أحمد قنديل من دبي: أكد مشاركون في أولى فعاليات الفيدرالية العربية لحقوق الإنسان أن الوطن العربي يواجه إرهابًا فكريًا يتمثل في العديد من صور وأشكال العنف والقتل وتهديد حالة الأمن والسلام، لاسيما مع ما تمر به العديد من الدول العربية من اضطرابات سياسية وأمنية وصلت في العديد منها إلى حالة النزاع والصراعات المسلحة التي مثلت تهديدًا كبيرًا وحقيقيًا للحق في الحياة والأمن والتنمية، وتسببت في حدوث انتهاكات واسعة وخطيرة لحقوق الإنسان. مؤكدين أن إيران تؤجج الصراعات والنزاعات الطائفية في الخليج وأن الصهيونية وولاية الفقية والإخوان هم جذور الإرهاب في المنطقة.
&
نشر السلام والتسامح

استعرض المشاركون خلال الندوة التي عقدت بقصر الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بجنيف، تحت عنوان "الإرهاب والأمن الإنساني في المنطقة العربية"، دور المنظمات غير الحكومية في مواجهة هذا التهديد وإسهاماتها في بناء وتنفيذ الخطط والاستراتيجيات الخاصة بمواجهة الإرهاب، ونشر قيم السلام والتسامح بالمجتمعات، واستعراض فرص التكامل والتعاون بين المنظمات الدولية ومع الحكومات والهيئات الأممية لمواجهة خطر الإرهاب وحماية الأمن الإنساني للفرد والمجتمع في إطار منظومة متكاملة لحماية المجتمعات المدنية وضمان تمتعها بحقوقها في الأمن والسلام والتنمية.

وقد عنيت الندوة التي نظمتها الفيدرالية العربية لحقوق الإنسان بتعزيز قيم حقوق الإنسان، وهي تأتي في إطار مشاركة الفيدرالية بالدورة الثالثة والثلاثين لمجلس حقوق الإنسان، وحضرها عدد من المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية الغربية والإقليمية، بالإضافة إلى مجموعة من الناشطين والمختصين والمهتمين في قضايا حقوق الإنسان في الوطن العربي.
&
إيران تؤجج الصراعات والنزاعات الطائفية في الخليج

أدار الندوة الدكتور هادي اليامي، رئيس لجنة حقوق الإنسان العربية عضو الفيدرالية العربية لحقوق الإنسان، وتحدث عمّا يواجه الوطن العربي من تحديات كبيرة في مجال تعزيز الأمن الإنساني العربي، والدور الذي تمارسه إيران لتأجيج الصراعات والنزاعات الطائفية بالوطن العربي، واستهداف العديد من الدول العربية بخلاياها وعملياتها الإرهابية التي امتدت إلى أبعد من محيطنا العربي، رغم حرص الدول العربية على العمل وفقًا لمنظومة إقليمية ودولية تهدف إلى نشر السلام والتسامح وإنهاء الصراعات والحروب بالعالم، والسعي لتحقيق العدالة والتنمية بعيداً عن العنف والإرهاب بجميع صوره وأشكاله.
&
ريتشارد بورتشيل: الإرهاب التحدي الأكبر الذي يواجه العالم

ركزت الندوة على ثلاثة محاور رئيسية، حيث تناول الدكتور ريتشارد بورتشيل، رئيس قسم الأبحاث في مؤسسة ترندز للبحوث والاستشارات المحور الأول منها والخاص (بجذور الإرهاب وارتباطه بالفكر المتطرف وتهديده للأمن الإنساني، واستعرض خلالها ما يمثله الإرهاب من تهديد للأمن الإنساني العالمي، وارتباط الإرهاب بجذور فكرية أو عقائدية أو أيديولوجيات قائمة على العنف ورفض الآخر، مشيرًا إلى أن الإرهاب يعد التحدي الأكبر الذي يواجه العالم في سبيل تعزيز حقوق الإنسان وإقامة دولة المؤسسات والقانون.
&
تهديد كرامة الإنسان

وأكد بورتشيل أن على الدول أن تتخذ إجراءات صارمة للتصدي للإرهاب في إطار قيامها بدورها في حماية مجتمعاتها وأنظمتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية. مستطرد في هذا الصدد ما تسببه الأعمال الإرهابية من أضرار للممتلكات ومن تهديد لكرامة الإنسان، وما تتسبب فيه من وضع المجتمع تحت تأثير الخوف بشكل دائم.

كما أشار إلى المعايير والضوابط التي ينبغي على الحكومات الالتزام بها لمواجهة هذه الأعمال الإرهابية، بما لا يتسبب في تقليص الحقوق والحريات التي يجب أن يتمتع بها المدنيون، وأن لا تشوبها أية انتهاكات تتعلق بمصادرة الحقوق الأساسية أو تجاوزات ترتبط باستخدام السلطة، مع ضرورة الموائمة بين الإجراءات الشرطية والعقابية في إطار الالتزامات الدولية التي أطرتها التشريعات الدولية المعنية بحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، بما يحقق للمجتمع التمتع بحقوقهم وحرياتهم، ويمكن الدول من القيام بمسؤولياتها الأساسية في تعزيز وصيانة الأمن الإنساني.
&
وقف تهديد الإرهاب للأمن الإنساني

وفي ورقتها التي تناولت فيها "الإرهاب وتهديد لحالة حقوق الإنسان والأمن الإنساني"، شددت الدكتورة وسام باسنوده، رئيسة المبادرة العربية للتثقيف والتنمية وعضو الفيدرالية العربية لحقوق الإنسان، على أهمية مواجهة الإرهاب ووقف تهديد لمنظومة الحقوق والحريات التي ناضل العالم من أجل تحقيقها والتمتع بها، وضرورة العمل على ضمان الأمن الإنساني سبيلاً لتعزيز الحقوق والحريات التي نصت عليها التشريعات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، مشيرة إلى أن ما تواجهه العديد من الدول العربية يؤكد على أن الإرهاب مصدر إلينا وإننا بالوطن العربي ضحايا للإرهاب ولسنا مصدرين له.
&
الإرهاب الفكري والديني يمثل تهديدًا عربيًا

وتطرقت إلى ما تمثله بعض الدول والتنظيمات الإقليمية من تهديد للأمن الإنساني العربي، لاسيما بسوريا والعراق واليمن والبحرين، وهو ما يمثل تهديداً عربيًا كبيرًا يجب أن تتم معالجته في إطار إقليمي عربي ودولي، وأن تتضافر وتتعزز الجهود العربية لمواجهة الإرهاب الفكري والديني من حيث جذوره الفكرية وامتداداته السياسية والإقليمية والعسكرية التي أسهمت في إثارة العديد من الصراعات والنزاعات المسلحة بكثير من الدولة العربية، وهو ما عرض حالة حقوق الإنسان للتراجع بشكل خطير من تجاوز أعداد القتلى من هذه الصراعات مئات الآلاف من المدنيين، وتشريد الملايين من المدنيين وتعطيل جميع صور التنمية وتوقف الأنظمة المتعلقة بالتعليم والصحة في هذه البلدان. كما أكدت على وجوب التزام الدول والحكومات عند مواجهتها للإرهاب بعدم تجاوز قيم ومبادئ حقوق الإنسان.
&
إرهاب التكفير والتحريض

وأكدت باسنودة وسام أن الإرهاب لا يقتصر فقط على العمليات الإرهابية فحسب، ولكن عمليات التكفير والتحريض والتشويه تعتبر كذلك عملاً من أعمال الإرهاب، لاسيما التحريض الطائفي الذي يأتي من جماعات خرجت من عباءة الإسلام السياسي وتتزعمها اليوم دولة جارة تحرض على العنف الطائفي، واستهدفت بشكل فاضح الوطن العربي ليصبح ضحية هذا النوع من الإرهاب.
&
لا حقوق بلا أمن

من جهته، قال عيسى العربي، الأمين العام للفيدرالية العربية لحقوق الإنسان، في ورقته التي تناول فيها "جذور وأسس الإرهاب الديني بالوطن العربي"، حيث أوضح العلاقة التي تربط منظومة الحقوق والحريات التي يجب أن يتمتع بها الإنسان، بالأمن الإنساني، مستطردًا في هذا المجال بتوضيح الإشكالية المتعلقة بمفاهيم العلاقة بين "الحقوق والأمن"، وما أفرزه الواقع من تحديات منذ نهاية الحرب العالمية الثانية إلى ما يواجه العام اليوم من تهديد عالمي حقيقي يتمثل في الإرهاب، وهو ما أفرز تأكيدًا لتأصيل العلاقة بين الحقوق والأمن، تقوم على مفاهيم وأسس توفير الأمن كسبيل لضمان توفير الحقوق والحريات وفق مقولة "لا حقوق بلا أمن"، مؤكدًا في هذا المجال على أهمية الأمن الإنساني كأساس للمحافظة على أمن المجتمع وسلامته وضمان تمتعه بكامل حقوقه وحرياته، إذ لا يمكن أن يتم بناء وتعزيز منظومة مستقرة ومتكاملة لحقوق الإنسان إلا في ظل مجتمع آمن ونامٍ.
&
الدولة الدينية نتاج القوى الاستعمارية

كما تطرق العربي في ورقته إلى الجذور التاريخية للإرهاب بالوطن العربي، والتي بدأت بوعد بتقسيم الوطن العربي وزرع الاحتلال الصهيوني بدولة فلسطين العربية، وهو ما تطلب خلق وإيجاد بيئة حاضنة لهذا الاحتلال ولمنع أية مشاريع وحدوية تسعى لإقامة وحدة عربية متكاملة، حيث سعت القوى الاستعمارية إلى خلق الأنظمة والجماعات وفقاً لنظرية الدولة الدينية وليست الإسلامية، التي تسعى إلى الخلط بين الفكري الديني والنظام السياسي وتسخير الأيديولوجيات الطائفية والمذهبية سبيلاً لتعزيز اختراق المجتمعات والوصول إلى السلطات.
&
ولاية الفقية والإخوان: جذرا الإرهاب الثاني والثالث

وأشار إلى ما يمثله الإرهاب الديني من تهديد للأمن الإنساني العربي، والمتمثل في (دولة ولاية الفقيه) الإيرانية، وجماعة الإخوان المسلمين، مستعرضًا العلاقة التاريخية والتنظيمية التي تجمع كلا التيارين، والتي أبدت مع نهاية العقد الثالث من القرن الماضي بلقاء قادة التيارين، وتشكيل (دار التقريب بين المذاهب الإسلامية)، والتي تحولت اليوم إلى (الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) ليكون مظلة للعمل المشترك بين كلا التيارين. مستعرضًا المنعطفات التاريخية الأربعة لهذه العلاقات المتزاوجة بين دولة "ولاية الفقيه" وجماعة "الإخوان المسلمين"، وطبيعة التنظيم التي تؤطر عمل وحراك كلا التنظيمين، والتي تقوم على مرجعية وفلسفة واحدة تمتد تاريخيًا إلى جمال الدين الأفغاني، وما تلاه من أفكار تمثلت في القيادات الروحية لكلا النظامين، متمثلة في محمد نواب صفوي "الأب الروحي" ثم لآية الله الخميني "المرشد" (لدولة ولاية الفقيه)، وإلى محمد عبده "الأب الروحي"، وامتدت لحسن البنا "المرشد" (لجماعة الأخوان المسلمين)، والذين قامت القوى الاستعمارية والبريطانية تحديداً بتمويلهم ودعمهم لتنفيذ مخططاتهم الاستعمارية القائمة على تمزيق الوطن العربي وهدف أسس وحدته وتنميته، قبل أن تقوم أميركا بدعم تلك التيارات الإرهابية في إطار تعزيز مواقفها خلال الحرب الباردة، والاستعانة بها لتكون حائط صد لوقف المد الشيوعي بالمنطقة.
&
تصدير الثورة

كما تطرق الأمين العام للفيدرالية العربية لحقوق الإنسان إلى ما تنتجه إيران الدولة من نظرية "تصدير الثورة"، وجماعة الأخوان من خلال "التربية والحراك المجتمعي"، القائمة على أفكار ومبادئ سيد قطب التي يعتمدها كلا التيارين كمنهج لحراكه السياسي والتنظيمي. وانتهى إلى ما تمثله إيران الدولة من تهديد للأمن الإنساني العربي، من خلال التزامها بمفاهيم تصدير الثورة واعتمادها على جماعاتها الإرهابية وقواتها العسكرية في إثارة الصراعات والنزاعات المسلحة، التي هددت الأمن الإنساني العربي بشكل كبير، كما أوضح الدور الذي لعبته حركة الإخوان المسلمين في إثارة الصراعات والنزاعات المسلحة في الوطن العربي، ودورها في بروز التيارات الفكرية والدينية المتطرفة التي استهدفت الوطن العربي بعملياتها وأنشطتها، مؤصلاً في هذا المجال الكثير من الحركات الإرهابية مثل حب الله والقاعدة وداعش وخلايا الحشد الشعبي وجماعة الحوثيين، ودورهم في تهديد الأمن الإنساني العربي.
&
أكبر تنظيم حقوقي عربي

وتهدف الفيدرالية العربية لحقوق الإنسان بأبو ظبي من إقامة هذه الندوة إلى تعزيز حضورها الدولي كأكبر تنظيم حقوقي عربي بعضوية تصل إلى 80 منظمة عربية ودولية معنية بقضايا حقوق الإنسان العربي، والى تسليط الضوء على القضايا، التي هي محل اهتمام وانشغال الفيدرالية، ولمشاركة المجتمع الدولي لها في هذا الاهتمام والانشغال، وقد شهدت الندوة حضوراً نوعياً ومتميزًا، تمثل في ممثلي المجتمع الدولي والمنظمات غير الحكومية المشاركة في هذه الدورة من اجتماعات المجلس، وممثلي وسائل الإعلام المعنية بقضايا حقوق الإنسان، خبراء دوليين في الإرهاب والأمن الإنساني.