يرى مراقبون وإعلاميون أن الإعلام التونسي عاش خلال 2014 العديد من التجاوزات والضغوط وحالة من الابتزاز والإنفلات، نتيجة الإفراط في الحرية الإعلامية وغياب الحرفية والردع الذاتي والقانوني.
&
تونس: يعتبر الإعلام سندًا قويًا للديمقراطية، ورافعة للممارسة السياسية، من خلال ضمان الوصول الشفاف إلى المعلومة لإنارة الرأي العام، عبر التطرق إلى القضايا الوطنية الهامة. وفي تونس، التي تخطو خطوات متسارعة نحو الاستقرار وبناء المؤسسات الديمقراطية، يثار الجدل حول دور الإعلام في ضمان هذا التوجه.
&
غث وسمين
&
تحدثت آسيا العتروس، الصحافية في دار الصباح، عن أداء الإعلام التونسي خلال 2014، فقالت إنّه جمع بين الغث والسمين، مشيرة إلى وجود درجة من الوعي والمسؤولية وتطور في الأداء الإعلامي في السنوات الأربع الأخيرة، والتحرر من كثير من القيود المفروضة، "ورغم هذا المكتسب الإيجابي ظهر كثير من الثغرات في غياب نصوص قانونية وميثاق أخلاقي مشترك".
&
وأشارت العتروس في تصريح لـ"إيلاف" إلى وجود كثير من نقاط الضعف، "من ذلك ما تمر به المؤسسات الإعلامية، خصوصًا الورقية منها، موضحة وجود تعارض ملموس بين ما يعمل من أجله الصحافي في تحقيق إعلام حر ونزيه وبين ما يطمح إليه صاحب المؤسسة الإعلامية من تحقيق الربح من وراء الاستثمار في القطاع الإعلامي.
&
أما محمود الذوادي، رئيس المرصد التونسي لحرية الصحافة، فقد أشار في إفادة لـ"إيلاف" إلى التطور الحاصل على مستوى أداء الإعلام التونسي في تناول القضايا المسكوت عنها، وإنارة الرأي العام التونسي، لكن ذلك لا يمنع من ظهور إشكاليات تعرقل التطور الذي تحقق، بسبب غياب التكوين وتدخل المال السياسي بقوة في المشهد الإعلامي.
&
من ناحيتها قالت ريم سوودي، الصحافية في صحيفة الصباح، لـ "إيلاف": "حقق الأداء العام تحسنًا كبيرًا، وتمكن من الوقوف في وجه الضغوطات والمشاكل على غرار التعيينات وغيرها ".
&
وأشارت إلى ضرورة العمل حفاظًا على الحرية التي ميزت السنوات الثلاث الماضية، وذلك بالتزام الموضوعية عند التطرق إلى مختلف القضايا التي تهمّ المواطن.
&
محلية وفقدان مصداقية
&
قال الإعلامي والمحلل السياسي كمال الشارني لـ"إيلاف": " ثمة إفراط في الحرية الإعلامية إلى حد الانفلات ومخالفة قوانين وأخلاق المهنة، وهناك نقص في الحرفية المهنية، فمحاولات الجيل الجديد من الإعلاميين للتقدم تصطدم بغياب موجع للتكوين والتأطير، وثمة انتشار كبير للدخلاء، على مهنة الصحافة أو على صفة خبير أو محلل، ما جعل مستوى الخطاب الإعلامي يتدنى إلى حدود كبيرة".
&
وشدّد على أن ملامح "إعلام بن علي"، الذي قام على الولاء بدل الكفاءة، ما زالت قائمة في الإعلام التونسي، "فالبرامج الإعلامية تنتج في إطار الولاء للقوى السياسية والمالية القديمة، وخدمة أجندات المال السياسي مع نقص في الموضوعية".
&
وخلص الشارني إلى القول: "عمومًا، وكما في الأعوام التي تلت الثورة، لم يحقق الإعلام التونسي القفزة النوعية التي تستحقها الثورة، ولا يزال محليًا جدًا، فاقدًا للمصداقية، فيما يفترض بإعلام بلد حر مثل تونس أن يصبح لإعلامه مصداقية عربية ودولية، والواقع أن أغلب وسائل الإعلام&لا تزال تعتمد على النقل من وسائل الإعلام العربية والدولية حتى حين يتعلق الأمر بأحداث محلية".
&
أمراض الإعلام التونسي
&
أكدت آمال مزابي، رئيسة النقابة التونسية لمديري المؤسسات الإعلامية، وجود مجهود يمكن أن يتحسن بالتكوين والإمكانيات، مشددة على عدم رضاها عن الإعلام بوصفها رئيسة لمؤسسة إعلامية، فبرغم التطور في المشهد الإعلامي التونسي، لكن القصور واضح.
&
وأوضحت لـ"إيلاف" أن الأمراض التي يعاني منها الإعلام التونسي لم يتم التطرق إليها، "ومن بينها مشاكل تمويل المؤسسات الإعلامية والإطار القانوني والفوضى الكبيرة التي نعيشها بسبب النصوص الجديدة في القانونين 115 و116، التي لم تتناسق مع المنظومة القانونية الإعلامية، إضافة إلى الأخطاء من خلال عدم معالجة القضايا بكل جدية، وبالتالي لا بد من التفكير في خطة وطنية للنهوض بالقطاع الإعلامي تقوم على تحديد الأهداف الاستراتيجية للقطاع وضبط السبل الكفيلة القادرة على تخليص القطاع من عديد الشوائب".
&
محاولات للهيمنة
&
وقالت العتروس إن الإعلاميين في تونس خلال العام الماضي عاشوا الكثير من الاهتزازات ومحاولات الهيمنة والسيطرة على وسائل الإعلام إلى جانب الحرب المعلنة لإعادة السلطة الرابعة إلى هيمنة الدولة.
&
أما عن تأثير المال السياسي، فأشارت العتروس إلى أن المرحلة الأخيرة من الانتخابات طغى فيها المال السياسي على وسائل الإعلام وتوجيه الرأي العام، مشيرة إلى أهمية إيمان الصحافي نفسه بقدسية العمل الذي يقوم به، "لكن هذا لا يمكن من الحاجة الضرورية إلى إصلاحات عميقة للمؤسسات الإعلامية وخاصة منها الصحافة المكتوبة، خصوصًا أننا وصلنا إلى درجة عالية من الرداءة على مستوى امتلاك اللغة العربية وتوظيفها وتطويعها لكتابة مقالات وتقارير صحافية".
&
نسبية الحياد والموضوعية
&
واعتبرت العتروس أن احترام مبدأ الحياد والموضوعية يبقى نسبيًا، "فالعديد من القضايا لا يحتمل الحياد، من ذلك الإرهاب وذبح الجنود وفلسطين، فمثلما نرفض ذبح الصحافيين وقتلهم علينا أن نرفض كذلك وندين ما يحصل في غزة من إرهاب إسرائيلي، وما يحدث للاجئين السوريين، فلا يمكن المساواة بين الجلاد والضحية، لكن الحياد ضروري عند تناول القضايا السياسية والحزبية في تونس، ففي حملة انتخابية تكون الموضوعية ضرورية والوقوف على نفس المسافة بين جميع المرشحين أو الأحزاب وإيصال المعلومة الصحيحة إلى المواطن".
&
وتساءلت العتروس: "هل يمكن أن أكون محايدة عندما أتعامل مع حزب ببرنامجه ودعوته إلى مجتمع مدني وصحافة حرة واحترام الحريات وحزب آخر يدعو إلى زواج القاصرات والخلافة في تونس؟".
وأوضحت رئيسة النقابة التونسية لمديري المؤسسات الإعلامية أن الموضوعية والحياد، وإن كانا متوافرين لدى أغلب الصحافيين، فإن إشكال التكوين الصحافي ونقص الاحترافية يمثلان السبب الرئيسي في عديد المنزلقات التي تحصل من حين إلى آخر، مؤكدة: "ما نطمح إليه هو مشهد إعلامي متعدد بمؤسسات مختلفة ذات مناهج تحريرية مختلفة".
&
قضايا مسكوت عنها
&
وأكدت العتروس أن الإعلام في تونس تطرق خلال العام الماضي إلى قضايا عديدة مسكوت عنها، "منها مسألة التعذيب في تونس، ومسألة السجون والموقوفين وممارسات بعض الأمنيين الذين يعيشون على وقع الممارسات القديمة".
&
وأوضحت أن القنوات التلفزيونية التونسية كان لها دور في تحشيد الرأي العام في الانتخابات التشريعية والرئاسية، وكانت أكثر حيادًا وموضوعية، ومنها القناة الوطنية، "لكن هناك قنوات أخرى لم تكن موضوعية وكانت داعمة لبعض الأحزاب أو المرشحين، والتأثير واضح للمال السياسي، وكذلك على صفحات الجرائد كان الميل واضحًا إلى جهات دون أخرى، وبالتالي أدعو إلى دراسة موضوعية من أهل الخبرة والاختصاص".
&
وأكدت المزابي أن دور النقابة هو المحافظة على الحرية التي تمتع بها الإعلاميون في تناول مختلف القضايا خلال السنوات الثلاث الأخيرة وذلك بتجاوز كل الإشكاليات التي تعيشها المؤسسات الإعلامية حتى لا تكون تحت رحمة ضغوطات وابتزاز هذا أو ذاك مؤكدة تفاؤلها بتعدد المشهد الإعلامي وتلوّنه.
&
من جانبه، أشار الشارني إلى أن الانتخابات الأخيرة كانت تحديًا مهنيًا كبيرًا للإعلام الوطني، "الذي كشف عن تحيّز كبير لأطراف سياسية دون أخرى، وعن خلط فادح بين الخبر والرأي، ونقص كبير في الموضوعية".
&
مسؤولية جسيمة
&
شدّدت العتروس على أن الإعلام التونسي أمام مسؤولية جسيمة للمحافظة على درجة الحرية التي تمتع بها خلال السنوات الماضية، مشيرة إلى أن الانتهازية عادت بقوة ما أن ظهرت نتائج الانتخابات، ومن اختار الابتعاد عن الأضواء عاد من جديد إلى سطح الأحداث، واستعاد نفس العقلية السابقة، "وهو ما نرفضه، لأننا عشنا الابتزاز والضغوط وما زلنا، والقادم أصعب، والمعركة مستمرة".
&
وأعلن مركز تونس لحرية الصحافة في تقريره السنوي الثاني حصول الانتهاكات ضد الإعلاميين. فعدد الصحافيين الذين تعرضوا لاعتداءات خلال الفترة الممتدة بين تشرين الأول (أكتوبر) 2013 وأيلول (سبتمر) 2014 بلغ 451 صحافيًا. وتمثلت جملة الاعتداءات في المنع من العمل والاعتداء الجسدي والتتبع العدلي والاعتداء اللفظي والمراقبة.
&
المسيرة طويلة
&
وشدّد الشارني على أن الإعلام التونسي لم يكن جاهزًا من البداية لاستيعاب مفاهيم الثورة والانتقال الديمقراطي، "لأن هذا الإعلام الذي ظل إلى آخر ساعة من الثورة يشتم الشباب الثائر ويشيطنه ويمدح بن علي، وجد نفسه في ورطة معرفية وأخلاقية بعد الثورة، وعلى مدى أربع سنوات، أعاد رموز الإعلام القديم التموقع مع استعادة طريقة العمل نفسها، وقد ظهر جيل جديد شاب من الصحافيين الطموحين، إلا أن هيكلة الإنتاج الإعلامي في تونس لا تسمح للشباب بالتطور وافتكاك دور فعال، كما أن الجيل الجديد من الإعلاميين يشكو من نقص كبير في التكوين والتأطير، بعضه ناتج عن فشل منظومة التعليم كلها، وبعضه الآخر عن غياب منظومة تأطير في المؤسسات الإعلامية، وفي غياب مجالس تحرير في هذه المؤسسات تمكن الصحافيون الشباب من البروز والتقدم. وبالتالي، أعتقد أن المسيرة طويلة أمام الإعلام التونسي للتحسن والتطور".
&