إيلاف من بيروت: في وقت متأخر عصر يوم الإثنين، بينما كان النسيم العليل يداعب مدينة هدسون، بنى توم براون حوض سباحة ثلاثي الأبعاد لسيّدات بالم بيتش، مستخدماً تقنية الوهم البصري trompe l’oeil، في الطابق السفلي من معرض تشيلشي الفني، فنفض الغبار عن أسبوع الموضة.

لون أزرق طاغٍ، مطرّز بالأخضر ومطلّ على شرفة إغريقية، ألوان حوض السباحة المؤلّف من بلاط مطابخ السيراميك، فبدا كنسخة لماين كرافت عن عالم C.Z. Guest. وعلى الجانبين، وقف صفّان من السيدات اللواتي يتحضّرن لخلع البلوزات الخفيفة الفضفاضة التي يلبسنها، وبالقرب من كلّ سيدة حقيبة شاطئ وقبّعة سباحة متناسقة مع ثيابها. 

وهكذا حصل، ففي أجواء حديقة حيوانات، تنكّر فيها الرجال بأزياء هررة وببّغاوات مع رياش وأذيال، أسقطت السيدات رداءهن، فكشفن عن مجموعة من الثياب الأنيقة المتميّزة بتأثير الوهم البصري trompe l’oeil وفساتين مارتيني غنيّة بألوان ليلي بوليتزر وأطياف فساتين ضيّقة: أقمشة قطنية ومنسوجات دمشقية وصوفيات التويد. 

سيداتي العزيزات، لم نعد في فندق بريكرز، وقد أصبح نادي Mar-a-Lago في الجوار. أهلاً وسهلاً بكنّ في الملاذ الأخير. 

كلّنا نجد أنفسنا هناك في مرحلة معيّنة (ومن الممكن أن نكون هناك في هذه اللحظة بالذات)، إذا كان الأمر كذلك، فنحن بالتأكيد وجدنا شيئاً نرتديه. 

بينما كانت الموضة في الماضي تصمّم ياقة مدوّرة وخطوطاً مستطيلة وبلوزات مع قبّة فضفاضة وتنانير تصل إلى الركبة وسترات بدون خصر، فالثياب التي تعكس سرعة الفك والتركيب هي حليفة الحاضر. ما أسهل أن تلبسي حلّة واحدة يمكن إغلاق سحابها على الظهر مثل بذلة الغوص، فلا داعي للقلق حيال إدخال القميص تحت السروال أو التنورة أو تزرير السترة أو التفكير في كيفية تنسيق ملابسك. من ناحية إيجاد حلول للمشكلة، فهذا شبيه بالقفز نحو المجهول اللامتناهي. 

وهذا أمر جيد، لأنّنا إن وضعنا السيد براون جانباً، فالكثيرون يبذلون جهوداً، ولكن بدون إحراز أي تقدم. من الممكن فهم وضع أوسكار دي لا رينتا، فهذه الماركة أرض محايدة بين المصممين. (المدير الإبداعي السابق بيتر كوبينغ غادر في يوليو، وأول عرض لفرناندو غارسيا ولورا كيم، اللذين استلما المنصب من بعده، سيكون في الموسم القادم). إذاً فقد قام فريق مجهول يعمل في دار أوسكار دي لا رينتا بتحضير مجموعة الربيع التي يمكن تصنيفها كإهداء قدّمه الفريق إلى السيد دي لا رينتا وأعماله العظمى. 

تضمّن العرض أيضاً فساتين دانتيل بيضاء ريفية. وماذا عن أساليب Ikat أو الأغماد الحضرية؟ لقد كانت موجودة أيضاً. وكذلك فساتين التول المرصّعة باللؤلؤ وفساتين الأميرات المصنوعة من قماش فاي الحريري، كلّها فائقة الجمال وتذكّر بالأراشيف. 

ومن الممكن أيضًا فهم تشكيلة كارولينا هيريرا التي احتفلت بمرور 35 عاماً على عملها في هذا المجال. فمرّت في تشكيلتها فساتين طويلة من الدينيم وأخرى من النسيج القطني، وبلوزات poor boy مضلّعة تمّ تنسيقها مع تنانير سهرة من الحرير المقلّم والكاكي الممزوج مع النسيج المعدني. وقد علّقت المصمّمة خلف الكواليس قائلة: "تألّق بسيط"، أي ما يعني بلغة هيريرا فساتين بالذيل، وهذا ينطبق فعلاً على تشكيلتها، لكنّها قد تكون بسيطة لدرجة مبالغ بها قليلاً. 

غير أنّ التفوّق في البساطة كان من نصيب تشكيلة جيريمي سكوت الذي أعاد إحياء موضة الثمانينيات في نيويورك معتمداً على فن الكيتش: تنانير إنتارسيا قصيرة فائقة الإثارة أو صور ديبي هاري، حقيبة يد على هيئة أنبوب معجون أسنان عملاق وبذلات الهرة catsuit البراقة وتنانير تشبه الصحون الطائرة بألوان زاهية.

لا عيب في إعادة صياغة بصمتك، والله يعلم أننا ننتقد المصممين الذين لا يلتزمون بخط واضح في الموضة أو الذين يكررون الفكرة نفسها في كل موسم، وبالطبع فإنّ الالتزام لا يعدّ أمراً سيئاً في نواحٍ حياتية متعددة، ولكن من الناحية المثالية، فهو يعني تحسين الفكرة بدلاً من تكرارها فحسب، وبالعودة إلى الاستعارة التي استخدمها السيد براون، لا ينبغي أن ندور حول أنفسنا.

أما ماري كيت وآشلي أولسن، مطلقتا ماركة "ذا رو"، وماريا كورنيجو مصممة زيرو + ماريا كورنيجو، فيستعملن أسلوباً مميزاً ومحدداً (اعتمدت الماركة الأولى ثياباً بروح بوذية تأملية والثانية استقلالية ذكية، فتحرّرت كلتاهما من النزعة الطاغية في الموضة) لكنّ أسلوبهنّ قائم على مفاهيم مبهمة. مثل تصميم ذا رو أو لوزرات وزنانير يمكن لبسها فوق السروال مع بلوزة قصيرة "باندو توب" في حال عادت سندريلا من الحفلة الساهرة وأرادت أن تأكل وجبة خفيفة. وكذلك مجموعة زيرو + ماريا كورنيجو التي صممت ثياباً باللون الأبيض من وحي فيلم heaven-can-wait تنساب بخفّة فوق الجسم.

وفي كل الأحوال، قام جاك ماكولو من بروانزا شولر باختصار الوضع بإيجاز، وقد كان واقفاً بالقرب من المصمم المشارك لازارو هرنانديز وراء المسرح بعد عرضهما، يتلقّيان قبلات طائرة من الجمهور. وبحسب أقواله، فالقبلات قد ملأت الهواء، وأضاف: "أردنا أن نعود إلى نمطنا الأساس ولكن مع إضفاء طاقة جديدة"، هذا في لغة الموضة وهو يعني في اللغة العادية: "أردنا أن نكرر الشيء نفسه الذي كنّا نفعله لفترة من الزمن، ولكن بشكل يوحي بأنّه جديد" (وإلا فما من سبب لشراء هذه التصاميم).

بهذه الطريقة، حققا نجاحاً، من خلال الغوص في الأفكار المفضّلة لديهما (طبقات الفلامنكو ونسج السلال المجدول، والأربطة والثقافة المرقمنة) وإعادة استخدامها في فساتين مرفرفة بالأبيض والأسود مع خصر عالٍ قليلاً، تعكس حسّاً من الرشاقة، أو الجاكيتات المقولبة بأبعاد منحرفة، وأغماد رياضية مقلّمة، وريش أو بصمة حيوانية فوق سترات ضيّقة بقياسات متناقضة، بالإضافة إلى سترات فيها فراغات على منطقة الصدر بشكل قلب عملاق مثلاً، وتي شرتات تحمل رسوم مربعات وتطريزات برنيني.

لكنّ الفن الحقيقي كان في استخدام تقنيات التصميم الكلاسيكية لخداع النظر حتى تبدو التشكيلة معاصرة. مثلاً، ضُغطت كميات هائلة من ريش النعام لإنشاء ثياب بنقشة مربّعات الشطرنج ثم نفش الريش عند الأطراف وكأنّه شراريب متفرّقة، وكذلك صُمّمت فساتين مقلّمة وامضة منسوجة من خيوط جلد رقيقة.

كان ذلك بمثابة تحوير ذكي لأفكار مخادعة، وكان من الصعب ألا نتساءل كيف ستكون أعمال المصممين إذا اضطروا إلى الخروج من منطقة الراحة الخاصة بهم. فقط تخيّلوا الجلبة التي ستنتج من ذلك!

أعدّت "إيلاف" هذه المادة عن صحيفة نيويورك تايمز عبر الرابط التالي:

http://www.nytimes.com/2016/09/14/fashion/new-york-fashion-week-thom-browne-proenza-schouler.html?smprod=nytcore-ipad&smid=nytcore-ipad-share