تمر فرنسا هذه الأيام بواحدة من اصعب ما مرت به من فترات خلال عقود. فأولا ان فرنسا صارت الدولة الغربية الأكثر تعرضا لإرهاب داعش والقاعدة. والجميع يتذكرون الجرائم الإرهابية منذ عام بضحاياها المئات، فهو مما اجبر الحكومة على إعلان حالة الطوارئ وما تعنيه من يقظة دائمة وتشديد الإجراءات الأمنية وواجب مراعاة المواطنين والهيئات والأحزاب لما تستلزمه حالة الطوارئ.

وثانيا هذه الأمطار الفيضانية التي لم يسبق لها مثيل منذ عقود التي أغرقت آلاف البيوت والمزارع ووصل الخطر الى باريس نفسها. وكل هذا تسبب في خسائر كبرى مادية وبشرية فإن الآلاف فقدوا في لحظات كل ما يملكون وظلوا بلا ماء للشرب ولا كهرباء. فيما عدا التدابير الحكومية وحملات اسعاف ومساعدة شعبية وبانتظار بعض التعويضات المالية.

إنها مآس تفجر مشاعر الألم والمواساة والتضامن إلا لدى الستالينيين الذين تحجرت عقولهم وقلوبهم فلا هم لهم غير مصالحهم الفئوية.

أما ثالثا فهذه الإضرابات العمالية التي انفجرت منذ أسابيع بقيادة نقابة السي جي تي الستالينية والتي شملت حتى المشاريع والمؤسسات ذات الطابع الاستراتيجي اقتصاديا وأمنيا كمصافي النفط والمفاعيلات النووية التي تزود البلاد بالطاقة الكهربائية. بدأت الإضرابات باحتجاج على مشروع قانون العمل أعدته الحكومة وفيه حلحلة لبعض القيود والحواجز التي وضعها اليسار المتطرف سابقا على علاقات العمل. إن السي جي تي ومن يشايعونها يقولون إن الحكومة تسرعت وتريد فرض القانون بلا مشاورات والحكومة تقول إنها أجرت مشاورات واسعة مع عدد من النقابات وأخذت بعض الملاحظات في نظر الاعتبار. فيما عدا نقابة السي جي تي ونقابة أخرى، يصرون على وجوب سحب القانون الجديد جملة وتفصيلا بحجة أنه يمالئ أرباب العمل على حساب العمال.

إن المعروف أن حرية الإضرابات والتظاهر مقدسة في الدول الديمقراطية كفرنسا. إنها حق ولكنها أيضا مسؤولية فممارسة الحريات العامة والشخصية لها ضوابط ويجب أن تراعي الأوضاع الخاصة في البلاج والمخاطر الخارجية وأن لا تطغي المصالح الفئوية على مصالح أكثرية المواطنين. وهذا ما لا تريد فهمه العقليات الستالينية بحيث أن زعماء السي جي تي يتصرفون وكأنهم في حالة حرب شاملة ضد الحكومة وعلى طريقة علي وعلى أعدائي.

ولو كان لهؤلاء شعور بالمسؤولية الوطنية والإنسانية لهرعوا إلى المساهمة في انقاذ المنكوبين وتأجيل اضراباتهم والدخول في مفاوضات جديدة بلا ابتزاز ولا انذار. 

لقد عانى المجتمع الفرنسي طويلا من الانغلاق والجمود ورفض الإصلاحات الضرورية فساعات العمل، في نظرهم، يجب ان لا تزيد عن 35 ساعة وسن التقاعد يجب ان لا يتجاوز 58 سنة. في حين انها في المانيا مثلا 67 سنة وعندما حاولت الحكومة السابقة رفع سن التقاعد فقد فجروا إضرابات مماثلة ضد موقف الحكومة السابقة. وكنا قد توقفنا قبل سنوات عند كتاب فرنسي عنوانه "فرنسا التي أعمتها الاشتراكية" ونقول اليوم إنها فرنسا التي اختطفها اليسار الستاليني. وفي تلك الإضرابات السابقة وقعت أعمال عنف كثيرة. أما اليوم فقد تضاعفت أعمال العنف وصرنا نرى عصابات ذات اقنعة حاملة أسلحة جارحة وحارقة لمهاجمة الشرطة سواء كانت مجموعات من الفوضويين أو من اليمنيين العنصرين ومنهم ما حاولوا حرق شرطيين وهما في داخل السيارة على طريقة داعش: حرق الأحياء. ودخلت فرق من السي جي تي إلى مقرات الصحف اليومية مطالبة بنشر بياناتها وإلا فإن العمال لن يوزعوا تلك الصحف وهذا ما حصل باستثناء صحيفة الحزب الشيوعي. ونقول أيضا إن النقابات الفرنسية هي الأقل تمثيلا للعمال من النقابات الغربية الأخرى. والعمال الفرنسيون يشتغلون أقل من غيرهم وعطلهم أضعاف.

إن فرنسا اليوم في وضع صعب للغاية ولا نعرف ونحن في بداية يونيو كيف ستتطور الأمور راجين أن تتطور لصالح الأكثرية الفرنسية والأمن القومي الفرنسي.