تحدث عثمان العمير، ناشر "إيلاف"، عن مشاهد من حياته، جمعته بزعماء عرب وأجانب، بينهم الملكان فهد وسلمان بن عبد العزيز، والملك الحسن الثاني.


لندن: استضافت الإعلامية جيزيل خوري، الصحافي عثمان العمير، ناشر ورئيس تحرير جريدة "إيلاف" الالكترونية، في برنامجها "المشهد"، الذي تبثه قناة "بي بي سي" عربية، فحدثها عن علاقاته المستقرة حينًا والشائكة حينًا آخر مع زعماء وسياسيين عرب وأجانب.

إنه النجدي الذي ترعرع في بلاد الحجاز، كما سمّته خوري، الذي امتزجت فيه نجد والحجاز والعراق ولندن والمغرب.

أسهب في حديثه إليها عن علاقته بالملكين السعوديين فهد وسلمان بن عبد العزيز، والملك المغربي الحسن الثاني، بينما تحدث قليلًا عن مارغريت ثاتشر، رئيسة الوزراء البريطانية السابقة، والتي يحتفظ في منزله اللندني بلوحة لها، ممهورة بتوقيعها وإهدائها.

نص المقابلة كاملة هنا
التقى العمير ثاتشر، كما يروي، قبل أن تكون رئيسةً للوزراء، ثم التقاها مرات عدة، "أما آخر لقاء فكان في حفل أقامه أمير الكويت، وكان منظرها مبهراً لكني شعرت بالكثير من الحنان تجاهها، كي لا أقول شفقة، فكان واضحًا عليها الكِبَر، وواضح أنها لم تكن مدركة تمامًا ما يدور حولها، وكان ذلك آخر مرة ألتقيها، لكنها كانت لطيفة ومهذبة".

منظومة إعلامية

في العام 2006، إختارت جائزة الصحافة العربية العمير رجل العام، تقديرًا لدوره في نهضة الاعلام في المملكة العربية السعودية، ولتأسيسه "إيلاف"، وسمّي بـ "مردوخ العرب". إلا أنه رفض مبتسمًا أن يُعزى كل الفضل في انتشار الصحيفة إليه.

&

وقال: "السبب الرئيس في انتشار الشرق الأوسط لم يكن عثمان العمير، لكن كنا مجموعة متناغمة حينًا ومختلفة أحيانًا، لكن كانت هذه المجموعة تسعى إلى خدمة صحافية أولًا، وكان وراءنا الملك فهد".

حينها، بدأت علاقته بالملك فهد، وبالملك سلمان، وكان بعدُ أميرًا. يقول: "كان الملك فهد بن عبدالعزيز حريصًا على الإعلام، وكذلك كان يسانده الأمير سلمان حينها، وهذه المتابعة الدقيقة أدت إلى ازدهار منظومة من الإعلاميين أو الإعلام في العالم العربي، ففي لبنان معظم صحافة المهجر قام على دعم السعودية، وحاول العراق في عهد صدام حسين وليبيا في عهد القذافي ولم تنجح، لأنهم كانوا يتبعون أجهزة، ولم يتبعوا فقط دعم الدولة."

ثمة ملك يرعانا

طالبته خوري بأن يروي مشهدًا حصل فيه خلاف بينه وبين السياسيين السعوديين، فقال ثمة مواقف كثيرة جدًا حصلت فيها خلافات، "وأنا لست محبوبًا لدى وزراء الإعلام في السعودية، وأرجو أن أكون محبوبًا لدى الوزير الحالي، وهو فاهم اللعبة الصحافية، ولم أكن صديقًا لوزراء الاعلام في العالم العربي، وخصوصًا في السعودية، وهذه الخلافات أدت إلى فصلي مرارًا، لكن الملك فهد والملك سلمان قدما لي الحماية".

ولم يشأ العمير سرد ما حصل له من حوادث، وآثر أن يتركها مادة دسمة لكتابه.

واستدرك قائلًا لخوري: "حصلت مواقف عدة مع مسؤولين كبار وصغار، لكنها كانت تعالج بشكل دبلوماسي، فنحن لا نبعد عن بعض، ومهما اختلفنا هناك بيت يحمينا، وملك يرعانا".

على الزجاج المكسور

بحسب العمير، أجمل ما في الإعلام السعودي هو أنه لم يكن مخططًا له، أي لم تكن الدولة من أنشأ الإعلام السعودي، "يعني يأتي شخص سعودي ويبني عملًا إعلاميًا جيدًا، وتتبناه الدولة أو ترعاه، أو تعطيه المساحة مثلما حصل مع الشركة السعودية للأبحاث والتسويق والشرق الأوسط".

مقابلة ناشر "إيلاف" مع BBC بالصوت والصورة

&&

تسأله خوري عن الخطوط الحمر، يجيبها: "في الحقيقة كلنا خطوط حمر، وعليك أن تستطيع&القفز فوق الخطوط الحمر، أما الخطوط فموجودة، يعني كلمة لا سهلة، وكلمة نعم هي الصعبة، والمرء يحتاج إلى أن يمشي دائمًا على زجاج مكسور في الصحافة، وخصوصًا في صحافة دول ليست متقدمة".

العمير ارتبط طويلًا بالملك فهد، "وتعمقت علاقتنا بعد حرب الخليج، وكان حريصًا على القراءة بشكل غير عادي، ويتمتع بروح صحافية سواءً في متابعته الأخبار والصحافيين، واهتمامه بهم، حتى أنه كان يهتم بمعارضيه، ومرة قال لغازي القضيبي: لا يهمني هؤلاء الخارجون على المملكة، لكن يهمني أولادهم، ويهمني تعليمهم ورعايتهم، لأنهم في النهاية سيعودون إلى بلدهم".

أضاف العمير: "عندما كان الملك فهد يتحدث، كان يعطي آفاقًا، هو وراء كل المشاريع الإعلامية الكبرى التي نراها اليوم، وكان يتابعها وكان حريصًا عليها".

قريب من كل الصحافيين

لا يدّعي العمير قربه من الملك سلمان، "لأن الملك سلمان قريب من كل الصحافيين، ولولاه لما كانت الشرق الأوسط، أو حتى معظم الصحف".

وروى العمير: "عندما توليت تحرير 'المجلة' كنت متحمسًا وثوريًا، فأقلت الكاتب المصري إحسان عبد القدوس من المجلة، وقلت علينا أن نأتي بالشباب. وهذا من أخطائي الكبرى. وعندما أتيت الرياض والتقيت الملك سلمان، قال لي: وصلني أنك أقلت إحسان عبد القدوس، لا أريدك أن تعيده، لكن أخبرك بأمر، كان عمري 15 سنة وأرسلت له رسالة، وردّ عليّ وما زلت أحتفظ بها، فأراني الملك سلمان خطأي بكل دبلوماسية".

أرادت خوري أن تقف على رأي العمير في ما يحصل اليوم في السعودية، مع دخولها حربًا في اليمن، ومواجهة مع إيران. سألته: "هل نفهم أن هناك عهدا جديدا أتى إلى السعودية، أم هذه مسيرة مكملة للعهد السابق؟".

ليس هناك جديد، بحسب العمير، الذي قال إن لكل ملك سماته ومميزاته، "فعهد الملك عبدالعزيز غير عهد الملك سعود، وعهد الملك سعود غير عهد الملك فيصل، وعهد الملك فيصل غير عهد الملك فهد، وهكذا".

روى العمير أنه كتب مرة في الشرق الأوسط مقالة بعنوان "الدولة السعودية الرابعة"... "فغضب علي لأنهم يعتقدون أن الدولة واحدة لا تتغير، وفي الواقع إن كل ملك يحمل صفات مختلفة، وفي الوقت نفسه قائم على الأسس والمبادئ التي بناها عبد العزيز، ولم نفاجأ بما فعله الملك سلمان على مستوى تغيير قيادات وجلب الشباب، وأنا جلبني من شارع الصحافة في لندن إلى الشرق الأوسط".

أضاف: "أعتقد هناك القليل من التحيز ضد السعودية، وأحكام مسبقة بحقها، حتى أن تايم الأميركية توقعت انهيار السعودية في 1975، وكل يوم يأتينا مفتٍ ويقول إن السعودية راحت، وفي الانتقال السلس الأخير، حسم الملك سلمان الموقف وفق العقلية السعودية والطبيعة التي تسير عليها السعودية، بقرار فاجأ فيه العالم وأظهر أن السعودية دولة قائمة وستبقى".

القانوني البارع

في العام 1980، أثناء زيارة الملك خالد المغرب، أجرى العمير مقابلة مع الملك المغربي الراحل الحسن الثاني، ومنذ ذلك الوقت توطدت علاقة خاصة بينهما.

تسأله خوري: "ما سر اختيارك أنت بالذات؟ أَكل صحافي يقابل ملكًا يصبح مقربًا منه؟" فيجيب العمير: "كانت العلاقة نابعة من شخصية الملك وليس من شخصية الصحافي، فهناك ألف صحافي وقلة قليلة من الملوك، وهم يختارون من يريدونه، وأعتقد أن هذا عطف، وليس علاقة بين أنداد".

يصف العمير الملك المغربي الراحل الحسن الثاني بأنه واسع الاطلاع، "وعميق وقانوني بارع، وأذكر أني نشرت تقريرًا عن أولاد الرئيس المصري السابق حسني مبارك أغضب مبارك غضبًا شديدًا، وحوكمت غيابيًا في القاهرة وحكم علي بالسجن سنتين، وعندما التقيت الملك الحسن الثاني في السخيرات قال لي قرأت عن خلافك مع الرئيس مبارك، اشرح لي قانونيًا الحجج التي ستقدمها للمحكمة لأنني أنا قانوني، وفعلت، ولم يسأل في السياسة إنما حصر أسئلته في الشق القانوني".

أضاف: "كان الملك المغربي يُسديني النصائح دائمًا، وكان يستمع أكثر مما يعطي، وذكيًا في لمحاته، أذكر مرة كان هناك مؤتمر عربي سيعقد ودعي إليه المغرب، فرفض وقال إن المغرب لا يستدعى، وكان يتميز بالكثير من الحزم، وكان معلمًا، يجلس كل صباح مع مجموعة من معاونيه فيطرح عليهم قضية، يستمع إليهم ثم يدلي بدلوه، ثم يذهب للعب الغولف، وكان يحب عقد الاجتماعات ولعب الغولف".

وتذكر العمير أن الملك الحسن الثاني كان يستمع إلى أخبار بي بي سي من خلال رجل يحول هذه الأخبار إلى شعر، "وكان من أعظم الشخصيات في العصر الحاضر".

ومن الرجال الذين قابلهم العمير وأثروا فيه كان الملك الراحل حسين، ملك الأردن، الذي يقول عنه إنه رجل دولة، وملك مغامر، "بينما هناك زعماء دخلوا وخرجوا ولم أستفد من مقابلتهم شيئًا"، كالمخلوع علي صالح مثلًا.

ابن رجل هيئة

عاش العمير طفولته وترعرع في الزلفي، المدينة الصغيرة المفتوحة على النفود والصحراء. كبر في بيت ملتزم، لوالد معلم "ورجل هيئة"، أي كان والده أحد رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان أخواله قضاة ومدرسين، لكنها كانت حياة بسيطة، إلى أن حصل التحول مع انتقاله إلى العاصمة، التي عرف فيها كيف يقرأ ويتعلم، والتي قابل فيها جنسيات أخرى.

على الرغم من أنه نشأ في منزل متشدد، يقول العمير إن السعودية لم تذهب هذا المذهب الديني المتشدد إلا مع ثورة الخميني الإسلامية في إيران.

يقول: "من مصائبنا الكبرى أن ثورة الخميني حولتنا إلى متشددين، لأنها حولت الاسلام المعتدل إلى إسلام استشهادي، وهي السبب الأول للتشدد والانغلاق في السعودية، ولتسييس الحركات الإسلامية".