يطمح رجل الأعمال محمد بن الشيخ الذي يملك كروما شاسعة في ولاية نابل (شمال شرق تونس) الى وضع أسس "سياحة نبيذ" تثري العرض السياحي التونسي القائم أساسا على الشمس والبحر.

ومنذ مدة، يعمل محمد بن الشيخ، وهو أيضا رئيس نقابة مصنعي المشروبات الكحولية في تونس، على إقامة "طريق النبيذ" التي ستربط العاصمة تونس بالمزارع في ولاية نابل.
وتشق هذه الطريق غابات زيتون عمرها مئات السنين ومواقع تاريخية، ما سيمكن السياح من الاستمتاع بالمشاهد الطبيعة والاثار، وأيضا تذوق أنواع نبيذ فاخرة تشتهر تونس بصناعتها.
ويأمل بن الشيخ في ان تصبح طريق النبيذ هذه من ضمن اهتمامات الشركات السياحية، مع بداية العام المقبل، وان يستفيد هذا البلد الذي ينتج النبيذ منذ 2800 سنة من هذه الصناعة لتنشيط "السياحة الثقافية".

ويأتي هذا التوجه في الوقت الذي تحاول فيه السلطات تنويع الخدمات والمنتجات السياحية، بعدما تضررت من الاضطرابات التي عاشتها البلاد منذ العام 2011.

"مطمورة روما"
يذكر محمد بن الشيخ بأن تونس كانت تسمى قديما "مطمورة روما" لأنها كانت تزود عاصمة الامبراطورية الرومانية بالحبوب والنبيذ، ويشير ايضا الى ما كتبه العالم الزراعي القرطاجي "ماغون" عن ازدهار زراعة العنب في تونس في ذلك الزمن. ويطلق اسم "ماغون" اليوم على نوع محلي شهير من النبيذ في تونس.

لكن صناعة النبيذ في تونس تراجعت بعد الاستقلال عن فرنسا سنة 1956، قبل ان تنتعش في اواخر التسعينات بفضل تشجيع الدولة لاستثمارات محلية واجنبية في هذا القطاع.
واليوم، تعتمد تونس النظام الفرنسي لـ"مراقبة المنشأ الجغرافي" للنبيذ والذي يعتبر شهادة مطابقة لمواصفات الجودة.

وللوصول إلى هذه النتائج "كان علينا الاستثمار في تكنولوجيات جديدة، بداية من التبريد خلال مرحلة التخمير وصولا الى الأقبية ذات الحرارة المراقبة" بحسب راشد قبرصلي المسؤول عن الجودة في مصنع نبيذ "نفريس" المملوك لمحمد بن الشيخ.

وينتج هذا المصنع مليون ومئتي الف قارورة نبيذ سنويا من كروم بن الشيخ الممتدة على 450 هكتارا. تنتج تونس سنويا 32 مليون قارورة نبيذ يتم ترويج اغلبها في السوق الداخلية، وخصوصا في الفنادق والمطاعم السياحية. ويعتقد قبرصلي ان النبيذ التونسي "له حظوظ تصدير قوية جدا" بفضل جودته.

"ثورة"
تبلغ الإيرادات السنوية لصناعة النبيذ في تونس 80 مليون يورو. وتوفر هذه الصناعة للدولة موارد ضريبية سنوية بقيمة 25 مليون يورو. إلا ان الصادرات ما زالت متواضعة، بحسب قبرصلي، اذ لا تزيد عن عشرة ملايين يورو سنويا، وذلك "بسبب غياب سياسات التسويق" في الخارج، اضافة الى صغر مساحات الكروم (15 الف هكتار).

ويرى الصحافي طاهر العياشي المتخصص في التراث والسياحة انه ينبغي تنظيم زيارات سياحية الى حقول الكروم خلال موسم جني العنب والى أقبية النبيذ "لتعزيز جاذبيتها السياحية".
وذكر العياشي بأن احتفالات كانت تقام في السابق في ساحات القرى بمناسبة موسم جني العنب وعصره.

ويعتقد بلقاسم الدخيلي الذي يعمل منذ سنوات طويلة في صناعة النبيذ في تونس ان على بلاده بذل جهد "طويل النفس" للنهوض أكثر بهذا القطاع. ويقول "مع الثورة النوعية في الانتاج خلال العشرين سنة الماضية، لدينا مقومات النجاح".

ويقوم الدخيلي بالترويج لمصنع نبيذ "شادرابا" الواقع على ضفاف وادي مجردة، على بعد 70 كيلومترا غرب العاصمة تونس. ويقول "نحن قريبون من منطقة دقة وهي من أجمل المواقع الأثرية، ونعمل على إقامة مسلك سياحي يشتمل على دور ضيافة" داخل الحقول، مؤكدا ان "هذا القطاع واعد وذو قيمة مضافة".