صورة لامرأة مسلمة كُتب عليها "إنسانية واحدة"
Getty Images

قالت رئيسة وزراء نيوزيلندا، جاسيندا أردرن، في خطابها أمام البرلمان أمس: "سعى (منفذ الهجوم على المسجدين) لتحقيق عدة أهداف من عمله الإرهابي. وكان أحدها أن يكتسب شهرة. ولهذا السبب لن تسمعوني أذكر اسمه أبداً. إنه إرهابي. إنه مجرم. إنه متطرف. وعندما أتحدث لن أذكر اسمه. وأناشدكم أن تذكروا أسماء الذين فقدوا حياتهم، بدلا من ذكر اسم من أنهى حياتهم".

وتعتبر توصيفات أردرن الصريحة للهجوم والمهاجم بالإرهاب والإجرام والتطرف من المرات القليلة التي تستخدم فيها شخصية سياسية مثل هذه الكلمات لوصف هجوم على مسلمين، في وقت يراقب فيه الكثيرون طريقة تناول الإعلام الغربي للهجوم.

وطالما تعالت أصوات تنتقد التغطية الإعلامية الغربية غير المتكافئة للهجمات التي ينفذها مسلمون، مقابل التي تستهدف مسلمين.

تحول في التغطية

وخلصت دراسة أُجريت في جامعة ألاباما وجامعة ولاية جورجيا في الولايات المتحدة في يوليو/تموز 2018 إلى أن دين منفذ أي هجوم هو العامل الأكبر في تحديد توجه التغطية الإخبارية.

وشملت الدراسة التغطية الإعلامية لأعمال العنف في الولايات المتحدة بين عامي 2008 و2016. وبينت الدراسة أن تغطية العمليات التي ينفذها مسلمون تزيد على التي ينفذها غير المسلمين بحوالي 357 في المئة. وذلك رغم أن العمليات التي نفذها اليمينيون المتطرفون بلغت حوالي ضعف التي نفذها المسلمون.

ويرصد البعض تغيّر هذا التوجه، ولو قليلا، مؤخرا. وبحسب الدكتور محمد المصري، أستاذ مشارك ورئيس برنامجي الإعلام والدراسات الثقافية والصحافة بمعهد الدوحة للدراسات العليا، فإن الإعلام الغربي واجه انتقادات متكررة وقاسية حول ازدواجية المعايير في تغطية الهجمات التي يكون أحد أطرافها من المسلمين.

وقال: "يحتاج الأمر لدراسات تدعمها إحصائيات لإثبات هذا الأمر. لكن بشكل عام، يمكن رصد تحول (في طريقة تناول وسائل الإعلام الغربية للهجمات ضد مسلمين). وأتصور أن بعض وسائل الإعلام الغربية قد تكون غيرت من سياساتها التحريرية - سواء عن قصد أو بدونه- بسبب الانتقادات والضغوط التي وُجهت إليها".

وبالنظر إلى تغطية هجمات نيوزيلندا، ضجت وسائل الإعلام الغربية بموضوعات عن الضحايا، وقصصهم، ومظاهر الدعم التي قدمها الساسة والأفراد للضحايا وأسرهم.

ووصف المصري هذه التغطية بأنها "مفاجئة إلى حد ما. فبشكل عام، لاحظت أن وسائل إعلام غربية مرموقة تناولت الهجوم في إطار كونه عملاً إرهابياً، وسلطت الضوء على قصص الضحايا وتأثير اليمين المتطرف. وهو أمر يختلف عما أثبتته الدراسات من قبل، بقصر استخدام وصف الإرهاب على المهاجمين المسلمين."

المهاجم "الملائكي"

عادة ما تتشابه الصور التي تنشرها وسائل الإعلام الغربية لمنفذي الهجمات من المسلمين؛ إذ غالباً ما يكون شخصاً طويل اللحية، عابس الوجه، يحمل السلاح، ويهدد ويتوعد بصوت عالٍ وأجش.

لكن الصورة تختلف عندما يكون المهاجم من خلفية عرقية أو دينية أخرى. فمنفذ هجوم نيوزيلندا، الذي أردى 50 قتيلا وعشرات المصابين، صورته العديد من وسائل الإعلام الغربية على أنه "الفتي الأشقر الذي تحول إلى يميني متطرف".

وتقول شاهين باشا، مدرسة الإعلام بجامعة ماساتشوسيتس الأمريكية، إن التغطية الإعلامية للحادث أبرزت المهاجم في "إطار إنساني. فهو الصبي الملائكي الأشقر، الذي ظهر في صورة تدعو للتعاطف كونه تعرض للتنمر في طفولته. وبالتالي، يظهر الضحايا في هذه السردية بشكل ثانوي، على أنهم نتاج عملية تحول هذا الصبي إلى الشر".

وأضافت أن هذا التناول يشكل عبئا على الضحايا من المسلمين، "فعندما يكون المهاجم مسلما، يقع عليهم عبء تحمل تبعات الهجوم والنأي بأنفسهم عنه. وعليهم دائما إثبات صحة مخاوفهم من تزايد نزعات الإسلاموفوبيا، حتى يقع هجوم كبير (مثل هجوم نيوزيلندا)، وعندها فقط تظهر مظاهر الدعم. ثم يجدون أن الإعلام يبرزهم في صورة "الآخر" وليس كجزء من المجتمع."

وأوضحت باشا أن الفضل يعود لوسائل التواصل الاجتماعي في الزخم الذي اكتسبته قصص الدعم والتعاطف مع الضحايا المسلمين، وليس بالضرورة للتغطية الإعلامية التي طالما تجاهلت مثل هذه القصص.

وسط باقات الزهور، وضعت صورة لرئيسة الوزراء النيوزيلندية جاسيندا أرديرن تعانق سيدة محجبة وتحتها عبارة أطلقتها جاسيندا تقول "نيوزيلندا وطنهم .. هم نحن".
Reuters

وتشير دراسة نشرتها جامعة ولاية جورجيا الأمريكية عام 2017 إلى أن الصياغة والتفاصيل وطريقة سرد الأحداث تختلف حسب دين منفذ الهجوم. فغالبا تُستخدم كلمة "إرهابي" بشكل حصري لوصف العمليات التي ينفذها مسلمون، على سبيل المثال.

كما ذكرت الدراسة أن "المهاجم غير المسلم يجب أن يقتل سبعة أشخاص أكثر من نظيره المسلم ليحظى بنفس التغطية الإعلامية، إذ تحظى الهجمات التي ينفذها مسلمون بخمسة أضعاف التغطية التي تكرس للهجمات التي ينفذها غير المسلمين".

وشملت الدراسة أعمال العنف التي وقعت بين عامي 2011 و2015، نفذ مسلمون 12,4 في المئة منها، لكنها حظيت بنسبة تغطية بلغت 41,4 في المئة.

البحث عن ذريعة

وأشارت باشا إلى أن الإعلام الغربي عادة ما يبحث عن ذريعة تسوّغ للمهاجم غير المسلم تصرفه "الإرهابي"، على عكس المهاجم المسلم الذي يظهر في سياق أن الشر جزء من تكوينه الفكري. وفي حالة هجوم نيوزيلندا، كانت هذه الذريعة هي القوانين الخاصة بالسلاح.

"فالمهاجم المسلم عادة ما يظهر في صورة الخطر الذي تجلبه الثقافات الأجنبية. أما الإرهابي الأبيض دائما ما يحتاج إلى سبب ليكون شريرا. ويعكس هذا الأمر ثقافة المجتمع ككل، الذي يشمل العاملين في الإعلام".

لكن المصري يرى أن تعميم هذه الفكرة قد لا يكون دقيقا عند تناول هجوم نيوزيلندا، "وأعتقد أنه خالف التوجهات السائدة (عند تغطية الهجمات ضد المسلمين)، فلم تتجاهله وسائل الإعلام الغربية، ولم تقلل منه، وأبرزت الضحايا بشكل إنساني وسلطت الضوء على قصصهم".

وأضاف أنه يجب دراسة هذه التغطية بشكل أكاديمي للوقوف على أداء الإعلام الغربي بشأنها، ومدى التحول في التغطية مقارنة بهجمات أخرى ضد المسلمين وغير المسلمين.

ملء الفراغات

وفي مقابل التغطية الغربية، تحقق وسائل الإعلام العربية بعض التوازن وتعمل على ملأ الفراغات في السرديات الغربية.

ويؤكد المصري أن وسائل الإعلام العربية تختلف في توجهاتها بنفس درجة اختلاف وسائل الإعلام الغربية. "فهناك وسائل إعلام مثل الجزيرة، وتي آر تي، والعربي الجديد تتبنى مواقف المسلمين... وتختلف هذه القنوات في تغطيها عن وسائل إعلام أخرى مثل سي إن إن، وبي بي سي. في حين تتبنى بعض وسائل الإعلام المصرية خطابا يتسم بالإسلاموفوبيا، بشكل يفوق أحيانا وسائل الإعلام اليمينية في الغرب".

وأشار المصري إلى أقلية من الصحفيين المصريين تناولوا هجوم نيوزيلندا "بسردية مناهضة للمسلمين، رغم أن المسلمين هم الضحايا. وأرجع هؤلاء أسباب الهجوم إلى زيادة أعداد المهاجرين المسلمين المتشددين إلى نيوزيلندا".

وعلى سبيل المثال، ذكر أحد الضيوف في مداخلة بثها التليفزيون المصري الرسمي أن "هجرة أفراد من جماعة الإخوان المسلمين إلى نيوزيلندا استفزت اليمينيين ودفعتهم إلى تنفيذ هذا الهجوم".

ومن ناحية أخرى تسهم زيادة أعداد المسلمين المشتغلين بالصحافة في المؤسسات الإعلامية العالمية في تحقيق توازن في السرديات وتفسير الكثير من الأمور.

وتضرب باشا مثالا بهجوم سان بيرناردينو، الذي وقع عام 2015 في ولاية كاليفورنيا الأمريكية ونفذه اثنان من الإسلاميين المتشددين، "إذ أظهرت بعض وسائل الإعلام محتويات منزل منفذي الهجوم على أنها علامات على التطرف، في حين أنها ليست إسلامية بالمرة".

ويتفق المصري مع هذا الرأي، ويرى أن وجود خلفيات ومصادر معلومات متنوعة يساهم بشكل كبير في تشكيل السياسات التحريرية. "فالمسلمون الغربيون لا يساعدون أنفسهم بتجنبهم لمهنة الصحافة".