"إيلاف- المغرب" من مراكش : أمس، الأحد، كان موعد عشاق ومتابعي المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، في دورته الـ17، مع المخرج الأميركي مارتن سكورسيزي ضمن فقرة "محادثة مع .."، ومع المخرجة الفرنسية أنييس فاردا ضمن فقرة "التكريمات"، في وقتٍ واصل فيه الممثل الأميركي روبير دي نيرو حضوره الطاغي لليوم الثاني على التوالي، ناثراً عبق تجربته السينمائية، من خلال برنامج تواصلي، جمعه بالإعلاميين والمهنيين، قبل الانتقال إلى ساحة جامع الفنا، حيث عرض له، في ثالث أمسيات التظاهرة، فيلم "المحصنون" لمخرجه براين دي بالما، والذي يلعب فيه دور البطولة، الشيء الذي أكد قيمة الرجل وتواضعه في آن.

ويستمر&عرض الأفلام المبرمجة في مختلف الفقرات،&ومنها فقرة المسابقة الرسمية. أما على البساط الأحمر للتظاهرة، فقد شهد الجمهور مرور عدد من مشاهير السينما المغربية والعربية والعالمية.

&

&

مخرج كبير
لأنه يبقى واحداً من الوجوه البارزة والرئيسية في السينما العالمية، فإن حضور درسه السينمائي، يبقى من أعز ما يطلب بالنسبة لمن يعشق السينما أو يتطلع إلى تطوير أدائه وإغناء تجربته بتجارب الكبار الذين سبقوه إلى ميدان الفن السابع.

في حديثه بمراكش، استعاد سكورسيزي طفولته وعلاقته بالسينما، متوقفاً عند التحولات التي طالت الفن السابع، مستشرفاً آفاقه المستقبلية في ظل التحولات التقنية الجارية. كما تحدث عن أفلامه باسطاً وجهة نظره حول الإخراج، ذاكراً جانبا من صداقاته وعلاقاته الفنية والإنسانية.

في مراكش، لا يكف سكورسيزي عن توزيع الابتسامة. هو يعشق المغرب ومراكش. هذا ما يحرص على تأكيده كلما زار البلد والمدينة. وهو يقول إن تصوير فيلمين ("الإغراء الأخير للمسيح" و"كاندون") بالمغرب، مكنه من "استحسان روح الشعب المغربي وجمالية ثقافته"، هو الذي ظل يتردد على المغرب منذ 1983، كما صور به فيلما يعتبره قريباً إلى قلبه، هو "الإغراء الأخير للسيد المسيح". ويشدد على أنه يتفاعل بشكل جيد مع بلد رائع وشعب مضياف.

يحتفظ سكورسيزي بعلاقة خاصة مع المغرب، تتلخص، أساساً، في عدد المرات التي شارك فيها في مهرجان مراكش، واختياره تصوير عدد من أفلامه بالمغرب، فضلاً عن العلاقة الجميلة التي ربطته بموسيقى وتجربة مجموعة "ناس الغيوان" الشهيرة.

وسبق أن جرى تكريم سكورسيزي ضمن فعاليات الدورة الخامسة لمهرجان مراكش، كما وشح بوسام "الكفاءة الفكرية" من طرف العاهل المغربي الملك محمد السادس، اعترافاً بجدارته الفكرية.

وعاد سكورسيزي إلى المدينة الحمراء، خلال الدورة السابعة للمهرجان، حيث حضر بساحة جامع الفنا عرض فيلم "الطيار"، مرفوقاً بالنجم العالمي ليوناردو دي كابريو. كما عاد، بمناسبة الدورة العاشرة، إلى المدينة الحمراء، حيث سلم الممثلة الشهيرة كاثرين دونوف نجمة تكريم السينما الفرنسية.

ويعد سكورسيزي أحد أبرز المخرجين، الذين عرفتهم هوليوود، حيث أخرج العديد من الأفلام التي هزت الساحة النقدية، وهو حاصل على العديد من الجوائز، وسبق له أن صور فيلم "الإغراء الأخير للسيد المسيح" (1988) وفيلم "كاندون" (1995)، باستديوهات "الأطلس" بورزازات (جنوب المغرب). ومن بين أهم أعماله، نجد "سائق التاكسي" مع الممثل روبيرت دي نيرو، و"الإغراء الأخير للسيد المسيح" مع الممثل ويليم دافو، و"كازينو" مع شارون ستون، و"عصابات نيويورك" و"الطيار"، مع ليوناردو ديكابريو. كما أنتج عدة أفلام وثائقية. وهو مؤسس ورئيس مؤسسة الفيلم ومؤسسة السينما العالمية، وكلاهما هيئة خيرية تسعى إلى حفظ وحماية الأفلام السينمائية.

&

&

تكريم أنييس فاردا
بعد دي نيرو، كان الموعد في ثالث أمسيات المهرجان مع تكريم المخرجة الفرنسية أنييس فاردا، ذات الحضور المتعدد الإختيارات على المستوى الإبداعي، والتي تتراوح مابين التصوير والإخراج والكتابة الوثائقية والفن التشكيلي.

وتحتفظ المخرجة الفرنسية بعلاقة دافئة مع مراكش، لذلك تقول إنها أحبتها قبل وجود مهرجانها السينمائي الدولي. مشددة على أن إضافة ملتقى السينما تجعلها أكثر سعادة للعودة ولقاء مهنيي وهواة الأفلام، من المغاربة والأجانب.

&

&

"المحصنون" في جامع الفنا
أعطى حضور روبير دي نيرو رونقاً خاصا للحظة عرض فيلم "المحصنون" الذي يلعب فيه دور البطولة، إلى جانب عدد من كبار هوليود، على غرار كيفن كوستنر وتشارلز مارتن سميث وأندي غارسيا وشون كونري.

عاد فيلم "المحصنون" بالجمهور الغفير الذي غصت به الساحة الشهيرة إلى شيكاغو في ثلاثينيات القرن الماضي. كانت المدينة، الخاضعة حينئذ لقرار يقضي بمنع دخول الكحول، مسرحاً لجرائم العنف وسطوة العصابات، والفساد قد بلغ أعلى المستويات الرسمية. وخلف هذا الوضع، كان يقف آل كابوني.

&

&

يرصد الفيلم جهود وزارة الخزانة الأميركية الرامية إلى الإيقاع بآل كابوني بتهمة التملص الضريبي، وهو تكتيك سيتكلل بالنجاح في نهاية المطاف، ولكنه سيكلف غير قليل من الحيل وسفك الدماء.

يمثل دي نيرو، الذي يجسد شخصية آل كابوني، صورة دقيقة عن الرجل الأسطورة، مبدياً ما يلزم من كاريزما مفعمة بالنرجسية لتجسيد الاعتداد بالنفس لرجل ظن نفسه فوق القانون.

في "المحصنون"، يظهر لنا كيف أمكن لدي نيرو، هذا الممثل البارع ومتعدد الأدوار، أن يشكل جسده بسهولة متناهية قبل أن يستعيد شكله السابق، هو يعمل في كل دور يؤديه على تجديد نفسه، والعـزف على آلة أخرى، إن لم يكن يسعى إلى تجسيد الموسيقى، أو بث الروح في الشاشة بشكل مختلف في كل مرة وجعلها وسيلة لرجع الصدى. فالنغمات الرنانة للملحن الإيطالي إنيو موريكوني تنسجم انسجاماً تاماً مع أداء دي نيرو في الفيلم، حيث يعمل من خلال إيماءات جسدية كبيرة وآمرة على توجيه الوسط المحيط به وأحداث الفيلم. ويخال المشاهد نفسه أمام عـرض أوبرالي كبير عندما تقدم وجبة الإفطار لزعيم العصابة في أحد الأسرة التي تشي بالأبهة والعظمة وهو يضع السيكار بين شفتيه. أما ابتسامة الرضا التي ترتسم على وجهه، عندما يفتح الصحيفة ويجد مقالا يسرد وقائع عمليته الأخيرة فتبدو في تآلفها مع سياق الأحداث كأنها اللحن الأخير من مقطوعة موسيقية.

&


&