"إيلاف" من دبي: د. بروين حبيب&شاعرة وإعلامية خليجية، تواكب "الجدل التويتري" الأخير حول قضايا المرأة الذي شهد تفاعلاً كبيراً في الدول الخليجية وخاصة الإمارات، وأعاد الجميع إلى المربع الأول في النقاش حول حقوق المرأة العربية وسبل تحررها، وتفوقها في ميادين العمل اضافة لكونها ربة منزل.&"إيلاف" حاورتها باعتبارها إحدى أيقونات الحوار الثقافي على المستويين العربي والخليجي في السنوات الأخيرة.

*هل تعتقدين أن حالات جدل مواقع التواصل الاجتماعي مسألة حيوية للمجتمع بدرجة ما ؟
- المقولة التي فتحت سجالا " تويتريا " ملفتاً بالنسبة لي في الفترة الأخيرة، والتي ورد في جزء منها أنه :" ... لا يتحقق الإستقرار الأسري إلا بوجود أسرة متعلّمة تتشارك في حمل المسؤولية، منطق تحقيق الإستقرار الأسري بترك العمل تخلف، فهناك الكثيرات ممن جلسن في البيت و أسرهن مفككة .." تستحق التحليل، إذ سريعا ما سال لعاب من تعوّد أن يصطاد في الماء العكر، قصّ و لصّق و لفّق وخرج بمعطيات مختلفة تماما عمّا قيل. تأتي الردود متنوعة بين هجومي، و توفيقي و تصحيحي و تأكيدي و غيرها ، كرد إحدى الصديقات " ...الأمن الأسري مهمة وطنية قصوى، لا نطالب بأن تترك المرأة العمل، ولسنا ضد التوازن، لكننا نتطلع إلى توازن يحقق الأمن الأسري و لا يعبث به."

*هل تشعرين بالظل الثقيل للمجتمع الذكوري رغم كل ما يقال عن احترامنا للمرأة؟
-&
على الأرجح نعم، ثمة شيء أخافني، و هو أن أي تعبير للمرأة عن أمور تخص مكانتها الحقيقية في الأوطان العربية هناك جيش معادٍ له، و حاضر في كل الأوقات لمحاصرتها، و تشويهها، قبل إخمادها، أي صوت نسائي يرتفع من مركز مسؤولية، يُشعِر الذكور دائما بخطر ما، و أتساءل لماذا و ما السبب الحقيقي وراءه؟ إن كانت المرأة إلى يومنا هذا تحب أباها وأخاها وأبناءها الذكور أكثر من نفسها، فما المخيف في أن تخرج المرأة للعمل و ترد لوطنها وأهلها القليل القليل مما قدموه لها من تعليم و تدريب؟ وإن كانت المدارس والجامعات أوجدت فقط لتخريج&زوجات المستقبل؟ فلماذا لا نقبع في بيوتنا وتعلّم أصول الطبخ والنفخ الإهتمام بالأطفال من أمهاتنا وانتهى الأمر؟ هذا إن رضيت أمهاتنا بذلك..!

*إين تجدين التناقض في علاقة الرجل بالمرأة ؟
-&
إن كانت المرأة يجب أن تكون نسخة متكررة عن والدتها، فيما الرّجل يقطع في تطوره مسافات بعيدة عن صورة والده، و يرفع صوته عاليا " لن أعيش في جلباب أبي " فكيف سنجمع &بين الإثنين و نؤسس لمجتمع يواكب تطور الزمن؟ عن أي رؤية مستقبلية نتحدث، إن كان التدخل اليوم في حرية خيارات المرأة يربك " أبناء النساء اللواتي أفنين أعمارهن في خدمتهن"؟ هل يمكننا بهذا الخطاب المعادي للمرأة، أن نبني مجتمعات متكاملة، أم أن أقصى طموحاتنا اليوم هو &العودة &لفترة "الحريم" ؟
لم أر في المقولتين السابقتي الذكر أي شيء يهدد قيمنا، فما المزعج في أن تعمل المرأة &وتترك بمحض إرادتها حين تشعر هي بذلك، دون تَدخُّل فوقي و خارجي ؟

*ربما يكون لمعادلة الثراء والفقر تأثير في محفزات ومنفرات عمل المرأة؟!
-&ما المانع من أن تستثمر المرأة ما تعلّمته في مجال تخصصها مثلها مثل أخيها الرجل؟ &أطرح هذه الأسئلة وأنا أعرف أن طبيعة كل مجتمع في عالمنا العربي مختلفة عن الآخر، فأنا أعرف نساء كثيرات يتمنين لو أن أزواجهن متمكّنون ماديا ليتفرغن لأولادهن، كما أعرف نساء جرّهن الفقر والعوز للعمل غصباً عنهن، بعد أن عشن مدللات في كنف آباء و أزواج جيدين، لكن ظروفا قاهرة كالموت والمرض والإفلاس غيرت خارطة أفكارهن و قناعاتهن وخياراتهن، فخرجن للعمل في عمرٍ متأخر، عانين فيه كل أشكل العنصرية لأنهن نساء...!

&

&

*ما الإنطباع الذي استقر في عقلك بعد قراءة التعليقات على هذه القضية الجدلية ؟
-&الردود التي قرأتها خلال متابعتي للآراء المطروحة، جعلتني أشعر أن الخطاب النسائي غير فاعل بما يكفي، وأن هذه المراحل التي قطعناها بظهور مفكرات في علم الإجتماع والفلسفة وتاريخ الشعوب&باتت من الماضي، وأن النهضة التي حققتها النّساء منذ مطلع القرن العشرين، أو لنقل منذ هدى شعراوي إلى فاطمة المرنيسي، قد تكون نهضة وهمية، ما دامت لم تلامس صميم فكر الإنسان العربي. و هذا يعني أن السجال حين يُفتح مجدّدًا حول أهمية "تعليم المرأة، و منحها فرصة لإثبات حضورها في المجتمع" فلا بد منه. إذ يبدو جلياً أن أي توقف عن استمراريته، يكرِّس لقطيعة جديدة بين الجنسين في مجتمعاتنا، ثم سرعان ما تتحول تلك القطيعة إلى عدائية لا مفهومة، يتزعمها في الغالب دعاة الخط الديني الذي يحتمي بتراثه القديم ولا يريد الخروج منه، رغم أن الإنسان و ظروفه وأساليب عيشه وتعاطيه مع العالم كلها حقائق ابتعدت زمنيا عمّا عاشه إبن هذه المنطقة منذ مئات السنين. لعلّ هذا النكز الذكوري المتعمّد هو الذي يجعل النساء في الشرق يلجأن إلى قول نصف الحقيقة، وإخفاء النّصف الآخر لإمتصاص غضب غالبية الرّجال.

*هل تعتقدين أن بعض نشطاء السوشيال ميديا لا يستحقون فرصة للرد على النخبة؟
-&
نحن اليوم نعيش ظاهرة جديدة، منحت للجاهل والعارف فرصة مخاطبة النخبة بكبسة زر بشكل متساوٍ، و قد بلغنا هذه المرحلة، قبل أن تؤتي ثورة التعليم ثمارها، إذ لا يكفي أن ننجب جيلاً واحداً متعلّما أو جيلين لتنتهي أُمّيَّتُنا إلى الأبد..! فما طمحت إليه أمهاتنا عند تعليمنا كان أكبر من تعلم القراءة و الكتابة. كن يدركن بغرائزهن الذكية أن ذلك لا يكفي، وهنّ من دفعن بنا لتحقيق نجاحات أكبر من الحصول على وظيفة، لقد أردن أن نكون مستقلاّت، لإدراكهن أن الإستقلال المادي هو الوحيد الذي يضمن استمرار حريتنا، و إن خالفني أحدهم و قال أن المال ليس بعصب الحياة فقد أخطأ، فوحدها المرأة تعرف إنتكاسة الذل المادي حين تفاجئها الأقدار بمصيبة غير متوقعة، حينها يخرج الأشرار كما في الأساطير القديمة ليزجّوا بالسندريلا إلى المطبخ، و الباحة الخلفية للبيت، فيما يلهون و يمرحون على هواهم.

*وما الوجه الآخر لقضية عمل المرأة بعيداً عن الجدل الإجتماعي؟
إنها قضية كرامة إنسانية، واحترام للآخر من منطلق أن المرأة مواطنة حرة مثلها مثل أي مواطن في البلد. ووفق النصوص التشريعية التي ضمنت لها حقوقها كاملة، لا يمكن لخطاب مبني على التمييز الجندري أن يمارس عليها ضغطا يدخلها لقفص الإتهام، لتجد نفسها في موضع من يدافع عن نفسه بدل أن تتقدم بمشروعها التوعوي نحو الأمام.

أحاول أن أتخيل وفق هذا الطّرح صدمة أمي و خيبتها مثلاً إن أخبرتها أني سأتوقف عن العمل.&هي التي كانت دوما مدرستي ومعلمتي و صديقتي وعرابتي الروحية. ما حجم خيبتها إن وقفت في وجهها وقلت لها: "شكرا لك على ما قدمته لي لكني سأتوقف هنا. &كيف سأشرح لها استخفافي بتضحياتها وسهر الليالي وقلقها علينا وقد دربتني كيف أكون أماً ثانية لأخوتي؟ أقيس على نفسي وأتساءل ماذا يعرف المنظرون عن حياة كل امرأة عاشت تجربة مختلفة، وهي ما هيأها ووضعها في مكانها الصحيح". وما أقوله هنا&لم يكن ارتجالاً بل مختصر تجربة.

*ما المحصلة بعد هذا الاستغراق الكبير في تفاصيل تلك القضية؟
-&إن ما استخلصته من خلال ما تم طرحه، لم يكن فيه أي استفزاز بقدر ما كان رؤية لإحتضان المكاسب. وأعتقد أن جلسة قراءة بسيطة لتاريخ مجتمعاتنا سواء و هي رازحة تحت نير الجهل، أو تحت الوصاية الإستعمارية الغربية سيوقظ الأذهان النائمة وينبهها للنعيم الذي نعيش فيه بسبب تحقيق التوازن الثقافي والفكري بين أبنائنا دون تمييز بين النساء والرجال.&وأن النهضة التي نعيشها اليوم خاصةً في &أغلب الخليج قوامها التعليم للجنسين، والوعي الذي تحقق بسبب الإنفتاح على العالم لا بالإنغلاق في وجهه. إنّها نعمة لا يدركها إلا من يعيش في ظروفٍ حالكة، تلك الظروف التي عاشتها أمهاتنا ولا يردنها أن تتكرر مع بناتهن، ولا مع بنات جنسهن على مدى الأزمنة.