كتاب جديد يكشف لغزًا عصي على الحل، وهو لغز اختفاء موسى الصدر ورفيقيه، إذ يبدو أن الخميني حرّض القذافي على قتله، لأنه خاف منه على ثورته الاسلامية في إيران.
&
بيروت: بينما يرقد هنيبعل معمر القذافي في زنزانة لبنانية اليوم، وفي أخرى النائب اللبناني السابق حسن يعقوب، نجل الشيخ محمد يعقوب أحد مرافقَي الامام موسى الصدر، الذي خطف ابن القذافي ليعرف منه أي خبر عن أبيه الذي اختفى مع الامام، تحدثت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية عن جانب آخر من مؤامرة إخفاء الامام، التي قيل الكثير عن خيوطها التي تصل إلى أركان سابقين، أحياء وأموات، في النظام السوري، وعن رغبة جمعت أكثر من طرف للتخلص من إمام شيعي عُرف عنه تمسكه بالاعتدال والوسطية، في منطقة لا مكان فيها للاعتدال، وفي زمان، سبعينيات القرن الماضي، اتسم بالتفجيرات وعمليات الخطف والاغتيال.&
&
سقوط السماء&
&
في نيويورك تايمز، كتب ريك غلادستون عن أندرو سكوت كوبر، الأكاديمي المختص في شؤون الشرق الأوسط، الذي يتناول مسألة اختفاء الإمام موسى الصدر في كتاب جديد يصدر قريبًا، سمّاه "سقوط السماء" (The Fall of Heaven)، والذي فجر فيه مفاجأة لم تخطر ببال أحد؛ إذ قال إن شاه إيران الأخير محمد رضا بهلوي كان مستعدًا لمفاوضة موسى الصدر، خلافًا للامام الخميني الذي خاف منه وتآمر على إخفائه في عام 1978، أثناء زيارته إلى ليبيا.
&
وبحسب الصحيفة، أجريت التحقيقات الكثيرة، وكُتب كثير من الكتب والمقالات بشأن مصير الصدر، الامام الشيعي الكارزماتي المولود في إيران في عائلة متدينة ذات نفوذ، والذي اختار العيش في لبنان، مدافعًا خلال عقدين من عمره عن الشيعة الفقراء.
&
يقول غلادستون: "كانت آخر رؤية للصدر ومرافقيه في 31 آب (أغسطس) 1978 في مطار طرابلس الغرب، وهذا ما سبب توجيه الاتهام في مسألة اختفائه إلى استخبارات القذافي، على الرغم من عدم وضوح الأسباب والدوافع".
&
ويشير كوبر في كتابه إلى أن سقوط الشاه في عام 1979 يلقي الضوء من زاوية جديدة على اختفاء الصدر، "فربما رأى رجال الدين القائمين على الثورة الاسلامية في إيران، والذين قادهم حينها آية الله الخميني من منفاه الباريسي، في موسى الصدر تهديدًا لثورتهم"، مؤكدًا وجود اتصالات سرية بين الشاه والصدر، على الرغم من توتر علني في العلاقة بينهما، "وربما كان الشاه يرغب في عودة الصدر إلى إيران ليحبط طموح الخميني في أشهر ما قبل الثورة، ولو تم هذا الأمر لكان تغيّر مسار التاريخ في إيران".
&
&
الصدر والشاه
&
يقول غلادستون إن كوبر يحشر في كتابه أدلة كثيرة، تشي بعدم ثقة موسى الصدر بالخميني، فكان يصفه بأنه "مجنون خطر" متجاوزًا علاقات النسب بينهما. وبحسب كوبر، أخبر الصدر الشاه بعدم ثقته بالخميني. وينسب غلادستون إلى كوبر قوله الكتاب بذلك ينسف فرضية قائمة إلى اليوم، مفادها أن الصدر أيد الخميني ضد الشاه.
&
ويشير تقرير نيويورك تايمز إلى كوبر استقى معلوماته عن الإمام الصدر المختفي من مقابلات كثيرة أجراها مع عائلة الشاه، ومع رجال دين سابقين في إيران، ومع مستشارين سابقين كانوا على علاقة وثيقة بالشاه، ما أعاروا هذه القضية اهتمامًا أو سكتوا عنها. يقول كوبر: "كان الشاه مستعدًا لمفاوضة موسى الصدر، وكان ذلك ليشكل أملًا كبيرًا لتعايش التشيّع والحداثة. لكن اختفاء الصدر أطفأ جذوة ذلك الأمل، وعبّد الطريق أمام تشيع متطرف ثوري في إيران".
&
ويتناول كوبر خيوط المؤامرة التي استهدفت الصدر، فيصفها بالمثيرة، فالنظرية السائدة حتى الساعة هي أن القذافي دعاه إلى طرابلس الغرب، وأمر باختطافه مع رفيقيه وبقتلهم، وأن القذافي ربما تصرف على هذا النحو بناء على طلب من رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات آنذاك، وكان غاضبًا من الصدر الذي عارض بشدة وجود قواعد فلسطينية في الجنوب اللبناني، حيث أغلبية السكان من الشيعة، بالقرب من الحدود اللبنانية – الإسرائيلية.
&
وثمة روايات أخرى عن تبرعات مالية أرسلتها ليبيا إلى حركة "أمل"، التي أسسها الصدر، ففقدت؛ وأخرى عن رؤية النظام السوري نفوذ الصدر في لبنان عقبة أمام طموحه ضم لبنان أو البقاع اللبناني؛ واخرى عن خسارة الصدر صراعًا شيعيًا داخليًا على السلطة في لبنان؛ وأخرى أيضًا عن تآمر الشاه عليه وقتله.
&
دور إيراني
&
يقول غلادستون إن القذافي أصر دائمًا على أن الصدر ومرافقيه غادروا ليبيا إلى إيطاليا، خلافًا لنفي المحققين الإيطاليين في هذه المسألة. وفيما يتوقع أن يرى الإيرانيون الكتاب استرجاعًا للتاريخ، يقول مختصون في تاريخ الشرق الأوسط إن التعاون بين الصدر والشاه كان محتملًا. كان أوغستس ريتشارد نورتون، الأستاذ في جامعة بوسطن، أحد مراقبي الأمم المتحدة في لبنان في ثمانينيات القرن الماضي، وهو نشر كتابًا عن حركة "أمل" في عام 1987، كتب فيه: "سمعت عن دور إيراني في اختفاء الصدر، وأعتقد أن الصدر تقارب مع الشاه، وكان يحصل على تمويل منه".
&
ويقول كوبر إن المعلومات التي في كتابه بشأن اتصالات بين الصدر والشاه لم تنشر، ومنها تحذير أرسله الصدر إلى الشاه يحذره فيها من محاضرات الخميني الهدامة.
&
وبحسب الصحيفة الأميركية، كان معروفًا أن الشاه حاول التوصل إلى حل سياسي مع رجال الدين المعتدلين في إيران، "والجديد هو أن هؤلاء المعتدلين حاولوا تقديم استراتيجية تساعدهم على التغلب على الخميني، وكانت إحدى الأفكار المطروحة أن يعود موسى الصدر إلى إيران".
&
وتذكر الصحيفة أن هذه المعلومات مأخوذة بشكل جزئي من علي كاني، مستشار الشاه وصديق طفولة الصدر، وهو ثمانيني ويعيش اليوم في أوروبا.
&
وفي تموز (يوليو) 1978، راسل الصدر الشاه عبر عميل إيراني في بيروت، يعرض عليه التحدث إلى الخميني نيابة عن الشاه، وإرضاء المعارضين في المؤسسة الدينية، بحسب الكتاب الذي يذكر أيضًا أن الشاه وافق على إرسال مبعوث عنه ليقابل الصدر في ألمانيا الغربية في أيلول (سبتمبر) من العام نفسه، لكن ذلك اللقاء لم يحصل، "فالعقيد القذافي رتب لقاءً في آب (أغسطس) بين الصدر و آية الله محمد بهشتي، كبير مستشاري الخميني والمنظم الرئيس للتمرد ضد الشاه".
&
&
الخميني انتصر!
&
يقول غلادستون في نيويورك تايمز إن الصدر سافر من لبنان إلى ليبيا ومعه مستشاره الشيخ محمد يعقوب والصحافي اللبناني عباس بدر الدين، وانتظروا أيامًا في أحد فنادق طرابلس الغرب من دون جدوى، حتى فرغ صبر الصدر وقرر المغاردة في 31 آب (أغسطس) من دون لقاء بهشتي، وإلى هنا لا اختلاف على الرواية، لكن ما حصل بعد ذلك بقي في علم الغيب.
&
تستعين نيويورك تايمر بكتاب "الجاسوس الصالح " (The Good Spy)، الصادر في عام 2014، والذي يروي سيرة روبرت أميس، المسؤول عن مكتب وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) في بيروت في ذلك الوقت. يقول الكتاب إن الصدر ومرافقيه شوهدوا في قاعة كبار الشخصيات في مطار طرابلس الغرب وقد اعتدى عليهم رجال القذافي وحملوهم في سيارة، وأن بهشتي اتصل بالقذافي وطلب منه منع الصدر من المغادرة لأنه عميل للغرب.
&
ويرد في كتاب كوبر: "علم الشاه باختفاء الصدر، فأرسل علي كاني ليستقصي الخبر من الزعماء العرب، فعلم كاني أن الصدر قتل بأوامر من القذافي"، مستشهدًا بقول ينسبه كاني إلى الرئيس المصري الراحل أنور السادات، مفاده أن مصادره الاستخباراتية أنبأته بأن العقيد القذافي وضع جسد موسى الصدر في صندوق، وغلفه بالأسمنت، وأسقطه من مروحية في مياه المتوسط.
&
ويقول كوبر في كتابه: "أخبر كاني الشاه بذلك، فغضب غضبًا شديدًا، وارتمى جالسًا في كرسيه 10 دقائق". فلا شك في أن الشاه أدرك في تلك اللحظة أن الخميني قد انتصر.

&