«إيلاف» من بيروت: انتهت أزمة استقالة رئيس الحكومة اللبناني سعد الحريري منذ أكثر من شهر أمس، بمخرج دفعه إلى العودة عن هذه الاستقالة وقضى بإجماع مكونات الحكومة، بمن فيها حزب الله، على التزامها "النأي بنفسها عن أي نزاعات أو صراعات أو حروب أو عن الشؤون الداخلية للدول العربية، حفاظاً على علاقات لبنان السياسية والاقتصادية مع أشقائه العرب".

ويبقى السؤال هل يستطيع لبنان فعليًا أن ينأى بنفسه عن أزمات المنطقة؟

أزمة لبنان

يؤكد الكاتب والإعلامي عادل مالك في حديثه لـ"إيلاف" أن لبنان غرق في واحدة من الأزمات التي شهدت نوعًا من التخبط في السياسات اللبنانية المحلية، وتركت آثارًا وندوبًا سياسية بين مختلف الأحزاب المكونة للحكومة الحالية، ويلفت مالك إلى أن تعبير "النأي بالنفس" يبقى مطاطيًا يحتمل أكثر من تفسير وأكثر من اجتهاد، لذلك صيغة النأي بالنفس التي تم التوصل إليها باعتقاد مالك تدور في حلقة مفرغة بمعنى الاهتداء الى تعريف محدد ومضمون معين، إضافة إلى أن "النأي بالنفس" يحتاج إلى فريق آخر، ويشبه رقصة التانغو لا يمكن أن يكون من قبل فريق واحد، ليتكامل معه، وبمعنى آخر لا يكفي أن يتضمن البيان الوزاري كلمة النأي بالنفس، ولا يكفي أن يقول لبنان إنه بمنأى عن القضايا العربية، بل يجب أن يكون المطلوب من الأطراف الأخرى التوافق فعليًا لا كلاميًا على هذا الموضوع، والنأي بالنفس من طرف واحد لا يتعدى عملية التسوية السياسية على الطريقة اللبنانية، عدا عن ذلك القضية تبقى قضية مبدأ أكثر مما هي الاتفاق على تعبير لغوي أي النأي بالنفس، وإذا لم يكن هناك من تفاهم جديّ وصريح من مختلف الكتل والفصائل السياسية اللبنانية، فعبثًا نحاول الإختباء وراء شعار النأي بالنفس.

رغم ذلك يضيف مالك، تم العمل على صياغة في ما خص موضوع النأي بالنفس يمكن أن تشكل مخرجًا للموضوع، لكن لا يبقى اي قيمة لأي نص أو تفاهم ما لم تصفَّ النوايا، وما لم يتفق اللبنانيون في العمق على تجنيب أنفسهم مشقات الآخرين.

ويؤكد مالك أن لبنان منذ الأربعينات من القرن الماضي يعتمد المبدأ العملي القائم على عدم اقحام نفسه في المشاكل العربية، فلبنان كان دائمًا مع العرب إذا اتفقوا، ولبنان على الحياد اذا ما اختلفوا.

المجتمع الدولي

وردًا على سؤال أي دور للمجتمع الدولي في حث لبنان على تطبيق مبدأ النأي بالنفس فعليًا لا كلاميًا فقط؟ يجيب مالك أن هذا يندرج تحت إطار حرص بعض المرجعيات الدولية على ضبط الإستقرار في لبنان قدر المستطاع، وتبقى نقطة لصالح لبنان أن يسارع السفير الفرنسي وكذلك الرئيس الفرنسي من أجل العمل على احتضان أزمة لبنان الأخيرة، ويضاف الى ذلك أن إيطاليا التي زارها رئيس الجمهورية ميشال عون منذ أيام، تستعد لعقد مؤتمر خلال الأيام المقبلة، دعمًا للبنان، وكذلك فرنسا قدمت نفسها من أجل عقد اجتماع جديد تحت عنوان دعم لبنان من خلال تعزيز السلم الأهلي، وكذلك الإحتماء من مخاطر النزوح السوري الذي بات يشكل مأساة كبيرة على الشعب اللبناني بكامله.

ولدى سؤاله الى أي مدى سيستفيد لبنان من الدعم الدولي في حال طبق فعليًا موضوع النأي بالنفس؟ يلفت مالك إلى أن التركيبة اللبنانية ليست واحدة وموحدة لجهة القضايا المطروحة، فلبنان عرف بالتعددية السياسية وسيبقى، إنما أزمة لبنان التي مر بها دفعت إلى تجنيب علاقات لبنان أي أزمة مع الدول المجاورة من خلال اعتماد لبنان النأي بالنفس، لذلك من مصلحة جميع اللبنانيين التضامن حيال هذه النقطة، لكن من الناحية العملية هناك أزمة ثقة مستعصية بين مختلف الأطراف اللبنانية، والحل المثالي الذي يجعل من لبنان "جمهورية فاضلة" غير موجود حاليًا، إنما يبقى الشكر للعالم اللغوي "سيبويه" في اللغة العربية الذي يساعد دائمًا على اخراج لبنان من أزماته، بفضل الإهتداء على تركيبات لغوية من شأنها أن تلبي بعض الإحتياجات التي تطالب بها الكتل السياسية في لبنان، ومن بين هذه التركيبات موضوع النأي بالنفس.