«إيلاف» من الجزائر: توجت زيارة رئيس الوزراء الروسي دمتري ميدفيديف إلى الجزائر التي دامت يومين بالتزام الطرفين على تعزيز علاقاتهم الإستراتيجية والتوقيع على خمس اتفاقات للتعاون، ومواصلة تنسيقهما من أجل ضبط واستقرار سوق النفط الذي يظل أهم مورد لاقتصاد البلدين.

والتقى ميدفيديف في زيارته التي بدأها مساء الاثنين كبار المسؤولين الجزائريين بداية بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة ونظيره أحمد أويحيى ورئيسي غرفتي البرلمان عبد القادر بن صالح والسعيد بوحجة.

5 اتفاقات

وأشرف مديفيديف رفقة الوزير الأول الجزائري أحمد أويحيى على مراسيم التوقيع على خمس اتفاقات شراكة وتعاون ومذكرات تفاهم تخص قطاعات العدالة والصحة والتكوين المهني والمحروقات والطاقة النووية المدنية. 

 وفي تفاصيل الاتفاقات، تم الكشف أن الاتفاق الأول يتعلق بالتعاون والمساعدة القضائية بين البلدين، خاصة في المجال الجزائي، أما الثاني فهو اتفاق حول البرنامج التنفيذي للتعاون في مجال الصحة، كما تم التوقيع على مذكرة تفاهم في مجال الصيدلة بين الشركة الخاصة الجزائرية بيوماب والشركة الخاصة الروسية بيوكاد، وعلى اتفاق حول البرنامج التنفيذي للتعاون في مجال التكوين المهني.

و أهم اتفاق وقعه الجانبان مس قطاع المحروقات الذي شكل لسنوات مجالا للشراكة بين الجانبين، فقد تم التوقيع بالأحرف الأولى على مذكرة تفاهم بين مجمع سوناطراك الجزائرية والشركة الروسية ترونسنافت تخص التعاون في مجال القنوات ونقل المحروقات، إضافة إلى مذكرة تفاهم في مجال الطاقة النووية المدنية بين محافظة الطاقة الذرية الجزائرية والشركة الروسية روس-اتوم، والتي ستسمح بالتعاون تبادل الخبرات في هذا المجال بين البلدين، خاصة وأن الجزائر تبحث في السنوات القادمة على تنويع مصادرها الطاقوية خاصة الجديدة منها. 

 ويرى الكاتب الصحفي محمد لهوازي أن البلدين مطالبين اليوم بتوسع تعاونها إلى عدة قطاعات والعمل على أن يكون الميزان التجاري متوازنا.

وقال لهوازي لـ"إيلاف" إن " الأرقام المقدمة بمناسبة زيارة ميدفيديف إلى الجزائر حول العلاقات الاقتصادية بين البلدين تشير إلى ميل الميزان التجاري بنسبة كبيرة لصالح روسيا، حيث لا تصدر الجزائر سوى 5 ملايين دولار فقط نحو روسيا من مجموع أكثر من 540 مليون دولار حجم المبادلات التجارية الكلية". 

وأضاف "يطرح هذا الأمر حتمية إعادة النظر في توسيع المبادلات التجارية خصوصا من الجزائر نحو روسيا، رغم الصعوبات التي تواجه الطرف الجزائري وعلى رأسها النقل البحري والمنافسة العالمية الشرسة على الأسواق الروسية".

خطوة

بهدف دفع التعاون بين الشركات الروسية ونظيرتها الجزائرية، أعلن أحمد أويحي عن زيارة مرتقبة سيقوم بها رجال أعمال جزائريين إلى روسيا بغرض دراسة فرص التعاون والشراكة. 

وقال أويحيى في ندوة صحفية نشطها مع نظيره الروسي دميتري ميدفيديف "تم الاتفاق على إرسال وفد مكون من رجال أعمال من شركات جزائرية عمومية إلى روسيا لمواصلة المحادثات مع الشركاء الروس". 

وأشار أويحي إلى أن هذه الزيارة تندرج في إطار مواصلة تنفيذ مقررات اللجنة المشتركة للتعاون الجزائري الروسي التي عقدت دورتها الثامنة في سبتمبر المنصرم بالجزائر العاصمة، والتي "عبدت الطريق" لمحادثات حول عدة مشاريع شراكة وتعاون بين البلدين. 

أما ميدفيديف، فأشار إلى أن الاتفاقيات الموقعة "تفتح آفاقا واسعة" أمام الطرفين وتشكل "حافزا مهما جدا" لتجسيد جهودهما في تعزيز وتنويع تعاونهما.

وكشف رئيس الوزراء الروسي عن وجود مشاريع قيد التطوير بين الطرفين في مجالات صناعة الحافلات والقطارات تضاف لمشروع لإنتاج هياكل السيارات في المصانع الروسية التي تستخدم في تركيب السيارات في الجزائر. 

وقال ميدفيديف "أغلبية مداخيل الجزائر تأتي بفضل عائدات الغاز والنفط، وهو الإشكال نفسه الذي تعاني منه روسيا، لذلك نسعى لتنويع اقتصادياتنا وإيجاد آليات جديدة للتعاون الاقتصادي الثنائي". 

 ولفت الكاتب الصحفي محمد لهوازي في حديثه مع "إيلاف" إلى أن مستقبل التعاون الاقتصادي بين البلدين وتطويره مرتبط بتسهيل الإجراءات الإدارية أمام المستثمرين، خاصة من جانب الطرف الجزائري.

وأردف قائلا " أعتقد أنه ما لم تقم الحكومة الجزائرية بالتخلص من العراقيل البيروقراطية التي تضعها أمام المصدرين خصوصا لتوسيع نشاطاتهم واستهداف السوق الروسية التي لا تزال متلهفة للمنتجات الجزائرية، خصوصا الفلاحية منها (الخضر والفواكه)، فإن الوضع سيبقى على ما هو عليه، ولعل توقف تصدير مادة البطاطا نحو روسيا منذ السنة الماضية 2016 بسبب عدم التحكم في الأسعار أكبر دليل على ذلك".

تنسيق

التزم أويحيى وميدفيديف على مواصلة جهودهما لتحقيق استقرار سوق النفط التي تبقى تقلباتها تؤثر سلبا على مستوى النمو في البلدين. 

وأكد ميدفيديف أن "مواقف الجزائر وروسيا متطابقتين تماما حول خفض الإنتاج ،وفقا لما اتفق عليه في فيينا، وروسيا تريد مواصلة هذه المساعي والاستمرار في مناقشة القضية مع كل الدول المعنية". 

وبحسب ميدفيديف، فإنه من "المهم جدا متابعة تنفيذ هذا الاتفاق من طرف جميع الشركاء".

 وأشاد بالتزام الجزائر بمستويات الإنتاج المحددة ضمن هذا الاتفاق الذي "سيساعد على استقرار أسواق النفط وضبط الأسعار في حدود معقولة وهو ما سيرفع من المداخيل وبالتالي خلق فرص جديدة للنمو". 

أما أويحيى فأشار إلى أن "الحوار مستمر حول اتفاق فيينا بغرض ضمان تطبيقه واحترامه".

 ولم يخف أويحيى "سعادته" باللقاء الذي جرى مؤخرا بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والعاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود في شقه المتعلق بالمحروقات التي تشكل "مجالا حيويا" للجزائر. 

وقال أويحيى إن "المصالح الحيوية للبدلين متشابهة في مجال المحروقات كونها قاعدة أساسية في الاقتصاد الجزائري ولها وزن كبير أيضا في الاقتصاد الروسي". 

ويرجع الصحفي محمد لهوازي هذا التنسيبق المستمر بين البلدين في مجال الطاقة إلى العلاقات التاريخية بينهما التي تعود إلى "عقود طويلة حينما انخرطت الجزائر تحت لواء المعسكر الشرقي مباشرة بعد الاستقلال وتوطدت العلاقات أكثر خلال فترة السبعينيات، وهو الأمر الذي دفع بالبلدين إلى تعزيز التعاون في بعض المجالات منها العسكرية على وجه الخصوص وتمت ترجمة ذلك عبر إبرام الجزائر للعديد من صفقات التسلح وتحديث الترسانة الحربية مع الاتحاد السوفياتي سابقا ثم روسيا لاحقا". 

وأوضح لهوازي أن التنسيق والتعاون في مجال الطاقة يرجع أيضا إلى استثمارات بعض الشركات النفطية الروسية في الجزائر، كما يتم التشاور دوريا حول سوق النفط العالمية، خصوصا في الفترة الأخيرة مع اشتداد الأزمة النفطية العالمية، وكذا التماهي في المواقف حول قضايا الأمن ومكافحة الإرهاب ومختلف القضايا الإقليمية".