بينما تعقد الجمعية العامة للأمم المتحدة اجتماعًا اليوم الخميس، من أجل التصويت على قرار بشأن اعتراف الولايات المتحدة الأميركية بالقدس عاصمة لإسرائيل، استبق الرئيس دونالد ترمب التصويت، بإطلاق تهديدات إلى دول العالم، بقطع المساعدات التي تقدمها أميركا إليهم، ومنها مصر صاحبة مشروع القرار. وتعرض ترمب لانتقادات شديدة من السياسيين المصريين.

إيلاف من القاهرة: تعقد الجمعية العامة للأمم المتحدة المؤلفة من 193 دولة جلسة طارئة اليوم الخميس بناء على طلب دول عربية وإسلامية بشأن القرار الأميركي الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. 

واستبق الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الجلسة، وأطلق تهديدات بـ"وقف المساعدات المالية عن الدول التي ستصوت لصالح مشروع قرار في الأمم المتحدة، ضد قراره الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل".

وأضاف ترمب، في تصريحات للصحافيين في البيت الأبيض: "إنهم يأخذون مئات الملايين من الدولارات وربما مليارات الدولارات ثم يصوتون ضدنا. حسنا، سنراقب هذا التصويت. دعوهم يصوتون ضدنا. سنوفر كثيرا ولا نعبأ بذلك".

وكان الرئيس الأميركي أعلن، في السادس من ديسمبر الجاري، الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وأصدر الأوامر لوزارة الخارجية ببدء إجراءات نقل السفارة من تل أبيب إلى القدس، ما أثار عاصفة من الغضب في أرجاء العالم، ولاسيما العالم الإسلامي على المستويين الرسمي والشعبي.

وأحبطت أميركا باستخدام حق "الفيتو" مشروع قرار مصري في مجلس الأمن، ينص على أن أي قرار من شأنه تغيير الوضع القانوني للقدس يعتبر بلا أي أثر قانوني أو مادي.

انتقادات مصرية

وأثارت تهديدات ترمب غضب السياسيين المصريين، وتعرض لانتقادات شديدة، وقال السفير مصطفى عبد العزيز، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، لـ"إيلاف" إن تهديدات ترمب تعتبر ورقة ضغط ضد الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولاسيما الدول الأفريقية والأسيوية، مشيرًا إلى أنها تهديدات جوفاء، لاسيما أن المعونة المقدمة لمصر، منصوص عليها في اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، وليست عطية أو منة من أميركا.

ولفت إلى قرار قطع المعونة بشكل تام، يحتاج إلى قانون من الكونغرس، وليس قرار سياسي من ترمب، مشيرًا إلى أن أوباما حاول قطع المساعدات ولم يفلح بعد اسقاط حكم الإخوان في العام 2013، ولكنه جمد جزء منها، ثم عادت مرة أخرى.

وقال رجل الأعمال نجيب ساويرس، في تدوينه له عبر حسابه الرسمي بتويتر: "يا عم قلنا لك طظ فيك وفى مساعداتك.. أنت دخلت في حتة غلط وقرارك لا في مصلحة أي يهودي أو مسيحي أو مسلم عندهم ضمير.. القدس للجميع".

ووصف رئيس مكتبة الإسكندرية، الدكتور مصطفى الفقي، تهديدات ترمب بـ"الغواغائية"، وقال إن الفلسطينيين يبحثون الآن عن وسيط آخر في الصراع مع إسرائيل غير الولايات المتحدة الأميركية، لأنها أصبحت غير نزيهة.

وأضاف في تصريحات له، أن "تهديدات الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، التي أطلقها بقطع المساعدات المالية عن الدول الرافضة لقراره باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، غوغائية"، معتبرًا أن حديثه عن "قطع المعونة مكرر وغير جاد"

ولفت إلى أن "ترمب يسعى من وراء تهديداته وتصريحاته إلى مكاسب انتخابية داخلة الولايات المتحدة". وقال إن الخلاف حول القرار الأميركي بشأن القدس لن يؤثر على العلاقات المصرية الأميركية، منوهًا بأن الولايات المتحدة تعلم جيدًا أن مصر هي الدولة الوحيدة العاقلة في المنطقة، على حد قوله.

ونعت البرلماني مصطفي بكري، الرئيس الأميركي، بـ"البلطجي"، وقال: "هدد البلطجي الأميركي ترمب بمنع المعونة المقدمة من بلاده ضد كل دولة تصوت في الأمم المتحدة ضد قراره بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، حقا إذا لم تستح فافعل ماشئت".

وأضاف في تغريدة له عبر تويتر: "أيها الكاوبوي فلتذهب أنت ومعونتك إلى الجحيم، فنحن لا نبيع القدس ولو بمال الدنيا كلها، كرامتنا وعزتنا فوق كل اعتبار، مضيفا ستدفع ياترمب ثمن هذه البحاجة والاستهانة بخير أمة اخرجت للناس"، معتبرًا أن "قرار ترمب سيضرب القانون الدولي في مقتل ويعطي قبلة الحياة للمتطرفين والإرهابيين".

ولفت إلى أن "موقف مصر العظيمة، سيظل ثابتا قويا وأن كل مؤامرة ترمب ضد القدس وضد الأمة، ستسحق تحت أقدامنا جميعًا"، حسب تعبيره.

السلاح الأخير

ووفقًا لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، فإن التهديد بقطع المساعدات هو السلاح الأخير في يد ترمب.

وتساءلت في تقرير لها نشرته اليوم الخميس: "كيف يمكن لترمب أن يقوم بمثل ذلك التهديد الذي قد ينطوي على قطع المساعدة المالية عن أكبر حلفاء البلاد الإستراتيجيين في الشرق الأوسط، مثل مصر"، مشيرة إلى أن "المساعدات الخارجية تحتاج إلى موافقة من الكونغرس فهي من ضمن اختصاصه، وبينما يمكن للرئيس أن يرفع حجم المعونات من جانب واحد كشكل من أشكال النفوذ، فإن إلغاءها سيتطلب تشريعا جديدا".

وأضافت أن التهديد بوقف المساعدات عن الدول التي لا تتفق علنا مع قرار ترمب، بالاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل، هو سلاحه الأخير والحازم قبيل ساعات من التصويت في الأمم المتحدة، ومع ذلك، فإن المواجهة المريرة في الأمم المتحدة تدل على تداعيات قرار ترمب بالاعتراف بالقدس، تلك التي تتحدى الرأي العام العالمي وعقودًا طويلة من السياسة الأميركية، وفى حين أن القرار لم يطلق العنان لثورات عنف وانتفاضة كبيرة في العواصم العربية التي كان يخشى منها البعض، إلا أنها بالتأكيد تركت الولايات المتحدة معزولة دبلوماسيا.

وتشير الصحيفة إلى أنّ مصر تلقت حوالي 77.4 مليار دولار من المساعدات الخارجية من الولايات المتحدة من عام 1948 إلى عام 2016، وفقا لدائرة أبحاث الكونجرس، بما في ذلك حوالي 1.3 مليار دولار كمساعدات عسكرية سنوية.

ووصف ديريك اتش شوليه، المسئول السابق في الإدارة الأميركية في عهد الرئيس السابق باراك أوباما تصريحات مرتب بأنها "تهديد فارغ"، مضيفًا أن باراك حجب صواريخ هاربون وطائرات مقاتلة من طراز F-16 عن مصر في عام 2013، بعد الإطاحة بحكم الإخوان وعزل الرئيس الأسبق محمد مرسي، لكن أوباما لم يستطع حجب برنامج المساعدات الشامل، على الرغم من أن بعض المسؤولين قالوا إن عمل الجيش يشكل انقلابا، وهو سبب لوقف المساعدات حسب القانون الأميركي.

وقال شوليه: "إن فكرة استخدام المساعدة الخارجية كسلاح تهديد للتأثير على سلوك الدول ليست فكرة جديدة".

وقالت صحيفة "الغارديان" البريطانية، في تقريرها اليوم الخميس، إن ترمب يجازف بوقف معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل التي بمقتضاها تحصل مصر على تلك المساعدات.