لا يزال لبنان يرزح برمته تحت وطأة الاستقالة التي تقدم بها رئيس الحكومة سعد الحريري، فيما تسيطر حالة من الارباك الشديد على مختلف القوى والأحزاب السياسية.

إيلاف من بيروت: ارخت استقالة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري بثقلها على الوضع الداخلي في لبنان، وتركت حالة من الإرباك السياسي غير المسبوق لدى جميع الأطراف، لا سيما تلك المشاركة في الحكومة المستقيلة، فيما أجمعت القوى السياسية اللبنانية على الدعوة إلى التهدئة على الساحة الداخلية.

رئيس الجمهورية ميشال عون يصرّ على التريث في قبول الاستقالة لحين عودة الحريري والاطلاع منه على الأسباب الموجبة التي دفعته نحو اتخاذ هذه الخطوة، فيما اتجه نحو اجراء مشاورات موسعة شملت غالبية القيادات والفعاليات السياسية والحزبية والدينية والدبلوماسية بهدف تقييم الوضع ومواكبة الأزمة الراهنة.

وعقد عون الاثنين اجتماعًا أمنيًا أشاد خلاله بتهدئة القوى السياسية للساحة الداخلية. وأكد وفق ما ورد في تغريدة على حساب رئاسة الجمهورية على "تويتر"، أن "تجاوب كل القيادات السياسية مع دعوات التهدئة يعزز الاستقرار الأمني ويحفظ الوحدة الوطنية".

وقال إن "الوحدة الوطنية تبقى الأساس للمحافظة على الاستقرار الأمني والسياسي في البلاد، وكل الجهود يجب أن تنصب على المحافظة على هذه الوحدة، لا سيما في الظروف الدقيقة التي يمر بها الوطن". 

غير نافذة

رئيس المجلس النيابي نبيه بري أكد أن الحكومة ما تزال قائمة، وأن إعلان الحريري استقالته بهذا الشكل لن يُغيّر من كامل أوصافها، مشيرًا إلى ان "اللبنانيين ورغم كل الازمات التي واجهتهم، استطاعوا ان يتجاوزوا كل الصعاب، متسلحين بوحدتهم وتحصين ساحتهم الداخليّة"، فيما نقل عنه زواره أنه بانتظار عودة الحريري لتثبيت الاستقالة، وإلا تُعتبر غير نافذة، موضحًا انّه عندما يستقيل وفق الاعراف والاصول تجرى استشارات التكليف والتأليف.

ولطالما كان تشكيل الحكومات في لبنان أمرًا صعبًا، لا سيما خلال السنوات الاخيرة مع الانقسام العميق السائد خصوصًا بين فريق الحريري المدعوم من السعودية وفريق حزب الله المدعوم من ايران. كما ان تقاسم الحصص الطائفية وتوزيع المناصب هو دائمًا محور خلافات وتجاذبات.

وكلف الحريري رئاسة الوزراء في نوفمبر العام الماضي في إطار اتفاق التسوية الذي أنهى ايضًا عامين ونصف عام من الفراغ الرئاسي. وشكل حكومته في نهاية العام 2016، وقد جمعت أطرافًا سياسية متناقصة أبرزها حزب الله، خصمه الأبرز.

ومن المفترض أن يشهد لبنان في مايو العام المقبل انتخابات نيابية تأتي ببرلمان جديد، بعد أن حالت الازمات السياسية المتلاحقة دون اجراء هذه الانتخابات منذ 2009. إلا أن البعض يخشى أن تكون تبعات استقالة الحريري وضعت الاستحقاق الانتخابي في مهب الريح.

ووسط خشية من أن تؤجج الاستقالة الوضع اللبناني الهش والمعقد، سعت القوى السياسية اللبنانية إلى تدارك الأمور داعية إلى التهدئة. وتخوف محللون وسياسيون من توتر على الارض إثر استقالة الحريري، كما سرت تكهنات عن احتمال تأثر وضع الليرة اللبنانية بالتطور المفاجىء، فيما أكد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أن الليرة اللبنانية ستبقى مستقرة، مشددًا على أن الازمة الحالية سياسية وليست نقدية.

بورصة الأسماء

في المقابل، بدأت بعض التحليلات السياسية والإعلامية برسم السياق الممكن للخروج من الأزمة الراهنة، والذي يترواح بين إمكانية الإبقاء عن الوضع القائم، ما يعني استمرار الحكومة في تصريف الأعمال دون الدعوة إلى استشارات نيابية تفرز تكليف رئيس جديد للحكومة، أو الذهاب نحو تشكيل حكومة جديدة، وهنا تمامًا تكمن إشكالية كبرى تتعلق بشكل هذه الحكومة وماهيتها وطبيعة تركيبتها ووظيفتها، بالإضافة إلى هوية رئيسها الذي "لا بد أن يحظى بغطاء سني يؤمنه تيار المستقبل ودار الفتوى"، بحسب ما أوضحت هذه التحليلات.

في بورصة الأسماء المتدوالة، يحضر إسم الرئيس الأسبق فؤاد السنيورة لتشكيل الحكومة، فهو يحظى بغطاء من الشارع السني وبدعم من الرئيس سعد الحريري، لكن المشكلة تكمن في الفريق المقابل، وتحديدًا في حزب الله، الذي يرفض بشدة إمكانية عودة السنيورة إلى رئاسة الحكومة بحسب المراقبين، فيما يبرز أيضًا إسم النائبة بهية الحريري، عمة الرئيس سعد الحريري، لتولي هذه المهمة انطلاقًا من تشكيل حكومة تكنوقراط تنحصر مهمتها في إدارة شؤون الناس والتحضير لإنجاز الانتخابات النيابية، لكن هذا الأمر يصطدم بإصرار حزب الله وحلفائه على تشكيل حكومة سياسية، معتبرين أن الوضع القائم، لا سيما عقب استقالة الحريري، يفرض وجود حكومة سياسية بامتياز.

بين هذا وذاك، يرى بعض المتابعين أن إسم وزير الداخلية نهاد المشنوق يحضر بقوة في بورصة المرشحين المحتملين، وذلك على أساس تشكيل حكومة مختلطة بين السياسي والتكنوقراط بهدف إدارة الأزمة السياسية الراهنة من جهة، وإنجاز الانتخابات النيابية المقبلة من جهة أخرى. لكن هذا الخيار يطرح سلسلة من الأسلئة التي تتعلق بمشاركة حزب الله في الحكومة وبطبيعة بيانها الوزاري الذي طالما لحظ تشريع سلاحه وعمله العسكري وفق ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة.

وأعلن الحريري استقالته السبت من الرياض واكد الخشية على حياته مهاجمًا حزب الله وإيران. وقال إن طهران "أنشأت دولة داخل الدولة واصبح لها الكلمة العليا"، أما "ذراعها" حزب الله فقد "فرض امر واقع بقوة سلاحه".

ولطالما شكل لبنان مسرحًا يعكس الصراعات في المنطقة. ويتلقى حزب الله دعمًا سياسيًا وعسكريًا كبيرًا من إيران، وهما يساندان النظام السوري في الحرب الدائرة على أرضه. ورفض الحريري على الدوام مشاركة حزب الله عسكريًا في الحرب السورية.