"إيلاف" من القاهرة: تمرّ اليوم الذكرى المئوية لميلاد الفنانة الراحلة ليلى مراد التي من كانت أوائل نجمات السينما المصرية في أربعينات القرن الماضي والتي فضلت الإعتزال مبكراً بعدما حفرت اسمها بأحرفٍ من نور في بطولات الشاشة الكبيرة.
وتلقي "إيلاف" الضوء على جزءٍ من مسيرتها، عبر مجموعة حكايات نشرها الكاتب أشرف غريب في كتابه "الوثائق السرية ليلى مراد" والذي صدر في العام الماضي وتضمن الكثير من المعلومات عنها.
ويقول "غريب" في كتابه إن قصة إسلام ليلى مراد نفسها تحمل الكثير من التفاصيل المثيرة خصوصاً بعد أن زاد الحديث فيها بالسنوات الأخيرة من حياتها وبعد مماتها أيضا.


ولقد عرض الكتاب نص وثيقة إشهار إسلامها والذي جاء فيه: 
"بمحكمة مصر الابتدائية الشرعية فى يوم الأربعاء 4 صفر سنة 1367، الموافق 27 ديسمبر 1947 لدى أنا عبدالرازق البحيرى رئيس قلم الموثقين والإشهارات المحال على سماع وضبط الآتى فى حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ حسن مأمون، رئيس المحكمة، حضرت الست ليلى مراد بنت زكى مراد المقيمة بالمنزل 26 شارع شريف باشا ـ عمارة الإيموبيليا، وبعد تعريفها شرعا بشهادة كل من حضرة الأستاذ محمود أفندي أحمد سكرتير دار الإفتاء، والأستاذ أحمد حسن المحرر بجريدة البلاغ، وأخبرت بأنها كانت يهودية إسرائيلية، واعتنقت الدين الإسلامى من مدة طويلة، ونطقت بالشهادتين قائلة: أشهد أن لا إله إلا الله وأن سيدنا محمدا رسول الله وأن موسى عبدالله ورسوله، وبرئت من كل دين يخالف دين الإسلام، وقد أشهدت على نفسها اليوم بأنها أسلمت لله سبحانه وتعالى، ونطقت بالشهادتين بالصيغة المشروعة، وقد اختارت لنفسها من الأسماء اسمها الحالى، وهو ليلى مراد، وذلك بعد أن أخطرت المحافظة بتاريخ 8/ 12 / 1947 ـ 641 ـ ولم يرد الرد، فصدر هذا بحق وشهادة الشاهدين المذكورين وحددت هذه الصورة طبق أصلها من المقيد 7 تابع جزء سادس قدم سنة 1947 تخص السيدة ليلى مراد المشهدة المذكورة المقيد طلبها 89 صور سنة 1949 بعد موافقة وزارة العدل على إعطائها هذه الصورة بكتابها رقم 3705 المؤرخ 25 / 7 / 1949 فى 31 / 7 / 1949".


ورصد الكاتب عدة ملاحظات لاحقت نص الوثيقة الرسمية التي أشهرت بها "مراد" إسلامها في نهاية سنة 1947. حيث لوحِظ أن الإعلان الرسمي عن إسلامها قد ظهر في بيان المحكمة الشرعية بعد مدةٍ طويلة منذ تحولها الفعلي إلى الإسلام ونطقها بالشهادتين على يد فضيلة الشيخ محمود أبو العيون.
وعلى الرغم من أن الوثيقة لم تحدد هذه المدة فإن بعض المصادر، ذهبت إلى أنها أربع سنوات قبل ذلك التاريخ، وهو ما يستبعده الكاتب، لأن ذلك معناه أنها أسلمت سنة 1943. والثابت أنها أسلمت بعد زواجها من الفنان أنور وجدي بتاريخ 15 يوليو 1945 وفق وثيقة زواجهما، وليس قبله. وهو القران الذي تم الإعلان عنه فى آخر يوم تصوير من فيلم "ليلى بنت الفقراء" بعد يومين من عقده، وبالتحديد في 17 من يوليو سنة 1945. ما يعني أن إسلامها قد تم في حدود سنة 1946، وبعد وفاة والدها المطرب زكي مراد في العام نفسه. حيث أنها لم تشأ إعلان تحولها إلى دين الإسلام، وهو على قيد الحياة احتراماً له. وهو السبب الذي أدّى لتوثيق إسلامها فى المحكمة الشرعية بعد عامٍ أو أكثر من تحولها الفعلي.



ويُرجع الكاتب تأخرها في إشهار اسلامها رسمياً وتوثيقه إلى انشغالها كثيراً بالغناء والتمثيل بين عامي 1946 و1947 حيث قدمت فى تلك الفترة ستة أفلام، وكانت تعتبر هذه الخطوة من الأمور الشكلية. خاصةً أنه لم يترتب عليها أي تغييرات جوهرية فى حياتها. فاسمها بقي كما هو دون تبديل، وهي كانت زوجة لرجلٍ مسلم، ولم يكن لديها أولاد يستدعي الأمر تغيير وضعهم القانوني أو تخاف عليهم من تعقد الأمور فى حالة الميراث إذا حدث لها أي مكروه. الأمر الذي جعلها تعتبر تلك الأمور شكلية على ما يبدو، ودفعها للإكتفاء بإسلامها الفعلي حتى تفرغ من مشاغلها، لتقرر فيما بعد إشهاره رسمياً.

وينقل الكتاب في تفاصيله عن المخرج الراحل حسن الصيفي الذي كان وثيق الصلة بـ"ليلى وأنور" أن الوسط الفني كله كان يعلم بإسلامها قبل أشهر من نشر الخبر بالصحف رسمياً. كما يشير إلى أن الصحفي أحمد حسن المحرر بجريدة البلاغ، كان الشخص الوحيد الذى اصطحبته معها إلى المحكمة الشرعية ليكون حاضراً لحظة نطقها بالشهادتين، أما الشاهد الآخر، فكان سكرتير دار الإفتاء الأستاذ محمود أفندي أحمد، ورغم ذلك لم تنفرد جريدة البلاغ بإعلان خبر إسلامها.


ويرجع المؤلف غياب أنور وجدي عن مناسبة إشهار إسلامها إلى رغبتها في أن يكون خالياً من شائبة تأثرها بزوجها أو خضوعها لأوامره أو رغبةً في إرضائه- بحسب ما نُقِلَ من تصريح المخرج حسن الصيفي، فيما يؤكد الكتاب أنه غاب لأن "مراد" كانت يهودية اسرائيلية. الأمر الذي كان سيوحي للبعض بأنها تحمل الجنسية الإسرائيلية. خصوصا أن لفظ "إسرائيلية" تكرر قبل ذلك فى وثيقة زواجها بأنور وجدي. إلا أنه غير صحيح لأن كلمة "إسرائيلي" كانت تُطلق فى المؤسسات الدينية والرسمية في ذلك الوقت على أى يهودي نسبةً إلى بني إسرائيل ولم تكن دولة اسرائيل قد ظهرت بعد.

والجدير ذكره، أن عائلة هذه الفنانة الكبيرة قد انقسمت إلى فرعين بعد الإعلان عن قيام دولة اسرائيل. فقد سافر بعضهم إليها ولم يعترفوا باسلام "مراد"، وبذلوا محاولات مضنية للتواصل معها ودعوتها للهجرة إلى هناك والإنخراط فى الطقوس اليهودية، لكنهم وباعترافهم لم يلقوا إلا الصد من جانبها لكونها كانت تعتز بإسلامها وجنسيتها المصرية- بحسب ما ورد في الكتاب. فيما اقتنع آخرون بموقفها وأشهروا إسلامهم تباعاً واستمروا في الإقامة بمصر. ومنهم شقيقها موريس مراد الذي حول اسمه بعد اسلامه إلى منير، وظل في مصر حتى وفاته في العام 1981. بالإضافة إلى شقيقتها سميحة التي عاشت متنقلة بين مصر والولايات المتحدة، وشقيقها ابراهيم الذي عمل بالإنتاج السينمائي.
ملاحظة: في الجزء الثاني الذي سينشَر غداً، سنتابع المزيد من التفاصيل حول علاقة "مراد بـ وجدي"، وطريقة إيلاغه برغبتها في اعتناق دين الإسلام.