على امتداد عقود، جمع العلماء أدلة تؤكد وجود هذه الموجات، ولكنهم لم يلتقطوها مباشرة طيلة السنوات السابقة. وكانت هذه الموجات الجزء الأخير من نظرية النسبية العامة، الذي لم يتحقق العلماء من صحته، إلا الآن، بإلتقاط موجات الجاذبية الناجمة من تصادم ثقبين أسودين.

&
إعداد عبدالاله مجيد: توقع ألبرت آينشتاين في نظرية النسبية العامة وجود جانب معتم للكون، وكان يعتقد أن هناك "موجات جاذبية" غير مرئية في بعدي المكان ـ الزمان، سببها أحداث هائلة تقع في الكون، مثل انهيار نجوم، وتصادم ثقوب سوداء، وربما حتى الانفجار الكبير، الذي بدأ به نشوء الكون.&
&
بداية علم الفلك
استخدم الفلكيون منذ مئات السنين التلسكوبات الضوئية لدراسة الكون، وشهد هذا المجهود تطورًا كبيرًا في منتصف القرن العشرين، ببناء أجهزة رصد، وآلات قياس، تتحسس كل الأشكال التي قد يتخذها الضوء، من الطيف الكهرومغناطيسي إلى أشعة غاما والإشعاعات الأخرى. &&
&
لكن اكتشاف موجات الجاذبية يمثل الخطوة الأولى في دراسة الكون، من خلال طيف هذه الموجات، الذي يوجد بصورة مستقلة عن الضوء، وبذلك إمكانية رصد آثار الجاذبية أثناء انتشارها في الكون مباشرة. وقال علماء إن الاكتشاف هو الصفحة الأولى في فصل جديد تمامًا في علم الفلك. &
&
تعود بداية الاكتشاف إلى أيلول/سبتمبر الماضي حين التقط جهازان عملاقان في ولايتي واشنطن ولوزيانا الأميركيتين يشكلان مرصد "ليغو" موجة جاذبية عابرة، نتيجة تصادم ثقبين أسودين هائلين في مجرة تبعد مليار سنة ضوئية عن الأرض. ويتألف مرصد "ليغو" من ذراعين متعامدتين داخل نفق من الخرسانة، طول كل ذراع 4 كلم، وحزمة من أشعة الليزر، تنعكس في الاتجاهين بمرايا في نهايتي كل نفق.&
&
بعد اكتشاف موجات الجاذبية التي تنبأ بها آينشتاين
رؤية نشوء الكون في لحظة الانفجار الكبير باتت ممكنة
&

نمط تداخل
وحين تمر موجة جاذبية تتسبب بتمدد المكان وتقلصه، حسب نظرية آينشتاين في تمدد وتقلص الذراعين بصورة متبادلة، حيث تتمدد ذراع، فيما تتقلص ذراع أخرى وبالعكس. وحين تغيّر الذراع طولها، يختلف الوقت الذي تستغرقه أشعة الليزر للمرور فيها. ويعني هذا أن الحزمتين لا تعودان "متساويتين" إحداهما مع الأخرى، وينتج من ذلك ما يسميه العلماء "نمط تداخل".&
&
تكون التغييرات في طول الذراعين ضئيلة للغاية، تبلغ أجزاء من قطر الذرة، لأن الإشارة الآتية من موجة الجاذبية في الكون تكون في منتهى الصغر حين تصل إلى الأرض.&
&
علاوة على صعوبة التقاط هذه الإشارة، تزداد العملية تعقيدًا بكل أشكال الاضطرابات، التي تحدث في موقع المرصد "ليغو"، من اهتزاز الأرض إلى تقلبات الشبكة الكهربائية، بل حتى "ضوضاء" الآلات، التي يمكن أن تحاكي الإشارة الحقيقية الآتية من الكون أو تطغى عليها. &
&
إثبات الثقوب السوداء
لتحقيق الحساسية الفائقة، بمعزل عن هذه الاضطرابات، جرى تحديث كل جانب تقريبًا من تصميم المرصد بجهازيه العملاقين خلال السنوات القليلة الماضية. وكتب مارتن هندري أستاذ الفيزياء الفلكية الجاذبية ودراسة الكون في جامعة غلاسكو البريطانية وعضو فريق العلماء البريطانيين في مرصد "ليغو" على موقع "سي إن إن" التلفزيونية الإخبارية إن كتلة الثقبين الأسودين اللذين تصادما تزيد 29 و36 مرة على التوالي على كتلة الشمس، وإن هذا كان أول دليل مباشر على وجود الثقوب السوداء وعلى إمكانية وجودها في منظومة ثنائية وإمكانية تصادمها واندماجها.&
&
أتاحت مقارنة ما جمعه العلماء من بيانات مع توقعات آينشتاين، وما إذا كانت نظريته في النسبية العامة تصف مثل هذا الاصطدام وصفًا صحيحًا. وقال البروفيسور هندري إن توقعات آينشتاين ونظريته اجتازت الاختبار بنجاح باهر. &
&
وحدث اندماج الثقبين الأسودين على بعد أكثر من مليار سنة ضوئية عن الأرض، ليسفر عن تحويل ما يزيد ثلاث مرات على كتلة الشمس إلى طاقة خالصة على شكل موجات جاذبية. وخلال جزء من الثانية كانت الطاقة المشعة من هذه الموجات تزيد عشر مرات على القوة الضوئية لكل النجوم والمجرات الموجودة في الكون المرئي مجتمعة. وكان هذا حدثًا كونيًا هائلًا، وقع في مجرة نائية في عمق الكون.&
&
تمهيد لدراسات أوسع
لكن هدف الاكتشاف لم يكن اختبار نظرية آينشتاين فحسب، بل إنه يساعد العلماء على دراسة أركان الكون القصوى، بما في ذلك الثقوب السوداء والنواة الداخلية للسوبرنوفا (المُستَعِر الأعظم أو الطارف الأعظم وهو نجم متفجر)، والبنية الداخلية للنجم النيوتروني، وكلها مناطق لا تراها التلسكوبات الكهرومغناطيسية.&&
&
يعترف العلماء بأنه من الصعب القول ما إذا كان بمقدورهم تطويع موجات الجاذبية لاستخدامها في تطبيقات عملية أو اكتساب معرفة جديدة عن الكون الداكن تساعدهم على قياس مجالات الجاذبية، بل وحتى استغلالها، كما في روايات الخيال العلمي. &
&
لكن دروس التاريخ تبيّن أن الظواهر الجديدة التي يكتشفها العلماء تؤدي إلى تطوير تكنولوجيات جديدة تدخل في حياتنا اليومية. وقد يستغرق ذلك بضعة قرون، ولكن البروفيسور هندري من جامعة غلاسكو يقول إنه واثق من أن الشيء نفسه يصحّ على اكتشاف موجات الجاذبية. &
&
&