إيلاف من أبوظبي: بعد أعوام من العمل الدؤوب، كشفت الإمارات اليوم عن متحف اللوفر أبوظبي، أول متحف عالمي في المنطقة، ينفرد بسعيه إلى تسليط الضوء على أوجه التشابه بين الحضارات والثقافات المختلفة لنشر ثقافة التسامح والاعتدال وتقبل الآخر من مختلف أنحاء العالم. 

يفتتح اللوفر أبوظبي رسميًا أمام الزوار في 11 نوفمبر 2017، ويشارك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأربعاء في مراسم الافتتاح الرسمية. 

رسالة إلى العالم

يقول محمد خليفة المبارك، رئيس مجلس إدارة دائرة الثقافة والسياحة في الإمارات، لـ"إيلاف" إن اللوفر أبوظبي رسالة وثورة وثروة، "فهو رسالة تسامح وعلم وحوار، ترفعها الامارات في وجه التطرف والارهاب. وهو أيضًا ثورة فنية وثروة ثقافية، ودعوة للتواصل العالمي وتقبل الآخر المختلف، سواءً أكان هذا الآخر ديانة أم ثقافة أم مجتمعًا".

تماثيل
تماثيل "عين غزال" الأردنية حاضرة بافتتاح متحف لوفر أبوظبي

 

عازف الناي، إدوار مانيه، فرنسا، باريس، 1866، متحف أورسيه

 

ويقتبس المبارك من الشيخ محمد بن زايد قوله إن متحف اللوفر أبوظبي هدية من دولة الإمارات إلى العالم، ويستلهم من الرسالة التي تجسدها دولة الإمارات كأنموذج فريد في نشر قيم التسامح والتعايش السلمي ليقول إن متحف اللوفر أبوظبي "يجسد مفاهيم دولة الامارات، ويركز على السلام والتقبل والتقارب والتواصل العالمي"، واصفًا المتحف بأنه أول متحف عالمي في الوطن العربي يحمل زواره في رحلة عبر التاريخ، تبدأ مع بدايات الفن من "الفأس الحجري" من السعودية الذي يعود تاريخه إلى ملايين السنين، مرورًا بتمثال "عين غزال" من الاردن.

لكن، ما الذي يميز اللوفر ابوظبي؟ وما الرسالة التي يحملها إلى العالم؟ يقول المبارك إن المتحف يزخر بفكر التواصل، "حيث يرى كل زائر ومضة من تاريخه وتراثه وتراث بلدان أخرى، أما رسالته فتتجسد بالتواصل. ففكرة التواصل كانت حاضرة في متحف العين الذي انشأه الشيخ زايد في عام 1960، ويركز على التقارب بين الامارات وحضارات قديمة منذ آلاف السنين". 

 

القارئة المذغنه - رينيه ماغريت - فرنسا، بيرو سور مارن، 1928، ألوان زيتية على قماش (الكانفاس)، اللوفر أبوظبي

 

يختم المبارك: "لا تبدأ الاستراتيجية الثقافية في دولة الامارات بمتحف اللوفر ولن تنتهي عنده. عندنا متاحف كثيرة في العين وأبوظبي (قصر الحصن)، وفي نهاية العام سنبدأ بانشاء متحف الشيخ زايد الذي يعرف الناس على تاريخ الامارات".

أكبر الإنجازات

عشر سنوات من العمل الدؤوب يصفها مانويل راباتيه، مدير متحف اللوفر أبوظبي، بالـ "مغامرة"، ليضيف: "كلي فخر بهذا المتحف".

 

فتية يتصارعون، بول غوغان، فرنسا بونت آفين، 1888، اللوفر أبوظبي

 

وراباتيه ينظر إلى عقد مضى مستحضراً ذكريات جميلة، رافقت عملية تشييد البناء. فهو يتذكر في عام 2009، حين حضر مع لجنة مختصة إلى جزيرة السعديات، حيث أمضوا ساعات يجوبون الرمال بحثًا عن نقطة الارتكاز الحسابية الأنسب لتشييد قبة متحف اللوفر ابوظبي المميزة. يتذكر يوم رفعت القبة الضخمة على الدعائم، ويتذكر في العام الماضي يوم أزيلت السدود، فسمحت للمياه بأن تنساب محتضنة المبنى.

يرى راباتيه أن المتحف يحكي تاريخ البشرية من خلال مجموعة غنية بالتحف الأثرية النادرة والأعمال الفنية المميزة.

أما جون نوفيل، مصمم اللوفر ابوظبي، فيقول: "إن هذا الصرح الفني أفضل واكبر الانجازات في هذا العصر، أردته أن يكون منسجمًا مع الحاضر، وأن يشبه القرية او الحي أكثر ما يشبه المبنى المراد منه أن يضم فنًا عبر التاريخ".

 

صورة ذاتية، فينسنت فان غوخ، فرنسا، 1887، ألوان زيتية على قماش الكانفاس، متحف أورسيه

 

ويرى نوفيل أن المتحف مكان عام للتشاور وللحوار، «لذلك أردت إيجاد هذه المساحة محمية لتهب الناس شعوراً بالراحة، ومن هنا جاءت أهمية القبة لأنها تجمع مكونات المتحف الذي يشبه الحي الحقيقي مع ٥٥ مبنى في أغلبيتها متصلة بالقبة، وهذا يوجد مناخاً مصغراً وخاصاً». فالقبة التي تظلل أغلبية أجزاء المتحف، المكونة من ٨ طبقات، تتسلل الشمس بين أشكال الصلب الهندسي فيها.

تزن قبة اللوفر 7200 طن، أي ما يعادل وزن برج إيفل في فرنسا. هذه القبة الفريدة من نوعها التي تسمح بدخول الأضواء المستوحاة من سعف النخيل. وأراد نوفيل أن يكون هذا المتحف يشبه هذه المنطقة. استمد التصميم بعد بحث طويل عن تاريخ المنطقة التي أراد أن يكون هذا المتحف فيها يشبه المدينة الصغيرة. 

العالمي الأول

أبعد من الفن والثقافة، يسعى اللوفر أبوظبي إلى أن يكون لوحة تحاكي جميع الثقافات والديانات، يتردد صداها في المنطقة والعالم.

ثمة رسالة تريدها الامارات العربية المتحدة، مفادها أن هذه مساحة للحوار والتفاهم، وهذه رسالة للمستقبل. إنه مساحة للحوار صرحاً يتوافد اليه الزوار من مختلف انحاء العالم، ويشكل وجهة ثقافية للأجيال القادمة.

في صالاته التي تمتد على مساحة 6400 متر مربع، يعرض اللوفر أبوظبي 600 قطعة فنية منها الأثرية والعصرية، و28 تحفة مستعارة من المتاحف العربية (من السعودية والأردن وعمان) والمحلية، إضافة إلى 300 عمل مستعار من متاحف فرنسية، بينها متحف برانلي ومركز بومبيدو ومتحف دورسيه، وفرساي، وغيميه وغيرها.

 

«خيول الشمس تشرب» منحوتة من متحف قصر فرساي من الرخام الأبيض 

 

من القطع المستعارة، إقليمياً، لوح حجري يحمل نقوشاً كوفية تبين المسافة من مكة إلى الكوفة، وشاهد قبر من مكة المكرمة يعود تاريخه إلى ما بين 100 إلى 300 للهجرة (700 - 900م)، وهي من مقتنيات التراث الوطني في السعودية. ومن المتحف الوطني بسلطنة عمان، استعار اللوفر كنز "الوقبة": أكثر من 400 درهم فضي يعود بعضها إلى فترة الخلافة العباسية والبعض الآخر إلى فترة الدولة السمانية. ومن القطع المعارة إلى اللوفر تمثال حجري برأسين عمره 8000 عام، يسمى "عين غزال"، معار من دائرة الآثار العامة الأردنية. 

إلا أن أثقل قطعة في المتحف هي تمثال الفرعون المصري رمسيس الثاني، ويزن خمسة أطنان. والتمثال هذا مستعار من اللوفر باريس.

 

ويملك المتحف اكثر من 250 قطعة أثرية أو لوحات فنية. التحف متنوعة، أرادها القائمون على المتحف أن تكون رحلة في الزمان والمكان. ومن هذه المقتنيات تمثال خشبي باسم "أُولي" من إيرلندا الجديدة، وتمثال نحاسي مطلي بالذهب لـ"مايتريا" من نيبال، وتمثال نصفي لـ"الشهيد سانبيير" من إيطاليا، اقتناها اللوفر أبوظبي في عام 2014، في إطار استراتيجية المتحف لاقتناء مجموعة من أهم الأعمال الفنية، وفقاً لأعلى المعايير الخاصة بالمتاحف.

يفتح اللوفر أبوظبي أبوابه بين العاشرة صباحًا والعاشرة مساءً. أما التذاكر فثمنها ستين درهمًا، و30 درهمًا لمن تتراوح أعمارهم بين 13 و22 عاماً. إلا أن الدخول مجاني لمن هم دون 13 عاماً.