نور الدين مفتاح -&رئيس تحرير أسبوعية " الأيام " و"الأيام 24"

في يوم مشمس من أيام الربيع اتصل بي قيدوم الصحافيين الصديق حسن العلوي بمكتبي ليخبرني ان ذ. عثمان العمير يريد ان يقابلني. كنت رئيس تحرير أسبوعية مغربية مشاغبة تدعى "الصحيفة"، فما عسى هذا الرجل الذي كان من أكثر الصحافيين قربا من الراحل الحسن الثاني يريد من عبد ضعيف الى الله مثلي؟

كان المغرب يعرف انتقالا سلسا للعرش الذي جلس عليه قبل سنتين آنذاك الملك محمد السادس وكانت فورة حرية غير مسبوقة تلعب بألبابنا وتلهب أحلامنا، وكنا في صحفنا نكسر جرّات المحرمات جرة بعد أخرى وكانت أقلامنا تحفر أسس الصحافة المستقلة مما زاد هذه الصحافة انتشارا وملأنا نحن زهوا.

بعد كلمات دافئة من السي عثمان- وهكذا ننادي في المغرب من نرفع الكلفة بيننا وبينهم حبا- انخرطنا بباحة فندق وسط كازابلانكا في حديث سأفهم من خلاله ان جليسي أخطأ وجوديا زمانه، وأنه الأخ الشقيق للتمرد، وعموما بعد توالي اللقاءات بيننا بكازابلانكا ومراكش والصخيرات ولندن ودبي سأتأكد أن السي عثمان لم يكن ينقصه الا علم ونشيد وطني لترسيم الدولة العميرية باقتصادها المعروف وسفاراتها والاهم هو أحلامها. ومن ضمن أكبر الأحلام وأكثرها "جنونا" قبل 16 سنة كان هو تأسيس أول صحيفة الكترونية في العالم العربي وقيادة اول ثورة على الصحافة الورقية بما يعنيه ذلك بالنسبة للسي عثمان من قتل للأب وهو الذي اقتاد المجد في الورقي يوم لم تكن لا فضائيات ولا رقميات ولا هم يحزنون.

الحلم في سنة 2000 أراده السي عثمان حقيقة تمشي بعد سنة على أبعد تقدير، وتعاقدت معه على المشاركة في الثورة وكان حاسما في رغبته ان يكون مركز الجريدة العربية الالكترونية هو المغرب لان السي عثمان لم يكن سعودي الجنسية ومغربي الهوى فقط، بل كان شوفينيا في مغربيته، وكيف لا وهو الذي تشبع بكتابات محمد عابد الجابري وصادق الروائي العالمي محمد شكري الى حين وفاته، وجالس الحسن الثاني وعرف عن قرب كبار مستشاريه وعديد من الوزراء وجمهرة من المثقفين وعدد لا يحصى من المغاربة من كل الافاق.

في مكتب فسيح بشارع الزرقطوني بالدار البيضاء تكونت خلية نحل من الصحافيين التي بدأت تشتغل على المشروع وتهيئ المواد التحريرية وهي تتدرب على تقنيات الكتابة الالكترونية والتفاعل مع الجمهور، وكان شرط الناشر هو أن يكون الصحافيون من الأبكار الذين لم يسبق أن اشتغلوا في الصحافة الورقية لسبب وجيه بالطبع وهو ان يبدأوا الجديد بدون عادات القديم، وانطلقت الرحلة بأسماء فتحت لها "إيلاف" أبواب النجاح حتى قبل أن تطلق رسميا! وأذكر الزميل مصطفى العسري الذي أصبح واحدا من ملاك أكبر شركة إنتاج تلفزيوني بالمغرب وأحمد نجيم صاحب واحد من المواقع الإخبارية الأكثر تأثيرا ويونس خراشي أحد ألمع الاقلام في الصحافة الرياضية المغرب والحسين المجدوبي الباحث في جامعة غرناطة بعد حصوله على الدكتوراه واللائحة طويلة.

لأسباب متداخلة لم يكتب لـ"إيلاف" الانطلاق من مكان التأسيس وركب الحلم باخرة الرحيل من غرب التوسط إلى شرقه والبقية معروفة هي احتفاء مستحق بتجربة معبرة عن رؤية وبعد نظر مبدعها، وعلامة حياة في فضاء صحافي تملأه روائح الموت.. والسؤال الاخطر اليوم هو هل هذا الموت المتربص بقبيلتنا الإعلامية هو خاص بالورقي ام انه ينذر بنهاية الصحافة كصحافة ما دام الشيخان غوغل وفايس بوك رضي الله عنهما في طريقهما لتجفيف منابع الإعلان التجاري في العالم وبالتالي قتل الصحافة الالكترونية؟

سؤال نتمنى ان يكون موضوع ندوة دولية تنظمه جريدة "إيلاف" بمدينة مراكش ان شاء صديقنا العزيز ذ. عثمان العمير، مع رجاء آخر هو أن لا يرتكب السي عثمان ما لا يغتفر وأن يكتب سيرته الحياتية ليس كجزء من تاريخ الصحافة العربية المعاصرة فقط ولكن كشهادة على خبايا صناعة القرار العربي في العقود الحرجة الماضية وهي أيضا قصة نجاح تستحق أن تروى وباكورتها "إيلاف" امد الله في عمرها وفي عمر مؤسسها وكل عام وشعب "إيلاف" بخير.