"إيلاف" من القاهرة: تُسلِّط "ايلاف" الضوء على مواقف سياسية في حياة المطربة الراحلة "أم كلثوم"&لمناسبة الذكرى الـ44 لرحيلها. علماً أنها&أثرت الحياة الفنية بصوتها العذب، وأصبحت إحدى أيقونات الغناء في العالم العربي من المحيط إلى الخليج.

في الحلقة الثالثة، نتناول أولى الأزمات التي تعرّضت لها مع مجلس قيادة الثورة بعد الإطاحة بالملك وكيف مُنِعَت أغانيها من الإذاعة.

الحلقة الأولى & الحلقة الثانية


الثورة والغناء
كانت المعارك التي خاضتها أم كلثوم بعد يوم 23 يوليو عام 1952 الإعلان الرسمي عن قيام ثورة يوليو وظهور الضباط الأحرار من أعنف معاركها السياسية الحقيقية. لأنها كانت بحق دفاعاً عن حياتها&وتاريخها الفني الطويل. فقد نجحت في&هذه المعركة&بفضل حسها السياسي المعروف وقربها من رموز الحكم في مصر&آنذاك. واستطاعت&استشعار ملامح المستقبل، فبادرت بإعلان ولائها وتأييدها لحركة الجيش ضد الملك فاروق، وأرادت من وراء هذه الخطوة تأجيل الصراع أو تخفيف حدة نتائجه، وربما استراح بالها بعض الوقت حين عرفت من مصادرها أن أغلب الذين قادوا حركة الجيش وفجروا الثورة هم من الضباط الذين حضروا لفيلتها في الزمالك عام 1948 لتقديم واجب الشكر على موقفها الوطني تجاههم حين كان أغلبهم محاصراً في أثناء الحرب بفلسطين.

وترجع تفاصيل علاقة أم كلثوم بالضباط الأحرار كما يسردها الراحل مصطفى أمين إلى أن الفريق محمد حيدر باشا أبلغه أن ضباط الفالوجا المحاصرين بعثوا إليه برسالة لاسلكية غريبة من موقع الحصار، أما مضمون الرسالة التي وجهها هولاء الضباط إلى حيدر باشا شخصياً فتضمنت طلباً مقدماً منهم بأن تغني أم كلثوم في حفلتها التي ستُذاع بعد أيام أغنية "غلبت اصالح في روحي" وطلب حيدر باشا من مصطفى أمين أن يخبر أم كلثوم بتلك الرغبة وهي الرسالة التي استجابت لها أم كلثوم وعدلت في برنامجها حفلها الذي كان يتبقى عليه أيام قليلة ولم تكن الأغنية مدرجة فيه.

وبعد عودة الكتيبة طلب الضباط العائدون من الحصار بمن فيهم القائم مقام السيد طه قائد الكتيبة السادسة مشاه، وأركان حرب هذه الكتيبة جمال عبد الناصر وبقية الزملاء مقابلة ام كلثوم في فيلتها بالزمالك. وكان مصطفى أمين هو المدني الوحيد الذي سمح له بحضور اللقاء الخاص، وقال الضباط لكوكب الشرق أن صوتها في هذه الازمة والذي وصلهم عبر اثير موجات الراديو كان الشيء الوحيد الذي ربطهم بمصر بعدما انقطعت كل سبل الاتصال بينهم وبين هذا البلد الحبيب.

وبالعودة إلى إعلان أم كلثوم ولائها لمجلس قيادة الثورة، فإن كوكب الشرق قطعت إجازتها الصيفية التي كانت تقضيها في مصيف رأس البر، لإعلان تأييدها للضباط وزيارة مجلس قيادة الثورة بشكلٍ مفاجِئ، لكن هذه الخطوة لم تشفع لها لدى بعض الضباط من أجل استثناءها من هذه الإجراءات الصارمة التي قرروا تطبيقها ضد كل ما هو بائد وباق من عصر الملكية، وكانت بداية ساخنة لمعركة سياسية وصلت لحد تهديدها بالإجبار على اعتزال الفن ومعاقبتها سياسياً على مواقفها الفنية السابقة في عصر الملكية، حيث قرر الضباط منع أغاني أم كلثوم وعدم إذاعتها رغم أنهم- وعلى حد قول بعض الرواة- أنهم سيسمحون بإذاعة مقاطع من أغنيتها "مصر تتحدث عن نفسها"، مع إذاعة كل بيان للثورة.

وعندما وصل خبر المنع إلى أم كلثوم أصيبت بصدمة كبيرة. وشعرت بأن الخطر قادم فبادرت بالاتصال بالراحل مصطفى امين كي ينقل ما حدث إلى رئيس مجلس قيادة الثورة جمال عبد الناصر، حيث كان يرى الضباط فيها مطربة للعهد البائد لكونها غنت للملك "حبيبي يسعد أوقاته" وهو ما جعل بعض الضباط يقنعون عبد الناصر بضرورة التعامل بحزم معها فكانت ليلى مراد هي مطربة قطار الثورة الأول وغنت في أولى أعيادها.

إلا أن محمد حسنين هيكل ومصطفى أمين، تدخلا لإيصال بعض المفاهيم التي ربما غابت عن اتخاذ قرار منع أغنيات أم كلثوم، فاتصل عبدالناصر بعد لقائه معهما&بمدير الإذاعة لإعادة الروح لأغنيات أم كلثوم، ثم تدخل لاحقاً لمنحها 40 جنيه حقها عن الأداء العلني من الإذاعة عن إذاعة قصيدة "مصر التي في خاطري وفي دمي".