في أعقاب الانتخابات الصورية الأخيرة في إيران، سلطت سلسلة من التطورات الضوء بشكل صارخ على المشهد السياسي والاجتماعي في البلاد. لقد تركت الانتخابات، التي شهدت مقاطعة واسعة النطاق ومشاركة ضئيلة، النظام الحاكم في مواجهة أزمة شرعية. ويثير هذا الوضع تساؤلات ملحة حول قدرة المرشد الأعلى للنظام، علي خامنئي، على تجاوز هذه الفترة المضطربة.

لقد تجاهل الشعب الإيراني الحدث الانتخابي على نطاق واسع، ولم تشارك فيه سوى أقلية صغيرة تتألف من الموالين للنظام، والباسيج، والحرس الثوري، والقوات المسلحة الأخرى. وبحسب التقارير التي جمعتها شبكة نشطاء منظمة مجاهدي خلق الإيرانية داخل إيران، فإن نسبة المشاركة لم تتجاوز 8.2 بالمئة. ويؤكد هذا الإجراء من المقاطعة واسعة النطاق على خيبة الأمل الكبيرة إزاء العملية الانتخابية، التي ينظر إليها الكثيرون على أنها مجرد استعراض وليس ممارسة ديمقراطية حقيقية. وقد اعترفت المنشورات الحكومية نفسها بأن الأفراد الذين يمثلون ظاهريا الناخبين في هذه العملية، هم في الواقع ممثلون لجزء صغير فقط من المجتمع، الأمر الذي يزيد من تقويض مصداقية الانتخابات.

والجدير بالذكر أن طهران، العاصمة والمدينة المحورية في الديناميكيات السياسية للبلاد، شهدت أدنى نسبة إقبال على التصويت. وكان جزء كبير من بطاقات الاقتراع إما فارغة أو باطلة، مما يشير إلى أنه حتى أولئك الذين شاركوا فعلوا ذلك تحت الإكراه أو الترهيب. وتشير ذروة هذه الملاحظات إلى أزمة شرعية عميقة يواجهها النظام الثيوقراطي، وهي الأزمة التي تعود جذورها إلى الأيام الأولى لحكم الملالي وتعمقت على مر السنين.

کما أعرب خامنئي عن قلقه في اجتماع مع مجلس الخبراء في 7 آذار (مارس)، قائلاً: "ما يمكن أن يدمر حلاوة البرلمان الجديد هو الخطاب المثير للجدل والاختلاف والأعمال العدائية"!

أراد خامنئي، من خلال التحريض على الحرب في المنطقة، إخراج النظام في انتخاباته البرلمانية من المأزق الناجم عن انتفاضات 2022 و2019 و2017. لقد حشد كامل أركان نظامه دون تحفظ لهذا الغرض.

لقد أثبتت أحداث العام الماضي أنَّ اعتقال 30 ألفاً من المنتفضين وإعماء الشباب وقتل 750 شاباً ومراهقاً لم تقلل من الاستعداد الاجتماعي للانتفاضة والإطاحة بالنظام. كل شيء يشير إلى غليان الظروف الموضوعية إلى الإطاحة بكم.

إقرأ أيضاً: الأبطال الخالدون والطغاة الخالدون!

فلذلك السؤال الآن هو ما إذا كان خامنئي، الذي يُنظر إليه على أنه أضعفته النكسة الانتخابية، يمتلك القدرة على معالجة أزمة الحكم المتصاعدة. شهد عام 2022 انتفاضة وطنية استمرت لأشهر عدة. لقد نجح النظام في قمع الاحتجاجات، إلا أن حالة عدم الرضا والمعارضة التي غذتها لا تزال دون معالجة. ومع تدهور الظروف المعيشية يومياً، يخرج خامنئي من الانتخابات ضعيفاً، ويواجه حالة من الفوضى الداخلية والضغوط الخارجية التي تعمل على عزل نظامه على نحو متزايد.

داخلياً، يشهد النظام انقسامات غير مسبوقة. تشير الأحداث الأخيرة، مثل استقالة نائب السلطة القضائية (محمد مصدق) بسبب الكشف عن الفساد والاقتتال الداخلي داخل هيئة الإذاعة والتلفزيون في الدولة، إلى اضطراب داخلي كبير. وعلى الصعيد الخارجي، أصبح النظام معروفاً بأنه السبب الجذري للأزمات المستمرة، وبالتالي عزله بشكل أكبر على الساحة الدولية.

إقرأ أيضاً: نوروز.. نداء الحرية ضد النظام القمعي

وكانت نتائج الانتخابات والاحتفال الوطني بيوم الثلاثاء الأخير من السنة الفارسية (يوم الثلاثاء الأخير من العام، والذي يسمى في الثقافة الإيرانية "جهارشنبه سوري") سبباً في تعزيز إيمان الشعب الإيراني بقوته الجماعية وقدرته على تحدي النظام. وقد تميز مهرجان الثلاثاء الأخير هذا العام بمشاركة واسعة النطاق، خاصة بين الشباب، الذين أصبحوا بشكل متزايد في طليعة جهود المقاومة. واختلطت الشعارات السياسية مع احتفالات النار التقليدية، مما يؤكد تطلع الناس إلى التغيير ومقاومة الظلم.

إنَّ الاحتجاجات المستمرة والتحدي للتدابير القمعية التي يفرضها النظام تؤكد صمود وأمل الشعب الإيراني، الذي، بالرغم من حملات القمع الشديدة، لا يزال ملتزما بسعيه من أجل الحرية والتغيير.

وفي ظل هذه الأجواء المتوترة، لم تقتصر مظاهر المقاومة على الاحتجاجات الشعبية فحسب، بل شملت أيضًا أنشطة محددة نظمتها وحدات المقاومة داخل البلاد. قامت وحدات المقاومة المكونة من الشباب والشابات الملتزمين بالنضال ضد الاستبداد، بأنشطة لإبقاء شعلة المقاومة مشتعلة في كل ركن من أركان إيران، معبرة عن رفضها القاطع لحكم الملالي ودعوتها المستمرة للحرية والعدالة.

إقرأ أيضاً: أطماع خامنئي النووية تُفقر الإيرانيين وتُهدد أمن المنطقة

إنَّ النشاط المتزايد لهذه الوحدات لا يعكس الإبداع والشجاعة في مواجهة الاستبداد فحسب، بل يعكس أيضًا التصميم الراسخ على تحقيق تغيير جذري في البلاد. ومع استمرار الضغوط الداخلية والخارجية، أصبح من الواضح أن النظام الإيراني لا يواجه العديد من التحديات في الحفاظ على قبضته فحسب، بل يواجه أيضاً إرادة شعبية متنامية تسعى بإصرار إلى نسج مستقبله بين يديه.

والآن، على الساحة الدولية، هناك اتجاه متزايد في برلمانات الدول الغربية للدفاع عن شرعية ومشروعية القتال بين وحدات المقاومة والحرس الثوري، ويريدون الاعتراف بنضال الشعب الإيراني لإسقاط هذا النظام.