أصبحت الهند لغزا محيرا لخبراء الأورام في شتى أنحاء العالم عندما يتعلق الأمر بمرض السرطان.

فعلى سبيل المثال، رغم أنه يتم الإبلاغ عن أكثر من 1.5 مليون حالة جديدة سنويا، يبقى معدل الإصابة بالسرطان في الهند أقل مما هو عليه من دولة متقدمة اقتصاديا مثل الولايات المتحدة الأمريكية.

عندما يتعلق بهذه النقطة فإن تفسيرها ليس صعبا: فالهنود إجمالا شعب فتي، في حين أن احتمال الإصابة بالسرطان يزداد مع التقدم بالعمر. ولكن نسبة البقاء على قيد الحياة تبقى ضعيفة، فبالكاد ينجو ثلث المرضى بعد خمس سنوات أو أكثر من تشخيص المرض.

لكن ما يصعب تفسيره هو ارتفاع نسبة تشخيص الإصابة بالسرطان عند النساء أكثر من الرجال، وفقاً لدراسة جديدة نشرت في دورية لانسيت للأورام.

ارتفاع حاد

تزيد حالات الإصابة بالسرطان عند الرجال حول العالم بنسبة 25 في المئة عن النساء، ولكن الأمر يختلف في الهند بالرغم من نسبة الوفيات تكون أكبر بين الرجال. ويرجع ذلك لأن هناك فرصا أكبر للعلاج من سرطانات الثدي، وعنق الرحم، والمبيض، التي تمثل أكثر من 70 بالمئة من أنواع السرطان التي تصيب نساء الهند.

بينما يصاب الرجال في الهند بسرطان الرئة أو سرطان الفم، بسبب التدخين ومضغ التبغ، وهذان النوعان أكثر أنواع السرطانات فتكا ويصعب الشفاء منهما.

ويعد سرطان الثدي في الوقت الحالي أكثر أنواع السرطان شيوعًا بين النساء في الهند، حيث يمثل 27 بالمئة من جميع حالات السرطان بين النساء.

ويلاحظ أطباء الأورام ارتفاعًا حادًا في عدد حالات الإصابة خلال السنوات الست الماضية.

امرأة من الهند
AFP

ويبدو أن ذروة ظهور سرطان الثدي والمبيض في الهند تكون في عمر 45-50 سنة، أي قبل عشر سنوات مما هي عليه في البلدان ذات الدخل المرتفع (أكثر من 60 سنة)، وقد يعود ذلك لعوامل وراثية وبيئية.

وفي بعض الأحيان، قد تأتي الإصابة بالسرطان بسبب الجينات الوراثية. وقد أظهرت الدراسات أن جينات BRCA1 و BRCA2 عادة ما تزيد من خطر إصابة النساء بسرطان الثدي من أربعة إلى ثمانية مرات، وهذا ما يفسر سبب وجود كثير من الأقارب المصابين بسرطان الثدي.

ولكن أقل من 10 بالمئة من حالات سرطان الثدي في الهند سببها وراثي، لذا فإن الفحص الجيني قد لا يكون مفيدا جدا لمعرفة سبب السرطان لدى النساء في معظم الحالات. كما تختلف هذه النسب من منطقة لأخرى.

ويرى د. رافي مهروترا، مدير المعهد الوطني للوقاية من السرطان والأبحاث وأحد المشاركين بالدراسة، أن العوامل المعروفة التي تزيد من خطر الإصابة بسرطان الثدي - ومنها النظام الغذائي عالي الدهون، والبدانة، والزواج المتأخر، والعدد القليل من الأطفال، وعدم كفاية الرضاعة الطبيعية - قد تؤدي إلى مزيد من الحالات في بلد يزداد تحضرا.

ويضيف أن كثيرا من النساء لا يتم تشخيص إصابتهن إلا متأخرا بسبب نقص الوعي وترددهن في زيارة الأطباء.

ويعد سرطان عنق الرحم أكثر سهولة في المعالجة، ويمثل ما يقارب من 23 بالمئة من جميع أنواع السرطان بين النساء في الهند.

ومنذ عام 2008، طرحت لقاحات ضد الفيروس المسبب لهذا السرطان للفتيات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 11 و13 عاما، ما أدى إلى انخفاض حاد في نسبة حالات السرطان التي يسببها هذا الفيروس في كل انحاء العالم. ولكن في الهند، يقتصر برنامج التلقيح هذا على منطقة البنجاب ودلهي.

"سرطان يمكن منعه"

لكن سرطان عنق الرحم لا يزال ثاني أكثر السرطانات شيوعا بين النساء في الهند، وهو سبب ربع الوفيات بين النساء اللواتي يعانين من السرطان.

ويقول د. مهروترا: "إنه أحد أكثر أنواع السرطانات التي يمكن تجنبها. لا ينبغي أن تموت أي امرأة من سرطان عنق الرحم".

تحتاج الهند إلى نقاش أكثر شفافية وأكثر جدية حول موضوع الصحة الإنجابية، كما تحتاج إلى تضمين لقاح فيروس الورم الحليمي البشري (المسبب لسرطان عنف الرحم) في باقة التطعيمات المجانية التي تقدمها الحكومة.

وأطلقت الهند برنامجًا لمكافحة السرطان عام 1976، لكن الحكومة تنفق 1.2 بالمئة فقط من الناتج المحلي الإجمالي للوقاية من السرطان. ولكن الحكومة ستبدأ هذا العام فحصا مجانيا للكشف عن سرطان الفم والصدر وسرطان عنق الرحم في 165 منطقة من المناطق الـ 700 في البلاد.

ويقول د. مهروترا: "الأمور تتحسن. لكن أمامنا طريق طويل لنقطعه. ما زال أمامنا طريق طويل قبل أن نحل كثيرا من الألغاز".