مراكش: بجذور تغوص في أعماق السودان، وأجنحة ترفرف في عوالم شاسعة، تمكن المخرج الشاب السوداني حجوج كوكا من ترك أثر في نفوس متتبعي فيلمه «أكاشا» الذي تم عرضه الخميس بقاعة «الوزراء» بقصر المؤتمرات، و الذي يشارك في المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة بالمهرجان الدولي للفيلم بمراكش.&

على هامش المهرجان التقت «إيلاف المغرب» بالمخرج كوكا الذي تحدث عن تجربته السينمائية في الإخراج، و عن الدور الذي يمكن أن يلعبه الفن السابع في التخفيف من حدة الحروب و النزاعات التي يعرفها موطنه الأصلي جبال النوبة بالسودان، و عن مشاريعه المستقبلية ومساره المهني.

أول تجربة سينمائية درامية

بمنطقة جبال النوبة بالسودان نشأ كوكا، حيث كانت انطلاقته الأولى خلف الكاميرا من الفيلم الوثائقي، لكنه أثناء عرض الشريط اكتشف أن السوادنيين الذين أنهكتهم الحروب، أصبحوا متعطشين أكثر للبهجة و الفرح.

ولأنه عاد من سنوات الدراسة لأجلهم، كي يساهم بقسط بسيط في تطوير حياتهم البسيطة، جاءت فكرة إنشاء فيلم سينمائي طويل يعكس حياة الناس بجنوب السودان لكن بطريقة ساخرة تتيح للجمهور السوداني فرصة الضحك على واقعهم، و الخروج، ولو لوقت قصير، من ضغط الحرب و أوزارها.

«ان الإنسان بطبعه يبحث دائما عن البهجة حتى في المواقف الصعبة» يقول المخرج كوكا، لذلك فكرت في فيلم خفيف يمكنه أن يخلق الفرح فكان «أكاشا» الذي يحكي عن «عدنان» الجندي في جيش المتمردين، الذي ذهب في إجازة شهرين، لكنه سيفقد سلاحه لدى إحدى عشيقاته من بنات المنطقة وهي «لينا»، ليدخل في سلسلة من المطاردات من قبل عسكريين يتعقبون عودة الجنود الفارين من الجيش، قبل أن يلتقي بصديقه «عبسي» الذي فر بدوره من الإنضمام للجيش، حيث سيعيش الإثنان سلسلة من الأحداث المؤلمة، لكن رغم صعوباتها، إلا أن المخرج لفها في قالب كوميدي جميل، يعكس حياة سكان منطقة جبال النوبة.

&

&

حجوج كوكا

&

تمسك بالجذور

رغم أن كوكا درس السينما بالولايات المتحدة (كاليفورنيا ونيويورك)، خاصة في مجال الإعلانات، إلا أنه بعد عودته سنة 2011، حيث كانت الحرب تضع أوزارها بمنطقته، اكتشف أنه مرتبط بجذوره و لا يمكن أن يترك أهله يتجرعون مآسي الحرب لوحدهم ليقرر الإستقرار ببلده الأم، مؤمنا بما قاله المخرج المكسيكي الكبير غييرمو ديل تورو «فليكن لك جواز سفر لكن حافظ على جذورك»، ثم انتقل بعد ذلك لإنشاء ورشات في المسرح لفائدة شباب بلدته، حتى يبدد جو الملل و الرتابة التي كانوا منغمسين فيها، لينتقل كوكا بعد ذلك إلى الأفلام القصيرة التي كان يعرضها على السكان. ثم جاءت فكرة إنشاء فيلم وثائقي طويل يحكي عن الحرب، سنة 2012، وهو فيلم «على إيقاع الأنتونوف» (2014) الذي عرض لأول مرة في مهرجان تورونتو السينمائي الدولي، وحصد جائزة aq الجمهور، و الذي يحكي عن معاناة سكان منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق مع القصف بطائرات "انتونوف" الروسية الصنع.

لكوكا قناعة راسخة تنبع من جذوره السودانية، هي أنه حتى لو اختار البقاء في أميركا، فإن الأفلام التي سينتهجها لن تزيد هوليود شيئا، وسيبقى مجرد رقم، لكنه بصناعة أفلام ببلده، سيكون قد فسح المجال لكثيرين للتعرف على ثقافته و هويته التي تعد منبع إبداعه السينمائي.

ممثلون من سكان القرية

يقول المخرج السوداني إن الممثلين هم من شباب القرية التي صور فيها فيلم «أكاشا». وقد كانت له الفرصة لمعرفة العديد من الممثلين عن قرب، الذين لفتوا انتباهه بكونهم لهم ميولات فنية، ولديهم طاقات إبداعية كانت بحاجة إلى أن تتحرر، وهو ما دفعه لأن يختار أبطال فيلمه من شباب وسكان القرية التي صور فيها العمل.

وعن بعض مظاهر التحرر التي حاول الفيلم إبرازها، من خلال العلاقات العاطفية التي تجمع فتيات القرية بشبابها، و اللباس المكشوف لبعضهن، يقول المخرج إن المنطقة تجمع بين الهوية العربية الإسلامية و بين الهوية الإفريقية، وهذا ما أراد أن يبرزه، من خلال بعض المشاهد التي لم تستثن حتى الموسيقى التي أبرزت بشكل ملحوظ الثقافة و الهوية الإفريقية.

&

&

&

«كلما عاش المخرج في أماكن صعبة و عاش تجارب إنسانية غنية، يمكنه أن ينجز عملا مبهرا» يؤكد كوكا، ويفضل هذا المخرج أن يشاهد أفلامه وسط القرى المنسية و المهمشة بالسودان، و يكون شاهدا على تلك السعادة التي يستشعرها في عيون الناس، بدل أن يعيش النجاح بعيدا عن منطقته الأصلية.

مسألة الهوية

قضية الهوية تعد من القضايا ذات الأولوية التي لن يتخلى عنها المخرج كوكا في جل الأعمال السينمائية التي يطمح لإنجازها. وفي هذا الصدد يقول «لدينا أزيد من 100 لهجة سودانية تختلف حسب المناطق، إلا أن اللغة الموحدة هي العربية «السودانية».

ويضيف المخرج كوكا أن من بين المواضيع الأخرى التي تثير اهتمامه «هي إبراز البشرة السوداء وجمالها»، وهي أمور لن يتخلى عنها كوكا في كل أعماله المقبلة.

أسئلة كثيرة تؤرق المخرج من قبيل «ماذا نريد نحن كسودانيين، في ظل الأوضاع الصعبة التي نعيشها كأفراد، سواء من الجانب الإقتصادي أو السياسي أو من خلال التضييق على الحريات و عدم الإهتمام بالثقافة و الفنون.. ؟»، كلها مواضيع يحلم كوكا أن يتناولها في مشاريعه المستقبلية. ثم هناك «الحكمة التي يمتلكها المسنون» و التي يقول عنها كوكا إنه ينبغي الإلتفاتة لها، لأنها مخزون ثقافي و فلسفي مهم يمكن استثماره سينمائيا، من خلال تسليط الضوء عليه و إعادة الإعتبار لمن يملكون هذا السلاح الذي يمكنه أن يلعب أدوارا مهمة في مستقبل السودان.

&

&

مرآة المجتمع

يؤكد كوكا أن السينما هي مرآة للمجتمع، و أنه كفنان ليس من واجبه أن يعطي إجابات لعدد من القضايا الشائكة و المعقدة ببلده، لكن كل ما يمكن أن يفعله هو لفت الإنتباه، وهو ما جعله يبرز مشهدا يصور أكل عدد من سكان المنطقة للحم الخنزير، في فيلم «أكاشا»، معتبرا أن ذلك حقيقة موجودة، و ليس من حق أحد أن يقول للناس أن إسلامكم خاطئ، لأن المسؤولين لم يمنحوا هؤلاء السكان إلا القصف و الدمار، حيث يعيشون ظروفا صعبة، لا كهرباء و لا ماء و لا تعليم و لا صحة.

وبشأن المشاكل والصعوبات التي واجهته أثناء تصوير فيلمه «أكاشا» يقول المخرج «نعم واجهتنا مشاكل كبيرة، بسبب ظروف الحرب، وضعف البنيات التحتية كالطرق و غياب الكهرباء، لكن مع ذلك فقد تخللت لحظات التصوير مواقف مضحكة، بسبب هؤلاء الشباب الباحثين عن الذهب، و الذي اعتقدوا و آمنوا بأننا جئنا بحثا عن الذهب، للشبه الموجود بين أجهزة الصوت التي نستعملها وتلك التي يحملها الباحثون عن الذهب، كما أننا تعبنا لنفسر لهم ما نفعله».

وعن دور السينما في التخفيف من الحروب و العنف، يقول كوكا «مشكلتنا أننا لا نعرف بعضنا البعض، وكلما تعرف الإنسان على الآخر، لم يعد بالنسبة له «آخر»، وهذا هو الدور الذي يمكنه أن تلعبه السينما.
«السينما تقرب ما بين الشعوب وتجعلهم يستمعون لبعضهم البعض، و بالتالي لا يمكن أن يحاربوا بعضهم البعض».