طهران: أطلقت قوات الأمن الإيرانية الغاز المسيل للدموع السبت في وسط طهران لتفريق تظاهرة خرجت احتجاجا على الوضع الاقتصادي في البلاد، وذلك رغم تحذير الحكومة مواطنيها من المشاركة في "تجمعات مخالفة للقانون".

وسادت الفوضى المنطقة المحيطة بجامعة طهران السبت بعدما تظاهر مئات الطلاب مرددين هتافات مناهضة للنظام والرئيس حسن روحاني قبل أن تقع صدامات مع الشرطة، ما تسبب بازدحام مروري خانق.

وتحدث مسؤول في وزارة العلوم في وقت سابق عن اعتقال ثلاثة طلاب افرج عن اثنين منهم. ولم يتسن الحصول على حصيلة جديدة لعدد المعتقلين. 

لكن النظام قدم عرض قوة في المكان نفسه، إذ استنفر مئات من الطلاب المؤيدين له للسيطرة على مدخل الجامعة هاتفين "الموت لمثيري الفتنة".

الى ذلك، اظهرت اشرطة مصورة بثها نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي من خارج إيران مشاركة الالاف سلميا في مسيرات في مدن بينها خرم آباد (غرب)، وزنجان (شمال غرب) والاهواز في جنوب البلاد، فيما ارتفعت شعارات "الموت للديكتاتور".

ولكن يصعب التأكد من صحة ودقة هذه الاشرطة بسبب انتشار الكثير من الشائعات على مواقع التواصل الاجتماعي، ووجود قيود على السفر الى مناطق عدة في إيران، ما يفرض شبه حظر إعلامي على الوكالات الأجنبية في البلد الإسلامي ذي الغالبية الشيعية.

واتهم وزير الاتصالات الإيراني محمد جواد ازاري قناة مشهورة على تطبيق تلغرام بالتحريض على "استخدام قنابل المولوتوف والانتفاضة المسلحة والاضطرابات الاجتماعية".

وكانت مسيرات معدة مسبقا للخروج صباح السبت في ذكرى إنهاء حركة الاحتجاج الضخمة التي تلت إعادة انتخاب الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد في 2009، ما ضمن وجود آلاف من أنصار النظام في الشارع في ارجاء البلاد. 

وخلال التجمعات في طهران ومدن اخرى، رفع المتظاهرون صور المرشد الاعلى علي خامنئي ولافتات كتب عليها "الموت للعصيان" في اشارة الى حركة 2009.

وحذر وزير الداخلية عبد الرضا رحماني فضلي "كل من يتلقى دعوة للانضمام للاحتجاجات من المشاركة في التجمعات المخالفة للقانون". 

- "مؤامرة جديدة" -

وعلى وقع صعوبات اقتصادية في البلاد التي تعاني عزلة وتتعرض منذ اعوام لعقوبات دولية بسبب انشطتها النووية الحساسة، اندلعت احتجاجات اجتماعية لم يسمح بها الخميس والجمعة في مدن ايرانية عدة بينها مشهد، ثاني مدن البلاد.

واطلق محتجون شعارات مناهضة للحكم وروحاني. ورغم ان عدد المتظاهرين لم يتجاوز بضع مئات الا انها المرة الاولى منذ 2009 تسجل تظاهرات ذات طابع اجتماعي في هذا العدد من المدن.

كما أطلق بعض المتظاهرين هتافات مؤيدة للملكية التي أطاحت بها الثورة الاسلامية في 1979 فيما طالب اخرون النظام بالتخلي عن الدعم العسكري والمالي لحركات واحزاب اقليمية حليفة والاهتمام بالوضع الداخلي.

وقال الداعية المعروف أية الله محسن الأراكي أمام حشد في طهران إن "العدو يريد مرة أخرى أن يحوك مؤامرة جديدة ويستخدم مواقع التواصل الاجتماعي والقضايا الاقتصادية لاثارة عصيان جديد".

كذلك، وجه مسؤولون إيرانيون أصابع الاتهام لمحرضين خارج إيران.

وكتبت معصومة ابتكار نائبة الرئيس الإيراني لشؤون المرأة على تويتر "على الرغم من ان الناس لهم الحق في التظاهر، يجب أن يعي المتظاهرون إلى أين يتم توجيههم"

تحديات كبرى

وللمرة الاولى السبت، تطرق التلفزيون الرسمي الى الاحتجاجات الاجتماعية عارضا مشاهد منها ومعتبرا ان من الضروري الاستماع الى "المطالب المشروعة" للسكان. 

لكنه ندد في الوقت نفسه بوسائل الاعلام والمجموعات "المعادية للثورة" المتمركزة في الخارج والتي تحاول استغلال هذه التجمعات.

وعنونت صحيفة "آرمان" الاصلاحية السبت على صفحتها الاولى "جرس إنذار للجميع"، فيما برزت دعوات الى الحكومة لاتخاذ تدابير من أجل حل المشاكل الاقتصادية في البلاد.

من جهته، كتب المستشار الثقافي للرئيس روحاني حسام الدين اشنا على تويتر ان "البلاد تواجه تحديات كبرى من بينها البطالة والتضخم والفساد ونقص المياه والفروقات الاجتماعية"، مضيفا "الناس لديهم الحق في اسماع صوتهم".

وكان الوعد بإنعاش الاقتصاد الضعيف في إيران نتيجة العقوبات الدولية وسوء الإدارة، في قلب الحملتين الانتخابيتين اللتين خاضهما روحاني الذي أعيد انتخابه لولاية ثانية في أيار/مايو الفائت.

واذا كان نجح في ابقاء نسبة التضخم أدنى من 10 في المئة، فان البطالة ظلت مرتفعة ووصلت الى 12 في المئة، بحسب الارقام الرسمية.

ومنذ قمع الحرس الثوري بلا هوادة لتظاهرات 2009، احجمت الطبقة الوسطى في إيران عن الضغط في اتجاه التغيير من خلال الشارع.

لكن احتجاجات اقل حجما استمرت وتجلت في تظاهرات محدودة لسائقي حافلات أو مدرسين أو عمال مصانع رفضا لظروف العمل السيئة او عدم دفع الرواتب.

وسعت حكومة روحاني، منذ وصوله الى السلطة عام 2013، الى تنظيم القطاع المالي، واغلقت ثلاثا من مؤسسات الاقراض الكبرى في البلاد. 

لكن التقدّم في تنظيم هذا القطاع كان بطيئا.

ويقول بايام بارهيز رئيس تحرير صحيفة "نظار" الإصلاحية والتي كانت أول من نشر اخبارا عن تظاهرات مشهد إن الاحتجاجات الأخيرة تركز أكثر على الأوضاع الاقتصادية وليست على غرار تظاهرات 2009 التي أثارتها مزاعم تزوير الانتخابات.

وقال بارهيز لوكالة فرانس برس "اليوم الاهتمامات اقتصادية. هناك اشخاص فقدروا مدخرات العمر. سيحتجون حتى يتم حل مشاكلهم".

ودعا مسؤولون من مختلف الأطياف السياسية لبذل مزيد من الجهود لمعالجة أزمة الفقر والبطالة، خصوصا مع ادراكهم أن التظاهرات ضد الاوضاع الاقتصادية يمكن أن تتحول سريعا إلى فوضى سياسية.

وقال المرشح المحافظ الى الانتخابات الرئاسية ابراهيم رئيسي والذي خسر امام روحاني في الانتخابات الأخيرة إن "الشعب وخصوصا الفقراء يتعرض لضغوط".

واضاف رئيسي "اذا ابدت الحكومة تصميما على تسوية المشاكل الاقتصادية فان الشعب سيدعمها".