يعتبر بورتريه الصحافية الالمانية سيلفيا فون هاردن للرسام اوتو ديكس من أهم اللوحات في العالم. 

ويكتب رجل الأعمال البريطاني ذو الأصل العراقي تشارلس ساتشي في عموده الاسبوعي في صحيفة الديلي تلغراف عن روائع الفن أن ديكس في برلين إبان العشرينات الصاخبة طارد فون هاردن في الشارع منادياً "يجب ان أرسمكِ! يجب بكل بساطة! فانتِ تمثلين عصراً كاملا". 

وإذ فوجئت فون هاردن ردت بهدوء "إذاً، أنت تريد ان ترسم عيني الباهتتين وأُذني المزينتين وأنفي الطويل وشفتاي الرفيعتين، تريد أن ترسم يديّ الطويلتين وساقيّ القصيرتين وقدميّ الكبيرتين اشياء ليس من شأنها إلا ان تخيف الناس ولا تسر احداً؟".

كانت فون هاردن الى جانب قسوتها على نفسها صحافية وكاتبة قصة قصيرة وشاعرة تمثل بصفة خاصة المرأة الطليعية الجديدة في زمن جمهورية فايمار. وكانت وقتذاك في الثانية والثلاثين من العمر. 

رسم ديكس بورتريه فون هاردن في مقهى "رومانيشيس" البوهيمي في برلين الذي كان يتردد عليه كتاب وفنانون ومفكرون وعارضات ازياء فيما كان مواطنون آخرون يعتبرونه "مقر الثورة العالمية". وكان الرسام ديكس يقضي الكثير من وقته في هذا المقهى. 

 

 

تبدو فون هاردن في بورتريه ديكس امرأة ذات ذوق متميز امامها كوكتيل وردي يتناغم مع سيجارتها ذات الطرف الوردي وخاتمها الكبير ذي الفص الوردي. وتوحي من حركة يدها كأنها تشعر بالضجر من حديث ممل. فالمرأة الجديدة ليست بالانوثة المعهودة وفون هاردن تتمرد بتسريحة شعر قصيرة رجالية عملياً. 

وإذ تعمدت فون هاردن ارتداء ملابس تموه قوامها بأشكال هندسية فان المونوكول الذي تضعه على عينها ويديها الكبيريتين يزيدان من مظهرها الخنثوي. ويقدم الفنان ديكس امرأة تقلب القوالب النمطية والجندرية على رأسها. وتشير جواربها المتهدلة الى انها امرأة مشغولة بأشياء أكبر من الطلة الأنيقة. 

قال ديكس مخاطباً موضوع لوحته "أنتِ رسمتِ ملامح شخصيتكِ ببراعة وهذا كله سيؤدي الى بورتريه يمثل حقبة ليست معنية بالجمال الظاهري للمرأة بل بحالتها النفسية". 

وفي حين ان فون هاردن كانت تعتبر من المفكرين الكبار فان كل ما جرى توثيقه عن حياتها وعملها يوحي بأنها كانت تقضي من الوقت في الدردشة في المقاهي وشرب الكوكتيلات وتدخين السجائر أكثر مما كانت تقضيه في الكتابة الفعلية. 

كانت فون هاردن تكتب عموداً ادبياً في مجلة "المانيا الفتاة" الشهرية ونشرت مجموعتين شعريتين في عامي 1920 و1927 ولكنها كانت تدبر معيشتها بكتابة المنشورات والمراجعات النقدية لما يستجد من اصدارات. وكان حكم البورجوازيين على فون هاردن قاسياً واصفين غالبية نتاجها بأنه يكشف عن "عاطفية عاهر" بلا أي جاذبية. 

كان الرسام اوتو ديكس يرسم دراسات تشريحية وتخطيطات كاريكاتيرية لمن يجلسون امامه ثم يشتغل في محترفه على اللوحة النهائية. وكشفت فون هاردن لاحقا انه بدأ يرسمها بعملية تحضيرية أكثر تفصيلا من ذلك بكثير. وقالت انها كانت تجلس ساعات كل يوم لمدة ثلاثة اسابيع. "وقد يكون هذا سهلا للموديل المحترفة ولكنه كان متعباً لي أنا". 

واضافت فون هاردن انها حين رأت صورتها بعد ان انجزها ديكس "ادركتُ انه رسم لوحة غريبة جداً، لوحة حققت له الكثير من الاعتراف ولكنها استنزلت عليه الكثير من النقد ايضاً". 

اسلوب ديكس الفني وافكاره أكسبته الكثير من المعجبين وأوجدت له الكثير من الخصوم. وقالت عنه الفنانة ايلزة فيشر "انه يقع بين الطبقات فهو ناقد صريح للبورجوازية ولكنه لا يطيق الطبقة العاملة". 

النازيون لم يكونوا من المعجبين بديكس وأدرجوا اعماله في "معرض الفن المنحط" الذي اقاموه عام 1937 ومنعوه من اقامة معارض وحتى احرقوا بعض لوحاته. وفي عام 1933 طُرد من اكاديمية درسدن للفنون الجميلة حيث كان يعمل مدرساً. 

اعتكف ديكس في منزله على بحيرة كونستانس في منطقة الحدود بين المانيا والنمسا وسويسرا حيث امضى ما تبقى من حياته منفياً، كما كان يشعر. وبعد ان حُرم من رسم البورتريهات، موضوعه الأثير، بدأ يرسم المناظر الطبيعية دون ان يُشبع قط حاجاته الفنية التي كانت تتركز على المجتمع والشخصيات غريبة الأطوار. 

أعدت "إيلاف" هذا التقرير بتصرف عن "الديلي تلغراف". الأصل منشور على الرابط التالي:

http://www.telegraph.co.uk/art/artists/charles-saatchis-great-masterpieces-berlins-bohemians-degenerative/