يبدو أن جينات الإنسان التي تولد معه هي ما يحدد مصيره ومستقبله، بينما التربية لا تتحمّل الكثير من المسؤولية في هذا الإطار.

إيلاف من بيروت: يزداد الكلام أخيرًا عن أهمية التركيبة الجينية والعوامل الوراثية في تحديد كل ما يتعلّق بحياة الإنسان، من الناحية الصحية والاجتماعية والعلمية والنفسية. والسبب يعود إلى نتائج الدراسات الأخيرة، وإلى كتاب "كيف يصنع الحمض النووي ما نحن عليه"، يشرح بطريقةٍ مفصلة، آخر ما توصّل إليه العلم في هذا المجال.

انتبه العلماء منذ عام 1989 إلى أن مصير الإنسان تحدده تركيبته الجينية، إلا أنهم وخلال دراسة الجينوم اصطدموا ببعض الحالات التي خيّبت أملهم، لأنهم اعتبروا مصدرها معقّدًا وغير مرتبط بالضرورة بالجينات. الآن، عاد الكلام عن الجينات إلى الواجهة.

تولد معه
يشرح روبرت بلومين، الاختصاصي في علم النفس والوراثة، تأثير نتائج التقدم الذي حصل في علم الجينات في سلوك الإنسان وأمراضه النفسية والعقلية. ومن الواضح أنه هو الشخص الملائم لشرح هذا الموضوع، إذ درس العلاقة بين الجينات والبيئة التي يعيش فيها الإنسان وتأثير هذه العلاقة على بناء شخصيته، على مدى 30 عامًا.

وكانت قد سيطرت خلال القرن العشرين على علم النفس فكرة أن الإنسان ورقة بيضاء، تتكون شخصيته من خلال خبرات الحياة والعوامل التي يصادفها في البيئة التي يعيش فيها. أما كتاب "بلو برينت" للكاتب بلومين فيبرهن العكس، وهو أن اختلاف السلوك بين إنسانٍ وآخر سببه الأساس هو التركيبة الجينية التي تلد معه.

برهنت الدراسة التي أجريت على الأولاد الذين تربوا على يد والدين بالتبني أنهم يشبهون أهلهم البيولوجيين أكثر من أهلهم بالتبني.
كما إن التوائم المتطابقة، حتى عندما يكبرون في بيئتين مختلفتين، يبقى الشبه بينهما أكثر من التوائم غير المتطابقة الذين يختلفون عن بعضهم من الناحية الجينية، كأي أخ أو أخت.

نصف صفات الإنسان
تكشف هذه الدراسة أن تركيبة الحمض النووي تحدّد حوالى نصف الاختلافات النفسية بين الأفراد، وما تبقّى يتوقّف على العوامل البيئية. وضمن العوامل البيئية، تختلف نسب صفات الإنسان.

في أحدث ما وصلت إليه الدراسات، أجرى العلماء مسحًا للجينوم بهدف تحديد آلاف المتغيرات الجينية المرتبطة بصفات معينة لدى الإنسان، من الطول إلى الوزن إلى المستوى العلمي والعصابية.

كما إن اختبارات تكلّف أقل من 65 دولارًا باتت متوافرة بسهولة، ويمكنها أن تقيس الميل الجيني إلى الحصول على نتائج معينة، كالوزن الزائد أو ارتياد الجامعة ونوع التحصيل العلمي.

فبالنسبة إلى الأهل أو المدرسين المقتنعين أن بإمكانهم فرض سلطتهم على الأولاد، هذه الدراسة حملت أخبارًا غير سارة. فالشريحة المتبقية للعادات المكتسبة من البيئة تحددها أيضًا الجينات. وهي مرتبطة بأحداث غير متوقعة، وليس بطبيعة المكان الذي يعيش فيه الإنسان، كبيتٍ مليءٍ بالكتب على صعيد المثال.

هذه الاكتشافات تعني أن الأهل لا يحدثون فرقًا كبيرًا في ما سيصبح الولد في المستقبل، خارج إطار الجينات التي يحملها. وتأثير البيئة مهم، لكن الفرق الذي يحدثه ليس كبيرًا.

علاقة البيئة بالجينات
كما إن الجينات تدخل في اختيار الشخص الملائم للوظيفة خلال مقابلات العمل، ولا يخلو الأمر هنا من التعقيدات.

في النظام الذي يصفه الأطباء للحفاظ على وزن المريض الذي كشفت جيناته أنه قابل للسمنة. بلومين يذكر أن استعداد الإنسان لحمل عدد معيّن من عوامل الوراثة يختلف بين الشعوب.

في بعض الحالات، تعمل العوامل الوراثية على التخفيف من وطأة البيئة، وفي حالات أخرى تبدو المعادلة معكوسة، فتؤدي البيئة دورًا مؤثرًا في العوامل الوراثية. فالقضية ليست بالبساطة التي تبدو عليها، لكن من المؤكّد أنها الآن باتت واضحة.
&
&
أعدّت "إيلاف" هذا التقرير عن "إكونوميست". الأصل منشور على الرابط:&
https://www.economist.com/books-and-arts/2018/11/08/a-scientist-makes-the-case-for-the-power-of-dna?frsc=dg%7Ce