هل الدهن شر مستطير يتحمل المسؤولية عن استدراجنا الى موت مبكر بمذاقه اللذيذ؟ أم انه ضحية سوء فهم ويستحق رد اعتبار باعادته ظافرًا الى مائدتنا؟ مع تصاعد الحملة ضد السكر في الفترة الأخيرة ترتفع اصوات متزايدة محاولة تبرئة الدهن من الاتهامات الموجهة اليه.


عبدالإله مجيد من لندن: كان الدهن يُعد منذ عقود عدو الشعب رقم 1، وتُستخدم يافطة "قليل الدسم" لاقناعنا بأن كل ما يحمل هذه الصفة غذاء صحي.

ولكن "قليل الدسم" يمكن ان يعني الخضروات أو مناورة تسويقية ذكية يقول اصحابها، "ازلنا كل الدهون من المنتوج ثم حشوناه بالسكر".

السكر مكان الدهن

تقول سوزان جيب، استاذة التغذية في جامعة اوكسفورد، انه لدى ازالة الدهن من المنتجات الغذائية وخاصة الجافة مثل الكعك أو البسكويت فإن شيئًا آخر يجب ان يحل محله، وهذا الشيء يكون عادة السكر، مشيرة الى ان السعرات الحرارية في هذه المواد وفي النسخة قليلة الدسم منها تكاد ان تكون متساوية في الحالتين.
&
واضافت البروفيسورة جيب أن انواعًا كثيرة من لبن الزبادي مليئة بالسكر، وان هذا ما يزعجها كثيرًا في لبن الزبادي.

ونقلت بي بي سي عن البروفيسورة جيب أن هناك انواعًا من لبن الزبادي قليلة الدسم وقليلة السكر في آن واحد، ولكن عليها أن تضيف قطعة من الفاكهة ليكون مذاقه مستساغًا.

تبسيط

هناك من يقول ان علينا الاكثار من تناول الأغذية الدسمة.

وذهب البعض الى أن الرسالة الداعية الى خفض تناول الدهون بكل انواعها لدى الحديث عن الدهون المشبعة في الأغذية المصنعة رسالة تتسم بالتبسيط.

آخرون ذهبوا الى ان تفضيل الكاربوهيدرات في نظامنا الغذائي لا سيما الخبز الأبيض والمعكرونة البيضاء على الدهون يدمر هورموناتنا، وبذلك زيادة خطر اصابتنا بمرض السكري من النوع الثاني ويزيد وزننا بصورة غير صحية.

ما يتفق عليه العلماء اننا جميعًا نحتاج الى الدهن في نظامنا الغذائي، فهو يحوي حوامض دهنية ضرورية ومهمة لهضم فيتنامينات محلولة فيه مثل أي ودي وإي.

تساؤلات حول الكمية

ولكن السؤال الذي كان دائما يُثار هو كم من الدهون ينبغي ان نتناول؟ والاجابة عن هذا السؤال هي دائمًا نظام غذائي قليل الدسم.&

وتنصح منظمة الصحة العالمية بأن يكون الدهن مصدر 30 الى 35 في المئة من سعراتنا الحرارية، مشيرة الى "عدم وجود دليل مرجَّح أو مقنع" على ان الكمية الاجمالية للدهون في نظامنا الغذائي تغيّر خطر الاصابة بالسرطان أو امراض القلب والأوعية الدموية.& لذا تتعلق المسألة الأساسية هنا بحجم الدور الذي يقوم به اجمالي كمية الدهون في زيادة الوزن.

زيادة الوزن

الأمر الذي لا شك فيه ان الدهن يحوي سعرات حرارية.& فإن غرامًا منه يعادل نحو 9 سعرات أو ضعف ما تحويه الكاربوهيدرات أو البروتين، وهو 4 سعرات للغرام الواحد.

ويؤدي الاكثار من الدهن مثله مثل الاكثار من أي شيء الى زيادة الوزن ومن السهل جدًا الافراط في تناول اغذية غنية بالسعرات.

وقالت الدكتورة لي هوبر من جامعة ايست انغليا البريطانية لبي بي سي، "إن هناك ادلة قوية جدا على ان خفض اجمالي ما تتناوله من دهون يحدث انخفاضًا صغيرًا في الوزن ولكنه ليس انخفاضًا كبيرًا.

وقامت هوبر بتحليل نتائج 32 اختبارًا منفصلاً شمل 54 الف شخص.

واظهرت النتائج ان الأشخاص الذين خفضوا السعرات التي يتناولونها من الدهون بنسبة 5 الى 10 في المئة انخفض وزنهم نحو 2 كلغم خلال فترة الاختبار.

ولكن الدكتورة هوبر ليست مقتنعة بأن سبب انخفاض الوزن هو الابتعاد عن الدهن، بل نتيجة تفكير الأشخاص في ما يأكلون وتفادي لحوم البرغر والوجبات الجاهزة وغيرها من الأغذية المصنعة.

وقالت ان هؤلاء الأشخاص سيتمكنون من خفض وزنهم بالقدر نفسه إذا قللوا من تناول السكر.&

الكاربوهيدرات

السؤال الآن عن النتيجة إذا كان الهدف تقليل الكاربوهيدرات.

درس اطباء في كلية هارفرد للصحة العامة في الولايات المتحدة نتائج 53 تجربة لتخفيض الوزن شملت 68128 شخصًا.

واظهرت النتائج التي نُشرت في مجلة لانست الطبية المعروفة أن النظام الغذائي قليل الدسم والنظام الغذائي قليل الكاربوهيدرات أديا على السواء الى انخفاض محسوس في الوزن. ولكن الذين كانوا يتناولون كمية اكبر نسبيًا من الدهون سجلوا انخفاضًا في الوزن يزيد قليلاً على انخفاض وزن الآخرين.

وقالت الدكتورة ديردري توبياس، رئيسة الفريق الذي اجرى الدراسة، في مقابلة مع بي بي سي، "إن الدهن نال سمعة سيئة لأن هناك تفكيرًا يرى ان الدهن يعني البدانة، واعتقد ان ما توصلنا اليه من أدلة يدحض هذا التفكير".

ولكن الدكتورة توبياس لا تعني بذلك ان الكاربوهيدرات هي المسؤولة، بل ان النظام الغذائي الأمثل هو النظام الذي يستطيع المرء الالتزام به، حيث يجد البعض ان من الأسهل التوقف عن تناول الخبز الأبيض والمعكرونة، فيما يجد آخرون انهم لا يستطيعون الاستغناء عنهما في غذائهم.

ولكن الدكتورة توبياس حذرت من ان التركيز على الابتعاد عن الدهن يهدد بالحرمان من اغذية دهنية مفيدة صحيًا، مثل المكسرات والأسماك الدهنية وزيت الزيتون.

واظهر التقليل من تناول الكاربوهيدرات ايضًا بعض& الفائدة في المصابين بمرض السكري من النوع الثاني، على الأقل لفترة قصيرة من الوقت.

فإن هضم الكاربوهيدرات المصفاة يرفع بسرعة مستوى السكر في الدم، وهذا بدوره يزيد افراز هورمون الانسولين.

ويواجه المصابون بمرض السكري من النوع الثاني صعوبة في السيطرة على مستوى السكر في دمهم، وبالتالي فإن منع ارتفاع مستواه يمكن ان يساعدهم نظريًا رغم أن دراسات اظهرت ان فائدة التقليل من الكاربوهيدرات لم تستمر على المدى البعيد.

التركيز على النوع لا على الكمية

وخلصت الدكتورة هوبر من وجهات النظر هذه الى القول "اننا لا نحتاج الى التقليل من تناول الأغذية الدسمة، ولكننا نحتاج الى التفكير في نوع الدهن الذي نتناوله".& وبالتالي فإن الافراط في تناول الأغذية الدسمة ضار مثل الاكثار من تناول السكر أو الكاربوهيدرات المصفاة.&

وقالت البروفيسورة جيب، "في الواقع إن التغذية تأتي وتذهب في موجات. إذ شهدنا حملة ضد الدهون، والآن نشهد حملة ضد السكر". ولكن ما يقلقها هو ان تُعزى كل المشاكل الصحية الى الدهن أو كلها الى السكر. لذا يجب التوقف للتفكير في كمية ما نتناوله من هذا وذاك على السواء.