.3% لتبلغ 2.3 مليار دولار، مقابل 1.8 مليار دولار خلال شهر فبراير من العام الجاري.

وعددت دراسة صادرة عن مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية عشرة أسباب تقف وراء هبوط الدولار أمام الجنيه المصري، وهي: زيادة التدفقات من النقد الأجنبي عبر زيادة استثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومية، حيث بلغت 16.8 مليار دولار في منتصف أبريل 2019 وبلغت 17.8 مليار دولار في منتصف مايو 2019، وارتفعت حيازة الأجانب لأدوات الدين المحلي بنسبة 40% حتى شهر مايو 2019.

وتوقعت الدراسة ألا تتأثر مكانة مصر كدولة جاذبة للاستثمار في أدوات الدين، حيث يقترض المستثمرون بالعملات التي لديها معدلات فائدة منخفضة والاستثمار بها في الدول التي تتميز بسعر الفائدة المرتفع ومن بينها مصر.

وأضافت الدراسة أن من ضمن الأسباب، ارتفاع الاحتياطي النقدي المصري من العملات الأجنبية ليصل إلى 44.3 مليار دولار، وارتفاع الحصيلة من قطاع السياحة، خلال عام 2018 بزيادة قدرها 16.5% ليحقق 11.3 مليار دولار.

وأشارت الدراسة إلى أن الاستكشافات البترولية في مصر، أسهمت في خفض فاتورة الإنفاق على المواد البترولية، وتوفير نحو 3 مليارات دولار سنويًا، ما أدى بالتبعية إلى توفير العملات الأجنبية وتقليل الطلب عليها، فضلًا عن ارتفاع حصيلة تحويلات العاملين بالخارج.

ولفتت إلى أن إلغاء البنك المركزي آلية تحويل العملات الأجنبية، بالنسبة للأجانب أدى إلى خلق السيولة ووفرة العملات الأجنبية في البنوك، وساعد هذا القرار إلى اتجاه أموال صناديق الاستثمار إلى السوق مباشرة، ما أسهم في عودة ثقة المؤسسات العالمية بالسوق المصرية.

واعتبرت الدراسة أن ارتفاع التصنيف الائتماني لمصر، أسهم في زيادة ثقة المستثمرين الأجانب للدخول بقوة في السوق المصرية، سواء كان في البورصة المصرية وأيضا في الاستثمار في أدوات الدين الحكومية، مشيرة إلى أنه بلغ حجم الاستثمارات الأجنبية في البورصة وأدوات الدين الحكومية نحو 26 مليار دولار.

وحققت الصادرات المصرية خلال عام 2018 زيادة بنسبة 11.6% لتصبح في حدود 25.5 مليار دولار، ويرجع ذلك إلى زيادة الصادرات البترولية وكذلك زيادة الصادرات من الحاصلات الزراعية.

ونبهت الدراسة إلى أن فاتورة الاستيراد من الخارج تراجعت لتتراوح في حدود 55 إلى 60 مليار دولار سنوياً، في حين أنها كانت من قبل تتراوح ما بين 75 و80 مليار دولار سنوياً، وأرجعت ذلك إلى القواعد الترشيدية وإحكام عملية الاستيراد ووضع القيود والقواعد التي من شأنها تخفيض فاتورة الاستيراد من الخارج واللجوء إلى البديل المحلي والبُعد عن الاستيراد العشوائي.

وقالت الدراسة إن زيادة حجم تدفقات النقد الأجنبي منذ بدء سياسات الإصلاح الاقتصادي وتعويم الجنيه، أسهمت في زيادة المعروض من الدولار، حيث تجاوزت التدفقات النقدية من الدولار أكثر من 160 مليار دولار منذ عام 2016 حتى الآن.

وكان البنك المركزي المصري قد حرر سعر صرف الجنيه مقابل الدولار في 3 نوفمبر 2016، ليرتفع الدولار من 7.73 جنيهًا إلى 17.98 جنيهًا خلال عامين، ثم عاود الهبوط مع بداية العام الجاري ليبلغ 16.73 جنيهًا مع بداية العام الجاري.